× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

حواء VS ليليث.. هل «المرأة عدو المرأة»؟

حكاياتنا - ملح 19-09-2022

منذ دخلت المرأة في بيئة أوسع من بيتها وحارتها وجيرانها وأصبحت عاملة أو كاتبة... وقعت في قلب ذاك النظام الثقافي المبني على المنافسة الحدّية في كل شروطه، وهذا النظام ليس نتاج تاريخ نسوي بقدر ما هو نتاج هيمنة ذكورية لم ولن تنتهيَ في وقت قريب

الرسم: (Mr. Fish - كارتون موفمينت)

للاستماع إلى المقال

صوت سوري · حواء VS ليليث.. هل «المرأة عدو المرأة»؟

تزوّج أخي الأكبر بطبيبة شابة قبل عشر سنوات، وأنجبت في أوّل ولادة لها ابنة كالقمر فعلاً. قال الجميع إن المولودة قاسمت أمها الجمال، وحين سألت إحدى جاراتنا أمّي: ماذا أنجبت الكنة الجديدة؟، ردت بالحرف: «جابت شقفة بنت الله يحرقها لروحها».

لم أعرف وقتها على من يعود ضمير الهاء في «روحها»، هل على كنتنا المحبّة لأمي، أم على الطفلة الجميلة التي لم يمضِ على استنشاقها هواء العالم بضع ساعات. لكنني بعد وقت طويل، وجدت أن هذا الضمير الذي تفصله العربية بين الهاء والألف تمييزاً للمذكر عن المؤنث يعود على الجنس كله، أي نحن معشر النساء!

وقتذاك، كانت أمي في السبعينيات، ومن المفترض وفق ما يمليه المنطق والعقل والعاطفة أن ترقص فرحاً لأنّ ابنها أنجب، لكن أنّى ذلك وقد أنجبت زوجة أخي «صاحبة الحظ العاثر» بنتاً؟! رغم أننا على ما أذكر لم نكن في العهد الجاهلي الذي وُصم في الأدبيات الإسلامية بوأد البنات، بل كنا في القرن الحادي والعشرين، قرن المرأة والنسوية.

حين كبرت البنت الصغيرة ومشت وتكلمت ببضع مفردات، تحوّلت إلى محبوبة جدّتها الأثيرة. كل صباح تتعلّق البنت بجدتها وتحضنها وترمي لها القبلات والضحكات. سألتُ أمّي مرة لماذا قالت جملتها تلك حين سألتها الجارة عن حنين، فأنكرت أنها قالتها، وأقسمت أنها تحب حنين أكثر من روحها.

لم أكن أشكّ في صدقها أبداً، ولكنني أدركت أنّ أمي لم تحب كونها امرأة يوماً ما، وأنها مثل شهرزاد الحكاية كانت تبحث عن أجيالها التالية في صورة المذكّر، فالقتل لم يتوقف في حكاية شهرزاد الطويلة إلا بعدما أنجبت للملك الهمام ثلاثة ذكور ليست بينهنّ أنثى واحدة، ولو على سبيل التنويع والحاجة إلى الولادة.

-2-


يقال إنّ حكايات ألف ليلة وليلة بُنيت على حادثة واقعية، يحكى فيها أنّ أم أحد الخلفاء (أو الملوك) كانت ترسل إلى ابنها كل ليلة جمعة عذراء يفتض بكارتها ليحقق المتعة التي تديم شبابه، وينتهي دور الفتاة العذراء ما إن يقضي الرجل بغيته ويديم شبابه وصحته وسعادته المفرطة. لم يتوقف هذا السيل من اغتصاب العذراوات إلا عندما ظهرت شهرزاد التي رضيت بالتحوّل من سيّدة (كانت ابنة وزير الملك) إلى جارية، وشغّلت أداتها الأقوى (الحكي) لسنوات ثلاث تاليات استطاعت فيها إيقاف الخليفة عن قتل واغتصاب فتيات مدينتها.

بغض النظر عن صحة هذه المروية، وهل بُنيت «ألف ليلة وليلة» على حدث واقعي أم حكاية متخيلة، فحكاية أم الخليفة أو الملك تلك تقدّم مؤشراً حقيقياً على طريقة لم تمت حتى الآن في كيفية تعامل بعض النساء مع بنات جنسهنّ، إذ يسيطر «الذكر الداخلي» فيهنّ بطريقة تمنعهنّ من رؤية أي فضيلة للأنوثة بما هي أصل الوجود بالضدّ من كل محاولات التذكير البشرية، ليظهر الكره بطريقة فاضحة تحيل الأنوثة مجرد عبء، وفي أحسن الأحوال، قضاء وقدراً لا بدّ منه.

ينطبق كره بعض النساء للنساء بالطبع على الرجال أيضاً. هو ليس حكراً على بنات حواء، لكنّ طريقة تعامل بنات حواء مع بنات جنسهنّ تبقى أرحم بمليون مرة من معاملة أبناء آدم بعضهم بعضاً، فقليلة هي الحروب التي شنتها نساء على نساء أو على البشرية ككل، خلا الحروب الكلامية التي مهما قيل في تأثيرها تبقى أقل أذى وخطراً على الجنس البشري من حروب الرجال بأنواعها.

-3-

في كتابها «الأنثى هي الأصل» تستخدم الناشطة النسوية الأشهر عربياً نوال السعداوي ضمير المذكّر في سياق نقدها وانتقادها وضع المرأة في العالم العربي، وفي مصر خصوصاً، ما يجعل إحالاتها دائماً باتجاه ذكورية مستترة، رغم أنّ مشروعها بكامله قائم على نقد وهدم هذه الذكورية. لم تفت هذه المفارقة الناقد والمفكر جورج طرابيشي، فدبّج كتاباً كاملاً في الرد على هذه الذكورية حمل عنوان «أنثى ضد الأنوثة».

ليست حالة السعداوي الوحيدة في عالم الكتابة النسائية التي تتبنى خطاباً مذكّراً في خطابها الفكري أو الروائي أو غيره، وإذا كان مفهوماً أن تشير  الكاتبة مي زيادة إلى أنّ «ما يتفوه به الفرد هو نتاج قريحته وابن سوانحه، وهو خلاصة شعور الجماعة ويرغم على اﻹفصاح عنه»، بحكم أن أوضاع المجتمعات العربية المشرقية كانت فائقة الذكورة مطلع القرن العشرين الماضي، فإنّه مثلاً من غير المفهوم أن تتبنى عدد من الكاتبات المعاصرات هذا الاتجاه الذكوري الذي يظهر أنه سياق طبيعي للأشياء وليس لخدمة النص المكتوب، مثلما تفعل الروائية اللبنانية هدى بركات وأحلام مستغانمي وسحر خليفة، وأخريات.

في واحدة من العبارات التي سجّلتها الكاتبة السورية غادة السمان في تصريح لها تقول: «ما أروع وما أسوأ أن تكون امرأة»، وكان يجب وفق السياق المنطقي للضمير أن تقول «تكوني» بحكم أنها المتكلمة وليس شخصاً آخر، ولكن غادة لم ترَ من غادة سوى غادة المذكر.

-4-

 قد لا يمكن تعميم الحساسية الجندرية للنساء بسهولة، أو الاعتراف بأنّ هذه الحالة موجودة إلى درجة ترقى لتكون ظاهرة واضحة للملأ، ولكن مما لا شكّ فيه أنها تخز جدّياً محاولات النساء الخروج من عباءة الاستلاب والاغتراب المجتمعية، من منطلق أنّ صاحبات القضية اللواتي يفترض بهنّ أنّ يكن مدافعات عن أنفسهن وبنات جنسهن يقعن أحياناً في فخ النفي والكره وحتى المحاربة، رغم أنّ كل الذكور يقولون عن النساء إنهنّ «جنس لطيف».

لكن يجب الانتباه هنا إلى مسألة مهمة في فهم هذه الحالة، أي حالة الكره النسائي المتبادل وخيانة بعض النساء للنساء، وهي أنّ الأمر ليس مرتبطاً بدوافع غريزية مثل حب النجاح والسبق والشهرة التي يمتلكها كل البشر الساعين إلى أهدافهم ذكوراً وإناثاً وما بينهما، وهو يأتي - الكره والصراع - مثل نظيره الذكوري، نتيجة للنظام الاجتماعي الثقافي الذي يضع الجميع ضد الجميع. فمنذ دخلت المرأة في بيئة أوسع من بيتها وحارتها وجيرانها وفرضت نفسها امرأة عاملة أو كاتبة أو غير ذلك، وقعت في قلب ذاك النظام الثقافي المبني على المنافسة الحدّية في كل شروطه، وهذا النظام ليس نتاج تاريخ نسوي بقدر ما هو نتاج هيمنة ذكورية لم ولن تنتهيَ في وقت قريب.

الأغرب في سياسات تاتشر أن أول عمل لها بعد تسنمها رئاسة الوزراء منع الحليب المجاني لأطفال المدارس في عموم بريطانيا، فهل يفعلها رجل؟

تقول سيمون دي بوفوار مشيرةً إلى أنّ الصراع النسوي-النسوي قد وصل ذرى لم تتوقعها: «إنّ فهم النساء بعضهن بعضاً وإحساسهنّ بأنفسهن ينبع من حالة الانتماء إلى نسويتهنّ، غير أنّهن يأخذن بالتحارب في ما بينهن للسبب ذاته» (من كتابها الجنس الآخر). وكثيراً ما يدفع هذا التصرف النساء إلى طلب المساعدة والدعم من «العدو» القديم/الند القديم، الذكر، وإلى العزوف عن رفيقات النضال والدرب والتكشير في وجوههن.

-5-

هناك مثال صارخ عن الصراع النسوي-النسوي من زمن الثمانينيات، حين وصلت مارغريت تاتشر إلى سدّة رئاسة مجلس الوزراء البريطاني، الأمر الذي شكّل مفارقة تاريخية ذات قيمة في بلد مثل بريطانيا بالنسبة إلى النساء على الأقل، لكن المفارقة المرّة أنّ هذا الانتصار النسوي ظهر كأنّ تاتشر أقرب إلى منطوق الرجال في العمل السياسي من المقاربة النسائية، وليس الأمر لجهة ما تفترضه أدبيات الذكور في النساء من نعومة وهدوء وأنوثة وغيرها، ولكن لجهة الفعل المجتمعي والإنساني تجاه الآخرين، مثلاً قضية المهاجرين إلى بريطانيا التي قمعتها بالعنف المرير.

لقد حارت اللغة الإنكليزية في أمر تلك السيدة، ولم تنتهِ الحيرة هذه إلا بعد أن التقطت الصحافة البريطانية لقباً لها من خارج الحدود، حين نشرت الصحيفة العسكرية السوفياتية «النجمة الحمراء» العام 1976 رداً على خطاب لتاتشر كتبه الصحافي العسكري الكابتن يوري غافريلوف، بعنوان «المرأة الحديدية». في ذلك المقال، انتقد غافريلوف سياسات تاتشر المعارضة القوية للاتحاد السوفياتي والاشتراكية، واتباعها سياسات اقتصادية ليبرالية وصف بعضها بالعنيفة، وهكذا التصق اللقب بـ تاتشر حتى اليوم.

إلى جوار تاتشر كان هناك نساء أخريات حملن اللقب نفسه، منهن حالياً ميرال إكشنار، زعيمة حزب الصالح/الخير التركي. كان الأغرب في سياسات تاتشر أن أول عمل قامت به بعد تسنمها رئاسة الوزراء هو منع الحليب المجاني لأطفال المدارس في عموم بريطانيا، فهل يفعلها رجل؟!

-6-

حين عُيّنتُ في موقع نائب المدير العام في إحدى المؤسسات - لاحظ/ي اللغة العربية التي تمنعني عن قول نائبة - جاءتني عشرات البطاقات وباقات الورود من زملاء في تلك المؤسسة، ولكن من بين أكثر من عشرين بطاقة وباقة لم تكن هناك بطاقة واحدة من زميلة لي!

-7-

«المرأة عدو المرأة»، تقول الجملة الشهيرة التي لطالما رأيتها تنميطاً، وحرفاً للحقائق عن سياقها، وخطاب كراهية يهدف إلى تحميل المرأة مسؤولية الكراهية والعدائية التي تطبع التعامل الجمعي مع المرأة.

المفارقة تتجلى في أبهى صورها مع الإصرار على وصف المرأة هنا بأنها «عدو»، بكامل ما في المفردة من تذكير!


Share!

لا يتبنى «صوت سوري» أي توجه مسيس للملف السوري ولا تقف وراءه أي جهة سياسية.
نحن نراهن على دعمك لنا في الوصول إلى جميع السوريين والسوريات.

إذا رأيت أن خطابنا يستحق الوصول انشري / انشر هذا المقال من فضلك

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها