× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

«المهن الطائفية» في دمشق: حضور يهودي محدود وسيادة مسيحية

عقل بارد - أوراقنا 15-06-2022

استعرضنا في مقال سابق فصلاً يدلل على جانب مضيء من التاريخ الطائفي لسوريا، فيما يتناول هذا المقال بعض المهن والصناعات التي ازدهرت في دمشق حتى منتصف القرن الماضي، وتميز الصناع الدمشقيين المسيحيين الذين لعبوا الدور الأبرز في الازدهار الصناعي التي كانت دمشق تشتهر به حتى فتنة العام 1860

الصورة: (حرفيان يعملان بالموزاييك الدمشقي العام 1910 / كنوز سيرا نيوز - فايسبوك)

حتى منتصف القرن الماضي، ظلت معظم الحرف والصناعات الدمشقية محصورة بيد مسيحيي دمشق باختلاف طوائفهم، مع كون بعض هذه المهن كحفر النحاس وتطعيمه بالذهب والفضة محصورة باليهود، و«قلما نجد عائلة من العائلات الشامية المسيحية التقليدية لم تعمل في مهنة سدْي الحرير. أما الصياغة، فكانت في أغلبها بيد اليهود الدمشقيين»، على ما يقول جوزيف زيتون، وهو باحث سوري وعضو أكاديمي في جامعة «البلمند» الأرثوذكسية، خصص قسماً في مدونته لتأريخ التراث السوري حول المهن الدمشقية وتصنيفها بين عائلية وطائفية.

من أمثلة الصنف الأول يورد الباحث عائلة آل زيتون التي ينتمي إليها وتخصصت بحفر الخشب ونقشه، وعائلة النحات التي تركت بصماتها في كثير من الأمكنة. 

أما «المهن الطائفية»، فتلك التي تحتكرها طائفة مسيحية محددة وتورثها لأبنائها، وعلى رأسها صنعة الموزاييك التي ابتكرها جرجي جبرائيل بيطار وكان من أعيان الروم الكاثوليك، ما جعلها كاثوليكية حصراً. «وكانت معظم الحرف سواء المرتبطة بالخشب والمفروشات، أو بصياغة المعادن الثمينة، أو البناء، أو تشكيل المعادن والنحاس والحدادة ونحت الأحجار... بيد المسيحيين الدمشقيين، يتوارثونها في عائلاتهم ويحصرون تعليمها بأفراد العائلة»، وفقاً للمصدر نفسه.

تؤكد وثيقة تاريخية مهمة كتبها إلياس قدسي أواخر القرن التاسع عشر حول الحرف الدمشقية أن «جميع البنائين والنحاتين في دمشق كانوا من الطائفة المسيحية، وكانت لهم جمعية معلمين مؤلفة من 12 عضواً تجتمع مرة واحدة كل شهر، وتعين رئيساً لها كل 3 أشهر، ومن أخص واجباتها حفظ الكار». (إلياس عبده قدسي، نبذة تاريخية في الحرف الدمشقية - المملكة المتحدة: مؤسسة هنداوي، 2017، ص. 33).

ووفقاً لقدسي، فقد «وصل التقسيم الطائفي للمهن أواخر القرن التاسع عشر إلى أن حرفة "الطفيلية" التي تضم الظرفاء والمهرجين كانت تتبع لشيخي كار: الأول يمثل المسلمين وهو أمين آغا خمخم، والثاني يوسف شاتيلا ممثلاً عن المسيحيين». (ص. 33+34).

أما نعمان قساطلي، وهو شاهد آخر من القرن التاسع عشر، فيؤكد أن معظم صناعات الدمشقيين كالصياغة والبناء وأهم فروع النسيج (كانت) تنحصر في المسيحيين. (الروضة الغناء في دمشق الفيحاء- بيروت: 1879، ص. 122). «ونتيجة لغياب أملاك الطائفة المسيحية واعتمادها على الصنائع لم يحصل تحسين في آلات صناعة نسج الحرير مع أنها بقيت في غاية الإتقان»(ص.123).

«في القرن العاشر الميلادي كان المسيحيون يشكلون نسبة مرتفعة من سكان دمشق، وظلوا كذلك حتى القرن الثالث عشر عندما بدأ ضغط الحكام، وأغلبهم غير عربي، على المسيحيين»

تميز مسيحيو دمشق في مهنة النجارة لأسباب دينية، كونها ارتبطت بالسيد المسيح. ولم تقتصر شهرتهم على هذه المهنة، بل تعدت إلى توابعها من الصناعات المرتبطة بها كحفر الخشب و«البرداخ» والبخ وتحريق الخشب والتصديف، إضافة إلى الموزاييك.

من الصناعات المسيحية أيضاً «المينا»، وفيها «يُستخدم خرز يسحق كالدقيق ويوضع فوق النحاس الأحمر ويُذوّب بطريقة دقيقة». 

وفي العام 1856، «دخلت مهنة حفر النحاس الشهيرة إلى دمشق على يد المعلم إلياس الحمصي، إلى أن طوّر المعلم اليهودي الدمشقي يحيى الزغلول هذه الصناعة مؤسساً أول معمل لها عام 1867، واستمر هذا المعمل حتى استقلال سوريا». (مقال لـ جوزيف زيتون بعنوان: دمشق إضاءة بسيطة على الحرفة والصناعة في تاريخها).

الرسم: صوت سوري

كان الإنتاج الضخم لصناعة النسيج في دمشق الشغل الشاغل لقسم كبير من الحرفيين المسيحيين في المدينة خلال القرنين الثامن والتاسع عشر، وتميزت عائلة بولاد تميزاً كبيراً في هذه الصناعة. وفي وقت مبكر من القرن التاسع عشر، «نشط ديمتري يوسف بولاد (1805-1881) في صناعة الحرير الطبيعي ليغدو المُصنع الأشهر في دمشق، وكان يستخدم ختم صانعي الحرير "بولاد إخوان"»، على ما يروي إلياس بولاد، في نسخةٍ ترجمها وأعدّها من كتاب لتوفيق يوسف بولاد. (تاريخ الفنون والصناعات الدمشقية- دمشق: مطبعة ألف باء، الطبعة الأولى، 2003، ص. 231).

في مرحلة لاحقة، لعب ميخائيل حنا بولاد (1828-1903) دوراً بارزاً في صناعة الأقمشة الحريرية. وبعد أحداث العام 1860 التي عرفت بمذبحة الدروز والمسيحيين هاجر إلى مصر، لكنه ظل مرتبطاً بمسقط رأسه دمشق، وواصل عمله في صناعة الحرير، وكان آخر من صنع أقمشة «البولادية» في دمشق(المرجع نفسه، ص. 237+238).

يشرح بولاد في الكتاب نفسه أن «المسيحيين كانوا يشكلون نسبة كبيرة من سكان دمشق في القرن العاشر (الميلادي) في العهد العباسي»، ويعلّق إلياس بولاد في حاشية: «ظلت هذه النسبة العالية من المسيحية حتى القرن الثالث عشر عندما بدأ ضغط الحكام، وأغلبهم غير عربي، على المسيحيين..). وأمام هذه المعطيات، كان كثير من الصناعات والفنون والوظائف الحكومية بيد المسيحيين، واستطاعوا الحفاظ على ذلك حتى القرن الرابع عشر رغم تضاؤل أعدادهم. وما بين القرن الخامس عشر وحتى العام 1860 بقي المسيحيون مستحوذين على معظم الصناعات الدمشقية المهمة مثل: حياكة الحرير، الصياغة، الزخرفة الحديدية، الفسيفساء، فن العمارة، النقش على الحجر.

بعد مجازر العام 1860 (أو ما سمي محليّاً طوشة 1860) تمكن ملاحظة حالة من الانحطاط في الحرف والصناعات الدمشقية إثر الفتنة الأهلية في جبل لبنان، التي امتدت نحو دمشق، وأدت إلى موجة هجرة مسيحية من دمشق نحو بيروت ومصر وفلسطين.

مصادر

  • إلياس بولاد، تاريخ الفنون والصناعات الدمشقية (دمشق: مطبعة ألف باء، الطبعة الأولى، 2003).
  • إلياس عبده قدسي، نبذة تاريخية في الحرف الدمشقية (المملكة المتحدة: مؤسسة هنداوي، 2017).
  • جوزيف زيتون، "جرجي جبرائيل البيطار الدمشقي مبتكر فن الموزاييك"، المدونة الرسمية، 21/5/2018.
  • جوزيف زيتون، "دمشق إضاءة بسيطة على الحرفة والصناعة في تاريخها"، المدونة الرسمية، 10/7/2020.
  • نعمان أفندي قساطلي، الروضة الغناء في دمشق الفيحاء (بيروت: 1879).


Share!

لا يتبنى «صوت سوري» أي توجه مسيس للملف السوري ولا تقف وراءه أي جهة سياسية.
نحن نراهن على دعمك لنا في الوصول إلى جميع السوريين والسوريات.

إذا رأيت أن خطابنا يستحق الوصول انشري / انشر هذا المقال من فضلك

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها