× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

الدراسة من أجل البقاء: سوريّات انتصرن على «قدر الأرامل»

حكاياتنا - خبز 23-06-2022

من بين المعارك التي تفرضها كثير من المجتمعات على النساء تلك التي تخوضها النساء الأرامل، إذ تُفرض عليهن قيود إضافية تبدأ من التدخل في كل تفاصيل الحياة الخاصة، ولا تنتهي بتحويل الأطفال سلاحاً ضدّهن. في «اليوم الدولي للأرامل» نعرض قصص ثلاث نساء سوريات قررن خوض معاركهن بالعودة إلى مقاعد الدراسة

لم تصدق سلمى (30 عاماً) عندما أخبروها في المستشفى أن زوجها قد فارق الحياة، شعرت بأن حياتها زُلزلت وانقلبت رأساً على عقب، فعلاوة على فجيعة الفقد وجدت نفسها بلحظة مسؤولة عن ثلاث أطفال ومعهم جدتهم (حماتها).

ظلت السيدة عاماً كاملاً تفكر في الانتحار، بينما هي غارقة في التفكير في كل المسؤوليات، بدءاً من إيجار المسكن، وليس انتهاء بلقمة الطعام. 

عانت سلمى من عنف مجتمعي، ومرضت بالاكتئاب، بينما كانت تعمل في الخدمة المنزلية بين عدد من البيوت لتضمن توفير بعض الاحتياجات. وحين تأكدت أن هذا العمل لن يحقق لها قدراً من الاكتفاء، خاصة أن دخله غير مستقر بدأت البحث عن عمل آخر يضمن لها راتباً ثابتاً، طرقت الأبواب جميعاً، حاولت التوظف عاملة في مستشفى، أو في عيادة طبية، أو مركز تجميل، وباءت جميع محاولاتها بالفشل.

بعد تفكير طويل قررت سلمى العودة إلى مقاعد الدراسة، فتسجلت في كلية الحقوق (تعليم مفتوح)، مع ما يعنيه ذلك من التزام مالي إضافي أرهقها أكثر فأكثر، حتى إنها فكرت في ترك الكلية مرات عديدة، خاصة مع صعوبة التنسيق بين دراستها وعملها، ورعاية أطفالها، لكنها مع كل ذلك أصرّت على مواصلة المشوار. تقول: «عليّ التوفيق بين حياتي الأسرية، والجامعية، علاوة على ضغوط المجتمع لأنني أرملة في سن الشباب تعيش بلا رجل، وكل ذلك في ظل وضع اقتصادي بالغ السوء».

«قررت أن أكون قوية لأجل أطفالي، وواجهت المجتمع والعادات والتقاليد، ورفضت الزواج من شقيق زوجي»

وبشكل عام تعاني الأرامل في سوريا، كما العديد من دول المنطقة من ضغوط إضافية من قبيل تدخل أهل الزوج في شؤونهن وفرض آرائهم على أمورهنّ الشخصية بذريعة «تربية الأولاد»، هذا النوع من الضغوط يأتي في كثير من الأحيان من طرف أهل الأرملة أيضاً.

على نحو مشابه لسلمى، حسمت سعاد (30 عاماً) قرارها عقب وفاة زوجها، وعادت لمواصلة دراستها في كلية التربية (قسم علم النفس) بعد أن تركتها سابقاً بسبب انعدام الأمن وإصرار أهلها على تزويجها.

تشرح سعاد بناء على اختصاصها العلمي، وربطاً بتجربتها بعض الآثار التي تعكسها ممارسات مجتمعية سائدة، على الأرامل وأطفالهن. تقول: «يدفع كثير من الأطفال ضريبة وفاة الوالد، وفقدان السند، ويتعرضون إلى عنف مجتمعي كبير ولو كان غير مباشر، ما قد يؤدي غالباً إلى ارتفاع مستويات العنف لديهم، خاصةً في ظل ضعف الأم وعدم قدرتها على حمايتهم». 

وتضيف: «قررت أن أكون قوية لأجل أطفالي، وواجهت المجتمع والعادات والتقاليد، ورفضت الزواج من شقيق زوجي، وكي لا أحتاج أحداً طرقت الأبواب في منطقة سكني وأبديت رغبتي برعاية أطفال النساء العاملات والموظفات في منزلي، اليوم لدي نحو عشرين طفلاً وطفلة يحضرهم أهلم إليّ يوميّاً، وتوفر لي رعايتهم مبلغاً جيداً يؤمن جميع احتياجات أسرتي».

كانت لغادة (26 عاماً) مسيرة مختلفة في الشكل، ومتطابقة في الجوهر مع تجربتي سعاد وسلمى، فبعد فترة وجيزة من وفاة زوجها وجدت نفسها تحت كثير من الضغوط الاجتماعية القاسية، علاوة على تحكم أهل زوجها بحياتها، والتململ من تحمل نفقتها ونفقة ابنها، فقررت الالتحاق بدورة لتعليم تركيب الأظافر وسط استياء كبير من أهل زوجها، لكنها لم ترضخ لتهديداتهم. بعد فترة اكتشفت أنها بحاجة لتعلم اللغة الإنكليزية للتفرقة بين المواد وأنواعها وجودتها، فمعرفتها بها كانت مقتصرة على قدر يسير. نصحتها إحدى زميلاتها بأن تنتهز الفرصة، وتعيد تقديم امتحان الشهادة الثانوية. 

تقول: «من كان لديها الطموح والإصرار فبإمكانها أن تحقق النجاح رغم الظروف. الخطوة الأولى هي الأصعب لأي امرأة في مجتمعنا، لقد فوجئت بأن الأسرتين (وتقصد هنا أسرة زوجها وأسرتها) لم تعترضا على رغبتي بإكمال دراستي الثانوية واحترم الجميع قراري هذه المرة». ربما كان لتحقيق غادة نوعاً من الاستقلال المادي دور في تغير موقف الأسرتين من قراراتها، وكذلك في قدرتها على العودة إلى مقاعد الدراسة، إذ اعتمدت على ما يوفره عملها في التجميل لسدّ النفقات، إلى جانب تأمين احتياجات طفلها. 

تدرس غادة في الوقت الراهن في كلية التربية-قسم رياض الأطفال، وعن ذلك تقول: «إنه عبء إضافي يتطلب جهداً مضاعفاً، ولكنها أيضاً فرصة لا يمكن أن تعوض لنيل شهادة جامعية. لقد زادتني هذه التجربة ثقة بالنفس، وعلمتني الصبر، وتطورت شخصيتي وكسرت تلك القيود التي يفرضها على الأرملة».

صورة المقال: (لوحة تذكارية في الحديقة البيئية بدمشق)


Share!

لا يتبنى «صوت سوري» أي توجه مسيس للملف السوري ولا تقف وراءه أي جهة سياسية.
نحن نراهن على دعمك لنا في الوصول إلى جميع السوريين والسوريات.

إذا رأيت أن خطابنا يستحق الوصول انشري / انشر هذا المقال من فضلك

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها