× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

«جيوش» القطاع الخاص: من سوريا إلى العالم!

عقل بارد - على الطاولة 17-05-2022

بعد أكثر من عشر سنوات على حرب نشأ خلالها جيل يتقن صناعة الموت، ومع انعدام فرص الحياة ومصادر الرزق، كان من الطبيعي أن يرمي كثيرون معاولهم ومناجلهم، وأدوات عملهم، ويحملوا البنادق بحثاً عن «عمل» بديل، الأمر الذي وفّر لتجار الحروب استثماراً جديداً أمعنوا في استغلاله

الصورة: (شركة القلعة للخدمات الأمنية / فايسبوك)

عادت قبل فترة وجيزة إلى الواجهة قضية «المقاتلين السوريين المأجورين»، أو ما يُطلق عليهم «المرتزقة»، الذين شاركوا في القتال خارج حدود سوريا، سواء في ليبيا أو في الحرب الأذربيجانية-الأرمينية.

جاءت العودة هذه المرة من بوابة الحرب الروسية الأوكرانية، وما رافقها من تبادل اتهامات باستعمال السوريين على طرفي الحرب. (اتهامات لتركيا بإرسال مقاتلين لمؤازرة أوكرانيا، واستعانة روسيا بمقاتلين سوريين من مناطق سيطرة دمشق).

وبرغم استخدام السوريين في الحرب الإعلامية و«البروباغندا» أكثر من استعمال المقاتلين السوريين على أرض الواقع في الحرب الأوكرانية، يشكل تقاذف الاتهام فرصة للنظر بشيء من التعمق في تركيبة المجتمع السوري المنقسم، ومدى تجذّر «العسكرة» بمختلف أشكالها في تفاصيله، إضافة إلى دور القطاع الخاص الذي «استثمر» ولا يزال في هذا المجال.

بعيداً عن الخوض في التفاصيل الدقيقة لتقسيمات السيطرة التي ترسخت خلال السنوات الماضية مع تجميد خطوط الصراع، وعن دور الأطراف الدولية التي استثمرت في الحرب السورية، تمكن ملاحظة بعض الاختلافات في الهيكليات المتبعة في تجنيد وتدريب واستثمار المقاتلين.

شركات عابرة للحدود

تشكل مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) حالة خاصة في هذا السياق بسبب الأطراف الدولية العديدة المنخرطة في تلك المناطق، فضلاً عن الانقسامات الداخلية في صفوف الأحزاب الكردية، والدوافع التاريخية والأيديولوجية لعمليات التجنيد، المرتبطة بصراعات «وجودية» تخوضها بعض الأحزاب الكردية وخاصة «العمّال الكردستاني» وامتداداته في سوريا والعراق.

أما في مناطق الفصائل المرتبطة بتركيا، سواء التي تسيطر عليها أنقرة مباشرة (ريف حلب الشمالي إلى شمالي شرق سوريا)، أو غير مباشرة (إدلب-«هيئة تحرير الشام»)، فتظهر حالة من الفوضى الفصائلية، الأمر الذي شكّل «وضعا مثالياً» للأتراك لاستثمار المقاتلين وتجنيدهم عبر مكاتب صغيرة، وبعض الفصائل والشخصيات. 

وخلال السنوات الماضية، حضر المقاتلون السوريون الذين جندتهم تركيا في معارك وحروب عدة خارج البلاد، في ليبيا وأذربيجان واليمن، كما يُحكى عن حضورهم في أوكرانيا، كما حضر في المقابل نُظراء لهم جندتهم روسيا.

أعادت الحرب الروسية الأوكرانية إلى الواجهة قضية «المقاتلين السوريين المأجورين» الذين شاركوا في حروب سابقة خارج البلاد

بينما تُظهر محاولة تتبع تجنيد المقاتلين بعض الصعوبة جراء الفوضى في الشمال السوري، والسرية الكبيرة التي تحيط بعمليات «تحرير الشام» في الشمال الغربي (إدلب)، تؤكد شهادات عديدة تورط فصائل في هذه العمليات أبرزها: «السلطان مراد»، و«سليمان شاه»، و«فرقة المعتصم»، و«فرقة الحمزة»، وهي منضوية في «الجيش الوطني»، فضلاً عن التجنيد عبر مكاتب أو بالاعتماد على قادة فصائل صغيرة.

ومع أن هذه العمليات تحصل في مناطق خاضعة للجيش التركي، يُلاحظ أنها تجري بتنسيق مباشر مع شركة «صادات/سادات» الأمنية المرتبطة بالمخابرات التركية مباشرة، وهي كما يبدو عملية التفاف لمنع الربط المباشر بين عمليات التجنيد وبين الحكومة التركية. وأياً تكن أسباب هذا الالتفاف، تكشف هذه الحقائق الصغيرة امتداد أذرع شركات أمنية خارجية إلى الداخل السوري الذي يمثل «خزاناً بشرياً» للمقاتلين المتمرسين.
المشهد نفسه تظهره عمليات بحث تتعلق بمناطق سيطرة دمشق، رغم بعض الاختلافات المتعلقة بالهيكلية والأطراف المستفيدة.

أسس قديمة... وتحديثات

مع دخول سوريا مرحلة انفتاح اقتصادي جديدة في بداية الألفية، توسعت شركات عملاقة بينها المختصة بعمليات البناء، وأخرى بأسواق التجزئة (المولات)، بالإضافة إلى ظهور عدد من المصانع الكبيرة، الأمر الذي خلق طلباً على موظفين مختصين في حراسة هذه المنشآت، ما دفع إلى تدريب عدد من الشركات المختصة موظفي أمن لبعض المهمات البسيطة مثل المراقبة والتفتيش والحراسة الليلية.

لم تكن تلك الشركات آنذاك تتمتع بأي غطاء قانوني واضح، وإنما حصلت على سجلات شركات تجارية، وكان يملكها ويديرها عدد من المتنفذين، الأمر الذي أمّن لها حماية من الملاحقة القانونية، خصوصاً أن نطاق عملها كان محدوداً وبعيداً عن العسكرة.

في العام 2013 فتحت دمشق الباب أمام تنظيم وشرعنة الشركات الأمنية التي اتخذت طابعاً عسكرياً 

ثم مع اندلاع الحرب وتدخل قوى دولية وخروج مواقع نفطية عن السيطرة، بالإضافة إلى المصاعب التي رافقت نقل البضائع، فتحت الحكومة الباب أمام تنظيم وشرعنة الشركات الأمنية التي اتخذت طابعاً عسكرياً هذه المرة، فصدر المرسوم التشريعي 55 للعام 2013 الخاص بمنح الترخيص لشركات خدمات الحماية والحراسة الخاصة.

وكالعادة؛ حصل عدد من المتنفذين و«الموثوقين» على الترخيص، وبدأت عمليات التجنيد والتدريب في أكثر من منطقة أبرزها الساحل السوري حيث استعان عدد من أصحاب هذه الشركات (أيمن جابر وشقيقه محمد مثلاً اللذين أسسا «صقور الصحراء» و«مغاوير البحر») بمقاتلين روس سابقين للتدريب على عمليات حماية المواقع النفطية.

كذلك، ساهم رامي مخلوف في إنشاء عدد من الشركات بتراخيص حملت أسماء مختلفة، مثل «قاسيون» و«ألفا»، وقد عملت تحت اسم «جمعية البستان الخيرية»، فيما جرى تطوير عمل شركات أمنية كانت قائمة بينها «شروق» و«القلعة»، وهي امتداد لشركة كانت تحمل اسم «غروب فور سيكيوريتي»، وتربط مصادر عدة بينها وبين الفرقة الرابعة التي يقودها فعلياً ماهر الأسد، ولكن لا يمكن التحقق من وجود هذه العلاقة من مصادر محايدة.

التجربة الإيرانية

على خط موازٍ، دعمت إيران إنشاء جماعات رديفة للجيش السوري أبرزها «الدفاع الوطني» و«الدفاع المحلي»، كما أقامت علاقات وثيقة مع عدد من الشركات الأمنية. لم تهتم التجربة الإيرانية بتأمين غطاء قانوني، بل أخذت طابعاً ميليشاوياً أكثر منه مؤسساتياً، الأمر الذي سرّع من فرط عدد كبير من هذه الجماعات مع بدء التدخل الروسي في الحرب العام 2015، حين بدأت إعادة هيكلة النشاط العسكري ومؤسساته، وتحجّم دور إيران دون أن يُلغى.

بالإضافة إلى نشاطها العسكري في مناطق البادية وقرب المواقع الأميركية عبر فصائل عسكرية تحمل أسماء مختلفة تحت غطاء «محور المقاومة»، تذكر مصادر عدة أن طهران حولت عدداً من الفصائل إلى شركات بينها «الفجر» و«العرين»، علاوة على دخولها في شراكات مع عائلة قاطرجي. وأيضاً لا يمكن التأكد من صحة هذه المعلومات من مصادر موضوعية لأن ملكية هذه الشركات العلنية عائدة لشخصيات وشركات سوريّة، ولا يمكن تتبع أثر إيران فيها.

توسع نطاق عمل تلك الشركات في عدد من العمليات القتالية خاصة في المناطق النفطية (حمص وسط سوريا) قبل أن تشهد الساحة السورية بعض التغيرات، لتظهر أسماء جديدة على الساحة وتدخل روسيا على الخط وتبدأ مرحلة «أكثر تطوراً».

«فاغنرز» السورية

ساهم الانقسام الكبير في الجغرافيا السورية والتدخل الروسي في الحرب وما رافقه من حضور لعدد من الشركات بينها «فاغنر» (أشبه بالمعادل الروسي لشركة «بلاك ووتر» الأميركية) في بروز عدد من الشخصيات التي لعبت دوراً في نقل وتأمين البضائع خاصة النفطية بين مناطق السيطرة في سوريا. وبرزت في هذا الإطار عائلة قاطرجي (محمد براء وحسام ومحمد) الذين يملكون أسطولاً كبيراً لنقل النفط من شرق سوريا إلى مناطق سيطرة الحكومة، فأسست العائلة شركتي «أليب» و«المهام»، كما برز سامر فوز الذي ساهم في عدد من هذه الشركات، إضافة إلى شركات جديدة ممولة من «فاغنر» وأبرزها «صائدو داعش» التي تأسست في ريف حماة العام 2017، ثم ذاع صيتها بسبب «ارتباطها بتجنيد وإرسال مقاتلين للمشاركة في حروب خارج سوريا».

شهدت مرحلة التدخل الروسي تغيرات عديدة في هيكلية الشركات والمتنفذين، وأُنهيت سطوة البعض، مثل الشركات التي ساهم مخلوف في تأسيسها (ألفا، فالكون، الحصن)، كما أُنهي النشاط العسكري لشخصيات أخرى مثل محمد وأيمن جابر، ولوحق الذين كانوا يقاتلون تحت إمرة جابر من المتسربين من الجيش أو المتخلفين عن الخدمة الإلزامية، بعدما كانت السلطات تغض الطرف عنهم.

متى نرمي البندقية؟

اليوم، وأمام الظروف الحالية من تدهور اقتصادي وأمني وحتى أخلاقي، لا يلوح في الأفق أي تغيير حقيقي، الأمر الذي يوفر وضعاً يبدو مربحاً للمستثمرين في هذا القطاع، ليشمل ذلك السوريين أنفسهم الذين يجري استثمارهم في الداخل والخارج، بعدما باتوا مع تراكم خبراتهم القتالية وتنظيمها بيدقاً جاهزاً للمشاركة في حروب قد لا يعرفون عنها شيئاً، ولا حتى مواقع المناطق التي يقاتلون فيها على الخريطة، فيغدو البارود مصدر رزق، والموت صناعة متجذرة.


Share!

لا يتبنى «صوت سوري» أي توجه مسيس للملف السوري ولا تقف وراءه أي جهة سياسية.
نحن نراهن على دعمك لنا في الوصول إلى جميع السوريين والسوريات.

إذا رأيت أن خطابنا يستحق الوصول انشري / انشر هذا المقال من فضلك

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها