× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

نظرة سورية على إندونيسيا: من عنف الاستعمار إلى العنف المحلي

عقل بارد - شعوب وحروب 18-06-2022

ثمة نقاط تقاطع عديدة بين سوريا وإندونيسيا، منها مثلا أن الدولتين انضمتا إلى دول عدم الانحياز فور تأسيس المنظومة العام 1955. ورغم أن البلدين لم يتبادلا على نطاق واسع الهجرة أو السياحة، فإن الحرب السورية شهدت حضوراً لجهاديين إندونيسيين شاركوا في القتال إلى جانب «داعش»

الصورة: (من احتفالات عيد استقلال إندونيسيا الـ66 العام 2011 / Ibnu Lukman - فليكر)

ترتبط إندونيسيا في أذهان كثير من السوريين والسوريات بمنظومة دول عدم الانحياز التي تأسست في مؤتمر باندونغ العام 1955، وانضمت إليها سوريا. عدا ذلك، لم يكن أي من البلدين مقصداً لسكان الآخر إلا بشكل فردي متفرق.

تغيّر المشهد مع انطلاق الحرب السورية وظهور تنظيم «داعش» على الساحتين العسكرية والسياسية، ففي العام 2015، كان هناك ما يقدّر بـ 500 إندونيسي يقاتلون في صفوف التنظيم المتطرف ضمن وحدة عسكرية خاصة حملت اسم «كتيبة نوسانتارا» أُنشئت خصوصاً لمتحدثي لغة الملايو.

لاحقاً مع انكسار «داعش»، هناك من عاد مِن المقاتلين طوعاً إلى بلاده العام 2017، وخضع لدورات حكومية مدتها شهر واحد وهدفت إلى «إعادة التأهيل والدمج في المجتمع»، ومنهم مَن سقط قتيلاً أو غادر إلى مناطق قتال أخرى. كذلك، اعتقلت كوالالمبور عدداً ممن ظهر في فيديوهات قتل أو تعذيب من أجل المحاكمة.

لا يزال يُعتقد إلى اليوم أن هناك العديد من أنصار «داعش» الإندونيسيين في سوريا. كما تقول صحيفة «Sydney Morning Herald» إن ثلاثين إندونيسياً آخرين قاتلوا مع مسلحين مرتبطين بـ«داعش» في مسرح حرب أقرب بكثير إلى البيئة الجغرافية والمجتمعية لبلادهم: ماراوي في جزيرة مينداناو، جنوبي الفيليبين، وحتى الآن لم يعد أحد من هؤلاء.

مخاوف من العائدين

تثير عودة «الجهاديين» المتمرسين في القتال إلى إندونيسيا مخاوف حقيقية لدى السلطات الحاكمة، خاصة مع قوة تأثيرهم وقدرتهم على جذب الأتباع، وسط مؤشرات على تزايد تأثير الأفكار الإسلامية المتشددة. ويشير تحقيق استقصائي نُشر العام 2019 إلى أنّ كثيراً من العائدين رفضوا التوقيع على وثيقة التزام دستور 1945 لأنه «يتضمن أيديولوجيا الدولة التعددية»، رغم تهديدهم بالسجن.

مخاوف السلطات تحولت في كانون الثاني/يناير 2016 إلى وقائع، جراء انفجارات بالقرب من مركز تسوق سارينا وسط جاكرتا، وكان أشدها انفجار مقهى «ستاربكس» الذي أدى إلى مقتل ثمانية أشخاص بينهم أربعة مدنيين، وقد سُجل الحدث على أنه أول هجوم إرهابي في إندونيسيا يتبناه «داعش». منذ ذلك الحين، وقع عدد من الهجمات التي حملت بصمة التنظيم ومعظمها تفجيرات انتحارية منخفضة التأثير استهدفت الشرطة. لكن في اليوم التالي لبدء معركة ماراوي (أيار 2016) أدى انفجاران قرب محطة للحافلات في شرق جاكرتا إلى مقتل خمسة أشخاص.

يقدر عدد الإندونيسيين الذين حاربوا مع «داعش» في سوريا بـ500، ويُعتقد أن بعضهم موجود إلى اليوم

حالياً تركّز الحكومة الإندونيسية على معالجة ملف العائدين من الحرب السورية التي شاركوا فيها بصفة «جهاديين»، وهي تستخدم ذريعة الإرهاب لفرض مزيد من القيود على حركة الناس ومراقبة الاتصالات والصحافة، ما يعيد إلى ذاكرة الإندونيسيين العهد الاستبدادي للرئيس سوهارتو في الستينيات.

إندونيسيا المسالمة 

مع ذلك، لا تزال إندونيسيا مثالاً آسيوياً نادراً للديموقراطية القائمة على تعدد الثقافات، علماً بأن هذه البلاد المسالمة نسبياً اليوم هي نتاج تاريخ من العنف الدوري على مدار سنوات وعقود من القرن الماضي، وقد لا يكون ذلك انتهى.

لقد انخرطت القوى السياسية في صراع لتحديد الهوية السياسية والوطنية لإندونيسيا بعد الاستقلال عن الهولنديين في 1945، أي بالتزامن مع خروج الفرنسيين من سوريا والمشرق العربي مع نهاية الحرب العالمية. أخذ الصراع الإندونيسي طابعاً عسكرياً عنيفاً ولا سيما بين 1965 و1966، ما أدى إلى وقوع المذابح المعادية للشيوعيين بدعم مباشر من الولايات المتحدة. 

في نهاية التسعينيات من القرن الماضي، انهار النظام السياسي الإندونيسي نتيجةَ أسبابٍ كثيرة، وبدءاً من 1998 نشبت حقبة من العنف على نطاق واسع كانت من ضمنها الصراعات العرقية والدينية، فامتدت إلى العديد من المقاطعات، وتصاعدت مع المتمردين الانفصاليين في آتشيه Aceh أو دار السلام، وهي عاصمة إقليم آتشيه حالياً، التي تطالب بالانفصال منذ 1979. 

ساعدت الديموقراطية واللامركزية والاقتصاد الديناميكي إندونيسيا ذات الثروات الهائلة على تخطي التحديات، مع أن واشنطن وضعت عينها على تلك الثروات منذ الستينيات، فاختفى الصراع الواسع النطاق منذ 2005 إلى حد كبير، لكن أشكال العنف المتفرقة والمحلية تعرقل التقدم في ملفات مثل العدالة والحوكمة وإدارة الأراضي والموارد الطبيعية. 

بالتوازي، يتعرض تقليد التعددية الدينية في البلاد للضغط بسبب اكتساب الجماعات الهامشية والأفكار المتطرفة تأثيراً متزايداً في السياسة السائدة.

الاسم الغريب والتاريخ الاستعماري

يمثل مصطلح إندونيسيا إشكالية بحد ذاته، إذ استُخدم منذ صياغته منتصف القرن التاسع عشر بطرق مختلفة وأحياناً متناقضة. ولعل إحدى مشكلات التفكير والكتابة عن إندونيسيا في بداية القرن الحادي والعشرين هي تحديد ما يشير إليه المصطلح، لأن لهذه الكلمة معاني جغرافية وسياسية واجتماعية مختلفة منذ سك العملة المحلية على يد الهولنديين منتصف القرن التاسع عشر، وقد يكون المعنى الجغرافي الأصلي أقلها إثارة للجدل.

صاغ الجغرافي البريطاني جيمس ريتشاردسون لوغان «James Richardson Logan» اسم إندونيسيا الذي ورد في مجلة «Penang Gazette» العام 1819 للإشارة إلى الأرخبيل الشاسع المؤلف من آلاف الجزر، والواقع في الطرف الجنوبي الشرقي من البر الرئيسي لقارة آسيا والهند. مزج لوغان اسم الهند، وكلمة «نيسوس» اليونانية التي تعني الجُزُر، ليكون معنى اسم إندونيسيا: الجزر الهندية.

تتقاطع سوريا وإندونيسيا في التنوع الديموغرافي، وفي الاختلاف على الهوية الوطنية!

يعكس الاسم جزئياً حقيقة أن العديد من الجغرافيين الأوروبيين في ذلك الوقت كانوا ينظرون إلى الأرخبيل الإندونيسي على أنه امتداد لشبه القارة الهندية، ولا سيما من الناحية الثقافية. ثم بدأ مصطلح «إندونيسيا» يأخذ دلالات سياسية واجتماعية في مطلع القرن العشرين، سواء لدى الحركة القومية الساعية إلى تحرير الأرخبيل من حكامه الاستعماريين، أو للمستعمرين الهولنديين أنفسهم.

وهنا نقطة تقاطع أخرى مع الحالة السورية التي بدأ اسمها بالتواتر في اﻷحاديث السياسية والاجتماعية للنخب العربية - الشامية أساساً - للدلالة على «ما تبقى من سوريا» بتعبير الأمير فيصل في ذلك الوقت.

مع أواخر عشرينيات القرن الماضي، كانت الحركة القومية تستخدم اسم إندونيسيا لوصف كيان سياسي كانت تأمل في خلقه مكان الدولة الاستعمارية الهولندية، واستخدمته أيضاً لوصف مجتمع كان يسكن تلك الدولة، وعليه شهدت تلك الأيام بدايات ظهور مفهوم الأمة عند النخب من سكان الجزر.

استخدم القوميون المحليون، وهم خريجو المدارس الاستعمارية، كلمة إندونيسيا المخترعة في أسماء أحزابهم السياسية، وأطلقوا على أنفسهم اسم «الإندونيسيين» في نسبةٍ إلى لغتهم، وهي نسقٌ محدّث من الملايو. لكن في سعيها لإنكار الحراك السياسي والقومي، رفضت السلطات الهولندية استخدام الكلمة بأي طريقة رسمية، وبذلت قصارى جهدها لنفي أي معنى لها.

كان ظهور الكيان السياسي لإندونيسيا الحالية بين 1945، مع إعلان الاستقلال على يد الأب المؤسس للحركة القومية فيها، أحمد سوكارنو (Ahmad Sukarno)، ورفيقه محمد حتا (Mohammad Hatta) وبين 1949، عندما اعترف الهولنديون بذلك الاستقلال. 

ثم سعى سكان أجزاء قليلة من الأرخبيل - ولا سيما في جنوب مالوكو - إلى وضع أنفسهم خارج مسمى الدولة الجديدة، ولكن بحلول منتصف الخمسينيات من القرن الماضي يمكن القول إن الدولة الإندونيسية كانت راسخة على نحو واضح وثابت، وبدأت التحرك خارج نطاقها الآسيوي، وصارت معروفة عالمياً. 

بين إندونيسيا وسوريا

يتقاطع النضال والكفاح من أجل تحديد معنى هوياتي وطني في إندونيسيا مع الحالة السورية، وتحديداً مع حالة آلاف الكورد الذين هبطوا إلى سوريا بعد مذابح «ديرسيم» التركية ضدّهم منتصف العقد الثاني من القرن العشرين في شرق اﻷناضول (أي قبل أن تكون هناك دولة سورية مستقلة معترف بها)، ومثلهم اﻵشوريون، واﻷرمن، وغيرهم من سكان البلاد.

بقي سؤال القومية هذا مفخخاً بكثير من الاحتمالات والإجابات، وكان سؤالاً قد تكرر في إندونيسيا بعد الاستقلال، كما أنّ هناك مجموعات أخرى من الناس في الأرخبيل رفضت في أوقات مختلفة محاولات الدولة تسميتهم «إندونيسيين».

تمثال لـ سوكارنو في مدينة بيلتار- جاوة / Niels R - فليكر

مع السنوات الأخيرة من القرن العشرين، بدا أن مزيجاً من النزعة القومية الكاريزمية لسوكارنو، وهو أول رئيس لإندونيسيا، واستبداد حاجي محمد سوهارتو (Haji Muhammad Soeharto)، الرئيس الثاني، قد رسّخ شعوراً بالانتماء إلى الأمة الإندونيسية عبر المنطقة الشاسعة الأكبر من الأرخبيل. 

بالطبع، كانت هناك استثناءات مثل تيمور الشرقية التي كانت الأكثر وضوحاً، لكن عامة بدا مفهوم «أن تكون إندونيسياً» راسخاً لدى كثيرين، وبالمقارنة مع سوريا، يبدو أنّ هذا اﻷمر لم يتحقق كثيراً عندنا.

في هذا السياق، يناقش الكاتب والسوسيولوجي الأيرلندي بنديكت أندرسون (Benedict Anderson)، وهو من أصول إندونيسية ومن مواليد الصين، مسألة «الهوية الإندونيسية المتخيّلة» بتوسع في كتابه الشهير «الجماعات المتخيلة».

يشير أندرسون إلى أنّ ظهور القومية في أوروبا ارتبط بظهور ثورة اللغة والطباعة، في حين أنّ اكتشاف القومية في البلدان التي كانت مستعمرة سابقاً ارتبط بفكرة ظهور «عالم جديد» كان شكلاً من مقاومة الدولة القومية المحتلة (هولندا في إندونيسيا).

أيضاً يرى الكاتب أنّ فكرة القومية في البلدان المستعمرة سابقاً حددها وأطّرها الاستعمار عبر النخب ولم تكن مقصودة بحد ذاتها، وقد استخدمها القوميون المحليون في محاولة لتحرير أنفسهم من استغلال البشر والطبيعة باسم الرأسمالية.

وبالمثل، استُعملت اللغة التي يستخدمها الغزاة أنفسهم وسيلة للنضال من أجل القومية المحلية. ورغم هذا الاشتغال الفلسفي والفكري الناضج، فإنّ أندرسون مُنع من دخول إندونيسيا إبان حكم سوهارتو لسنوات طويلة.

الأعراق والسكان

تقع إندونيسيا جنوب شرقي آسيا، وهي رابع دولة في العالم في عددِ سكانٍ بلغ وفق إحصاءات 2017 نحو 264 مليون شخص (البنك الدولي)، أي ما يزيد على عدد سكان سوريا بعشر مرات على الأقل. كما أنّ أراضيها تمتد على أكثر من 17000 جزيرة على مسافة أكثر من 3181 ميلاً على طول خط الاستواء بين المحيطين الهادي والهندي، وتحتل المرتبة اﻷولى في كونها أكبر أرخبيل جزر عالمياً.

خريطة إندونيسيا / wikimedia

عرقياً ودينياً، تتشابه الدولة العريقة في التاريخ مع سوريا العريقة هي الأخرى في التاريخ، فهناك 87% من سكان إندونيسيا من المسلمين السنة، أي أنها أكبر دولة ذات غالبية مسلمة في العالم، لكنها دولة متنوعة ومعقدة ومتعددة الثقافات تضم أكثر من 300 مجموعة عرقية تتحدث مئات اللغات المختلفة. ويُعرّف نحو 10% من السكان أنفسهم أنهم مسيحيون ونحو 1.7% أنهم هندوس.

تمثل الجاويّة واحدة من أكبر ثلاث مجموعات عرقية في إندونيسيا بنسبة 40.1%، وتقطن أساساً في جاوة، الجزيرة الأكثر اكتظاظاً بالسكان في العالم وموطن أكثر من 50% من إجمالي السكان الإندونيسيين، تليها مجموعة السوندانيز (15.%)، والملايو (3.7%). 

مؤشرات اقتصادية متفائلة

رغم الاختلافات الواضحة بين السكان، ينتظرها مستقبل اقتصادي واعد، ومن المحتّم وفق تقرير للبنك الدولي صدر العام 2019 «أن تصير دولة ذات أهمية عالمية في القرن الحادي والعشرين، إذ تنتقل الدولة الجزرية حالياً من اقتصاد زراعي مدفوع بصادرات السلع إلى اقتصاد قائم على التصنيع والخدمات الصناعية». 

شاطئ كوتا - إندونيسيا / Mio Cade - فليكر

يدعم هذا التوجه المتفائل توقع آخر أصدرته شركة الخدمات المهنية «برايس ووترهاوس كوبرز» في العام نفسه، ويشير إلى احتمال أن تنمو إندونيسيا لتكون رابع أكبر اقتصاد في العالم بحلول 2050. 

يعتمد هذا الارتفاع الاقتصادي المذهل جزئياً على الاتجاهات الديموغرافية التي ستزيد عدد سكان البلاد إلى نحو 321 مليون نسمة. وتشير التقديرات إلى أن 70% من السكان سيكونون بالغين في سن العمل بحلول 2030، وهو ظرف من شأنه أن يزود الأمة بهيكل ديموغرافي مفيد ومجموعة ضخمة من العمالة. 

في ضوء الإمكانات الاقتصادية الهائلة، من المتوقع تضاعف نسبة الطبقة الوسطى في البلاد بالتوازي مع تسارع التوسع الحضري، فيما زادت معدلات انتشار الإنترنت بأكثر من 20% بين 2013 و2016 فقط، كما قفزت النسبة المئوية للذين يحصلون على الكهرباء من 55% في 1993 إلى 98% في 2020. 

وكانت معدلات النمو الاقتصادي الأخيرة منخفضة نسبياً مقارنة بمعدلات النمو قبل الأزمة المالية الآسيوية عام 1997، ومع ذلك، زاد الناتج المحلي الإجمالي باطراد بأكثر من 5% لمعظم السنوات الثماني الماضية. 

إضافة إلى ما سبق تتميز إندونيسيا ليس بالتباينات الإقليمية العميقة فقط، ولكن بكونها دولة نامية يصعب حكمها، وتشوبها مشكلات اجتماعية واقتصادية متعددة، إذ تحتل المرتبة 116 من 189 على مؤشر التنمية البشرية للأمم المتحدة، ونصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي أقل من نصف مثيله في ماليزيا المجاورة. 

أيضاً لا يزال سبعة وعشرون مليون إندونيسياً يعيشون على أقل من 0.75 دولار أميركي في اليوم، ومتوسط العمر المتوقع أقل بسبع سنوات مما عليه في فيتنام. 

يتبع


Share!

لا يتبنى «صوت سوري» أي توجه مسيس للملف السوري ولا تقف وراءه أي جهة سياسية.
نحن نراهن على دعمك لنا في الوصول إلى جميع السوريين والسوريات.

إذا رأيت أن خطابنا يستحق الوصول انشري / انشر هذا المقال من فضلك

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها