× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

الحزبية في المؤسسة العسكرية: 4- هل أُعدم حسني الزعيم انتقاماً لأنطون سعادة؟

عقل بارد - أوراقنا 07-06-2022

كان حسني الزعيم «عسكرياً مثقفاً وصاحب مطامع قيادية» لكنه «لم يكن مؤمناً بقضايا وطنية أو قومية أو سياسية أو اجتماعية» على ما تقول بعض شهادات معاصريه. تطرح بعض الروايات أسباباً «حزبية» لقتل الزعيم، انتقاماً منه بسبب دوره في إعدام أنطون سعادة

الصورة: (ملكية عامة - قمة سورية لبنانية 1949، من اليمين إلى اليسار: الرئيس اللبناني بشارة الخوري ورئيس وزرائه رياض الصلح، والرئيس السوري حسني الزعيم ورئيس وزرائه محسن البرازي)

وُصف حسني الزعيم، قائد الجيش السوري الذي جلبته المصادفة، وفقاً لحديث عديله نذير فنصة في مذكراته عن تلك الأيام التي حملت عنوان «أيام حسني الزعيم: 137 يوماً هزت سوريا»، وصدرت عن دار اﻵفاق الجديدة في بيروت 1983، بأنه كان «عسكرياً مثقفاً وصاحب مطامع قيادية»، لكنه «لم يكن مؤمناً بقضايا وطنية أو قومية أو سياسية أو اجتماعية، ولم يكن قومياً عربياً كما كان يدعي، كما لم يكن شعوبياً يحمل الكراهية للعرب، وكان يشاع أنه من أصل كوردي». وهذا ما أورده عنه أكرم الحوراني في مذكراته أيضاً.

يثير تقييم الحوراني هذا شيئاً من الاستغراب، بحكم كونه ملاصقاً ومقرّباً من صاحب الانقلاب الأول في العالم العربي، أي الزعيم، بل وكان أول شخص طلب الأخير اللقاء به بعد نجاح انقلابه. ووفقاً لفنصة «بات الحوراني هو الذي يخط للزعيم البيانات ويضمّها ما يجول في رأسه لا ما يجول في رأس الزعيم» (ص. 37). 

رغم مدة حكمه القصيرة (137 يوماً)، قدم الزعيم «إنجازات مهمة» بحكم وضعه السلطتين التشريعية والتنفيذية تحت سلطته المباشرة، ومنها: منح المرأة حق التصويت، وإقرار قانون الأحوال الشخصية، لكن من دون نسيان أنه وقع اتفاقية «خط التابلاين» التي رفض البرلمان السوري الموافقة عليها (بضغوط من جماعة الحوراني وحزب «الشعب»)، بعد مد الخط في الأراضي السورية وعرض الشركة الأميركية المشغلة دفع التزاماتها كافة. 

ديكتاتورية هزيلة!

رأى الزعيم نفسه زعيماً في مصاف زعماء كبار مثل نابليون وأتاتورك وهتلر، وقال في مرحلة لاحقة إنه «ملك سوريا». وصفه بعضهم بالديكتاتور رغم أنه أعلن في مؤتمره الأول: «لم نتوخ القيام بانقلاب ديكتاتوري». 

قال عنه خالد العظم إنه «متهور وطائش». واشتهر بولعه باللباس، وبحمل عصا الماريشالية على طريقة هتلر، وبقوله: «أتمنى أن أحكم الشام يوماً واحداً ثم أقتل». لم نتمكن من العثور على هذا القول الأخير في وثيقة مما قرأنا، لكن هذه اللقطات الصغيرة مأخوذة من مقال نشرته عنه صحيفة «الأخبار» اللبنانية منذ سنوات قريبة.

مهدت نكبة فلسطين وهزيمة الجيش السوري، واختلاط الزعيم بالضباط بصفته قائداً للجيش، للانقلاب الأول في العالم العربي والإطاحة بشكري القوتلي الذي عيّن الزعيم قائداً للجيش بسهولة تعيين أي موظف حكومي من أصغر درجة. تطرح طريقة تعيين الزعيم قائداً للجيش بعدما كان مطروداً منه أسئلة عن معايير اختيار القادة في مناصبهم. ووفقاً لما روى عديله فنصة، فإن الأخير كان السبب في تعيين الزعيم في منصبه بعدما توسط له عند القوتلي.

«رأت دمشق رجلاً تلمع البسالة في عينيه وقد بسط كفه للمارة يقول: حسنة لهذا الرقيب في الجيش السوري، صدقة لهذا المقاتل الذي سرحوه من الجبهة دون إنذار»

على ما يستشف من هذه الطريقة في التعامل مع الجيش أنه لم يكن يحظى بما يميزه عن أي مؤسسة مدنية أخرى يحصل تعيين الموظفين فيها بهذه الطريقة أو تلك، بدون معايير واضحة سوى الولاء على ما يبدو، حتى في مسألة مثل تعيين قائد للجيش وسط ظروف غير اعتيادية.

على أي حال، اكتسب الزعيم شعبية كبيرة في أوساط الجيش حين جعل تغذية الجنود ممتازة، ووفَر بعض أسباب الترفيه لقطعات الجيش في الجبهة. كما حقق مع المتعهدين المتلاعبين وسجن المقدم حسن غنام الذي كان مسؤولاً عن الطعام في الجيش، «وكان الخبز كريه الرائحة كأنه خارج من المجارير، ومر المذاق كأنه الزقوم، فأخذ الجنود... ينشدون هازئين: حول، باغنام، حول... وين السمنة وين».

بطاقة الاستفتاء الرئاسي في عهد حسني الزعيم / التاريخ السوري المعاصر

في تقرير له بعد استلامه القيادة العامة للجيش والقوى المسلحة أثناء معركة فلسطين، يقول الزعيم: «قمت بتفتيش للجبهة فراعني ما شاهدت فيها من جندي يتناول طعامه بطاسته (أي خوذته الحديدية) لعـدم وجـود قصعة فردية، وآخـر يلتحف بطانية بالية ممزقة لا تقيه طوارئ الطبيعة، وذخيرة أكلها الصدأ، وأسمال باليـة علـى الجنود، وتذمر من سوء التغذية» (نقلاً عن مذكرات الحوراني، ج. 2، ص. 23).

كانت الشكاوى على ذلك الواقع تنهال من قادة القطعات على الأركان العامة، فغضب وزير الدفاع أحمد الشرباتي - قبل استقالته - وضرب بالخيزرانة قائد الجبهة، العقيد توفيق بشور، ﻷنه لم يأمر قطعته بأن تؤدي التحية لمعالي الوزير أثناء زيارته إلى الجبهة (من مذكرات فضل الله أبو منصور، أعاصير دمشق، ص. 40).

لم يشأ الشرباتي أن يفهم أن تلك التحية لم تكن ضرورية في الجبهة، فقد كان تشرشل وكليمنصو يزوران الجبهة في الحربين العالميتين وما كان يؤدي لهما التحية أحد. أما الشرباتي فغضب، ثم اضطر أن يستقيل، احتل مركزه جميل مردم بك، وامتدت الهزة إلى رئاسة الأركان العامة، فاستقال عبد الله عطفة واحتل مركزه الزعيم عبر تعيينه من القوتلي، دون تقديم أي من هؤلاء إلى المحاكمة، وفق رواية الحوراني.

في «أعاصير دمشق»، يقول أبو منصور عن وضع البلاد بعد أسابيع قليلة من استلام الزعيم الحكم: «أخذت حقيقة حسني الزعيم تظهر للعيان وتنجلي لكل مراقب بصير: لقد سكر الرجل بالنصر الذي أحرزه والشعبية الكبيرة التي نالها فأماط اللثام عن طموحه إلى الديكتاتورية المطلقة، وأسفر عن غروره الأهوج الذي لا يقف عند حد، فإذا بتصرفاته الشاذة تستفز الجيش أولاً، ثم تثير الاستياء والخيبة في أوساط الشعب وصفوف الأحزاب».

في الجيش مثلاً «أقدم على تسريح عدد كبير من الضباط والجنود، وهم لا يزالون في الجبهة، وقد مضى عليهم سنة وستة أشهر تقريباً وهم في خطوط النار. صدر الأمر بتسريحهم فجأة بصورة اعتباطية دون تعويض».

هكذا، «رأت دمشق مشهداً لم تقع العيون على مثله في التاريخ، رأت رجلاً يتجسد العزم في قسمات وجهه وتلمع البسالة في عينيه وقد راح يتجول في الشوارع والأزقة والأسواق متسولاً يستجدي الأكف، يمشي حافياً حاسر الرأس، ويرتدي کيس جنفيص تقع عليه أوسمة البطولة والنضال في معارك فلسطين، وقد بسط كفه للمارة يقول: حسنة لهذا الرقيب في الجيش السوري، صدقة لهذا المقاتل الذي سرحوه من الجبهة دون إنذار وسبب وتعويض، فغدا شريداً معدماً تعوزه لقمة العيش» (ص. 40، 41).

لا نعرف على وجه الدقة هل المشهد الموصوف هنا حقيقي أم مبالغات من صناعة أعداء الزعيم، لكن المؤكد أن تسريح عدد كبير من الضباط والجنود كان حقيقة واقعة بشهادات عدد من سياسيي تلك المرحلة، بل إن مصادر تحدثت عن نية الزعيم تسريح نصف الجيش، والاستعانة بأجانب مأجورين يطلق عليهم اسم خبراء (أتراك وفرنسيين وفق زعم أبي منصور)، لكن لا يمكن التأكد من صحة هذا الكلام بعد مرور ثمانين عاماً عليه.

جريدة الأهرام المصرية 15 آب 1949 / موقع التاريخ السوري

قتل الزعيم وأحداث الانقلاب

في كتابه الخطير فعلياً، يسرد أبو منصور أنه من اعتقل الزعيم من القصر الرئاسي، وأنه وضعه في عربة مقاتلة ونقله إلى أطراف دمشق (منطقة بساتين المزة) في انتظار وصول الانقلابيين الآخرين (ومنهم سامي الحناوي وأديب الشيشكلي) الذين لم يتجرؤوا على دخول العاصمة قبل التأكد من نجاح أبو منصور في اعتقال الزعيم.

يؤكد أبو منصور أنّ الزعيم عرض عليه مبلغاً كبيراً من المال مقابل تركه يفر إلى لبنان، لكنه رفض ذلك. 

دون انتظار محاكمة أو إجراءات قانونية أُبلغ الزعيم عبر عصام مريود (أحد ضباط الانقلاب) أنّ المجلس الحربي حكم عليه وعلى رئيس وزرائه محسن البرازي بالإعدام، ثم أصدر أبو منصور أمراً بإطلاق النار عليهما فسقطا قتيلين. 

كان قتل الزعيم جريمة جنائية سياسية وفق منطق «المحاكمة الميدانية العسكرية» التي تتيح تنفيذ أوامر قيادية مصدرها قادة الانقلاب الجديد تأسيساً على ما سمي «الشرعية الثورية» التي ستصير في السنوات التالية أداة معتادة لتنفيذ الإعدام بحق قياديين تم الانقلاب عليهم أو اعتقالهم لهذا السبب أو ذاك. أما أبو منصور نفسه، فسرعان ما شارك في الانقلاب التالي على شريكيه السابقين الشيشكلي والحناوي، قبل أن يفرّ إلى لبنان ويلتحق وفق قوله بالعميد غسان جديد الذي سيلقى مصيراً مشابهاً للزعيم بعد حين على يد عبد الحميد السراج في بيروت.

هل قتلت الحزبية الزعيم؟

تطرح بعض الآراء أسباباً «حزبية» لقتل الزعيم بدور أساسي من أبو منصور. تتبنى الرواية الرسمية المعتمدة حالياً في سوريا هذه الفرضية من خلال الحرص على الإشارة إلى الانتماء الحزبي لفضل الله أبو منصور الذي كان أحد رفقاء الحزب السوري القومي الاجتماعي، ومثله عصام مريود، وكلاهما ضابط في الجيش، وقد يكونان أعدما الزعيم بمبادرة شخصية بمعزل عن قادة الانقلاب.

وفق هذا السيناريو بدأ التخطيط للانقلاب عقب مقتل أنطون سعادة، الذي سلمه حسني الزعيم للسلطات اللبنانية مباشرة في تموز/يوليو، واستغرق إعداد الانقلاب نحو شهر .

تدعم هذا السيناريو تأكيدات أبو منصور حول إطلاق سراح أعضاء الحزب السوري القومي الاجتماعي من سجن المزة في اليوم التالي لمقتل الزعيم (ص. 78)، كما أنه عقب فراره من سوريا إلى لبنان أشار إلى تواصل في صفوف الحزب على مستويات عليا لتأمين فراره. ويضيف فوق ذلك اتهاماً لحسني الزعيم بـ«خيانة المبادئ القومية الاجتماعية.

ثمة روايات عديدة حول مقتل الزعيم حتى اليوم، في إحداها أنه حوكم أمام المجلس الحربي الأعلى محاكمة عسكرية عاجلة وأدين بالخيانة العظمى، وهي التهمة التي ستتكرر كثيراً في سياق الصراعات الداخلية، وقد أُعدم في اليوم نفسه مع رئيس وزرائه البرازي رمياً بالرصاص، وفق الرواية الرسمية.

وفق هذه الرواية، أعطى الحناوي انطباعاً أنه لم يكن في النية قتل الزعيم، ونتيجة لذلك شكل المجلس الحربي ولفّق رواية المحاكمة وصدور الحكم وتنفيذه. ووفق بعض الجند الذين شاركوا في إعدام الزعيم أن الأخير كان «هادئاً بشكل مذهل، ومتمالكاً نفسه».

هناك رواية أخرى مصدرها الملحق العسكري البريطاني في دمشق نقلاً عن قائد الدرك السوري، وفيها أن الزعيم لقي حتفه بعد وقت قصير من دخول الانقلابيين إلى القصر الجمهوري، وقد أخبر قائدُ فصيل الخيالة في الفرقة الأولى، الرائد أمين أبو عساف، قائدَ الانقلاب الجديد، الحناوي، بمقتل الزعيم بحضور الملحق البريطاني. لكن لماذا كان هذا الملحق حاضراً مع الحناوي وفي القصر ساعة الانقلاب؟ وهل يمكن تفسير ذلك - في حال صحة الرواية - بغير وجود دور خارجي في الانقلاب؟


Share!

لا يتبنى «صوت سوري» أي توجه مسيس للملف السوري ولا تقف وراءه أي جهة سياسية.
نحن نراهن على دعمك لنا في الوصول إلى جميع السوريين والسوريات.

إذا رأيت أن خطابنا يستحق الوصول انشري / انشر هذا المقال من فضلك

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها