× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

انتحار الساسة في سوريا.. علامات فارقة

عقل بارد - أوراقنا 26-01-2023

قليلة هي المرويات التي تتحدّث عن انتحار، أو محاولات انتحار، مسؤولين من الطبقة الأولى، أو الثانية، في التاريخ السوري الحديث. نعني بالأولى رئاسة الجمهورية، والثانية ما دونها حتى الوزراء ورؤساء الهيئات الأمنية. تُستثنى من ذلك حالات نادرة تناولتها الأقلام، فيما أحاط الغموض كلّ ما سُجِّل في ظلّ «البعث».

الصورة: عبد الكريم الجندري يساراً، قبل «انتحاره» بثلاث سنوات - (موقع التاريخ السوري المعاصر)

يبدو لافتاً أنّ أهم الحالات الشهيرة لانتحار مسؤولين سوريين حدثت بعد استلام حزب «البعث» السلطة في 1963، فيما كانت محاولات الانتحار السابقة قليلة وفاشلة، أي لم تودِ بحياة أصحابها، بل يمكن اعتبارها رسائل احتجاج أكثر مما هي مساعٍ جادة لإنهاء الحياة.

قد تُعزز هذه المفارقة فرضية أنّ الحالات المسجّلة في عهد «البعث» لم يرتكبها أصحابها بل يُشكّ بأنّ هناك من نفذّها نيابةً عنهم، ففي الحالات الثلاث التي سنستعرضها ثمّة شكوك كبيرة في كون هذه الشخصيات أقدمت على الانتحار من تلقاء نفسها، وتكثر الروايات التي تشير إلى خللٍ في الروايات الرسمية.

ما قبل «البعث»

استشرس العثمانيون في أيام حكم جمال باشا سوريا إبان الحرب العالمية الأولى في محاولات إسكات الأصوات المعارضة لحكمهم، خاصة أصحاب التوجهات القومية العربية، فاعتقلوا عدداً من هؤلاء، وبينهم من سيُعلَّق على أعمدة المشانق في دمشق وبيروت في 6/5/1916، وزجّوا بهم في عدد من السجون والأماكن الأخرى لأنّ المؤسسات العقابية الرسمية لم تسعهم، ومن تلك الأماكن خان الباشا الكبير في دمشق، الذي أعِدّ ليكون سجناً مؤقتاً إلى حين الانتهاء من بناء السجن الأساسي.

بدأت في الخان حفلات التعذيب وفنونها المبتكرة، ومنها ما كان جديداً على البلاد، مثل منع الجلوس، والإجبار على الوقوف ساعات تحت المطر والبرد، ومنع الخروج لقضاء الحاجات، والفلق، والمقرعة، والسوطـ، وغيرها، فيما لم تكن «التكنولوجيا الألمانية» في التعذيب قد وصلت المشرق بعد.

في مذكرات السياسي السوري الأشهر، فارس الخوري، التي صدرت بعنوان «من أوراق فارس الخوري»، وحرّرتها ابنته كوليت في ثلاث كتب، صدر الأول عن وزارة الثقافة السورية (العام 1989) والثاني عن دار طلاس بدمشق (العام 1997)، والثالث عن الهيئة العامة السورية للكتاب (العام 2015)، يروي الخوري أنّ العثمانيين عملوا على اعتقال من تطاوله مجرّد الشبهات، ومن هؤلاء فارس نفسه، ومعه شكري القوّتلي، ورضا باشا الركابي، ومحمد رستم حيدر، وأحمد قدري، وغيرهم.

يقول الخوري في أوراقه إنّه سمع بحفلات التعذيب التي كان جمال باشا يمارسها عبر عساكره وقادته، ولذلك احتاط فأخذ معه في بطانة طربوشه «بضع قمحات من المورفين وشفرة من شفرات الحلاقة، وعزمتُ على ابتلاع المورفين وقطع أحد الشرايين حالما ألحظ أنّ هناك عزماً على استجوابي بالضرب أو التعذيب». لا نعلم هل كان الخوري ينوي فعلاً الانتحار، لكنّه بقي في منأى عن التعذيب لكونه نائباً في مجلس «المبعوثان» العثماني، وبفضل التوصيات من الآستانة من أصدقائه (الجزء الأوّل ص. 210 وما بعد).

نقلاً عن أوراق فارس الخوري - الكتاب الأول

في سياق تحقيقات جمال باشا بشأن الحركات المناوئة للعثمانيين، تمكّن من الوصول إلى أنّ شكري القوّتلي كان من الأعضاء المؤسسين لـ«جمعية العربية الفتاة»، التي كانت تنادي بوحدة بلاد الشام والعرب بقيادة الملك فيصل، والانفصال عن الدولة العثمانية، ما استدعى اعتقاله بعدما قضى شهراً سابقاً في الاعتقال بتهمة المساعدة في تهريب بعض الشخصيات إلى الحجاز. (أوراق فارس الخوري، الكتاب الأول، ص. 220).

اعتقِل القوّتلي بعدما أقرّ شكري باشا الأيوبي تحت التعذيب بأنّ الأوّل هو معتمد «الفتاة» في الشام، وأحضِرَ مخفوراً من معتزله في قرية معرة صيدنايا إلى خان الباشا. هناك كان قد سبقه في الاعتقال عبد الغني العريسي، وعمر الرافعي، وكذلك جُلِب الدكتور أحمد قدري من عمّان مخفوراً كما يذكر قدري في مذكّراته عن الثورة العربية (مطابع ابن زيدون، 1956).

مما يرويه الخوري عن ليلة إحضار قدري من عمّان: سُمِعت جلبة أمام غرفة القوّتلي حيث كان مسجوناً، فيما الخفراء يحاولون الدخول إلى الغرفة المقفلة من الداخل، بعد أن شاهدوا دماً يسيل من تحت بابها، فخلعوه ودخلوا، وهناك وجدوه ملقى على سريره والدم يتدفق من شرايين يده اليسرى وأوردته، وهو في حالة إغماء وشحوب المنذر بالموت. فوراً أُحضِر الدكتور قدري من الغرفة المجاورة فحبس الدم وأجرى وسائل الإنعاش الخاصة وخاطوا له الجرح، ثم نقِل إلى المستشفى ليبقى هناك شهراً ثم يعاد إلى الغرفة نفسها في الخان.

تشير هذه الواقعة إلى محاولة انتحار مؤكدة، وهي تحمل رسالة واضحة في الاحتجاج، أو الخوف من التعذيب، وكلاهما إنساني صحيح. ويشير الدكتور قدري في مذكّراته إلى نصيحة وجهها إلى القوّتلي بالتظاهر بالموت لكي يمكن إنقاذه من السجن (مذكرات قدري، ص. 61).

في عهد «البعث»

لم نُطالع في المصادر التي وثقت مرحلة الانتداب الفرنسي شيئاً عن حالات انتحار لساسة أو ثوار سوريين، برغم أن تلك الحقبة حفلت بالاعتقالات، وحفلات التعذيب، ومختلف صنوف القمع والاعتداء على الحريات.

أما الحالات في عهد حزب «البعث»، فدشّنها العقيد عبد الكريم الجندي (مواليد السلمية، حماة، 1932)، في آذار/مارس 1969 وقد كان رئيساً لأمن الدولة ومديراً للمخابرات العامة وعضواً في القيادة القطرية السورية لـ«البعث»، وهي مواقع حساسة. تتضارب المعلومات المتناقلة: هل انتحَر الجندي؟ أم قتِل؟ وتتعدد روايات رفاق الأمس من البعثيين، فبعضها يزعم أنّ الرجل أقدم فعلاً على الانتحار، ومنها ما يرجح فرضية أنّ هناك من قتل الجندي في مكتبه؛ ويربطها بالصراعات داخل الحزب في تلك الحقبة.

برقية تُعمم خبر «انتحار» الجندي / نقلاً عن موقع التاريخ السوري المعاصر

أشارت أخبار أخرى لاحقة لـ«انتحار» الجندي إلى «انتحار زوجته»، دون توافر معلومات كافية، فيما تكتفي بعض المصادر بذكر الواقعة مغفلة من التاريخ، وكذلك مقتل سائقه برصاص مجهولين، هذه الوقائع مجتمعةً تشير إلى عملية تصفية مدبّرة، وهو الرأي الذي يذهب إليه عدد ممن كتب عن تلك المرحلة ومنهم محمد حيدر في كتابه «البعث والبينونة الكبرى» (نشر خاص، سنة 1998). ولكن يلاحظ في الكتاب تسفيه وتشويه لحظات تاريخ «البعث» كلّها، ما يجعل حياديته أمراً مشكوكاً فيه.

بعد هدوء صراعات «الإخوة الأعداء» إثر استلام حافظ الأسد السلطة، وإزاحة المناوئين من رفاق الأمس، وسجن عدد منهم، لم تسجَّل حالات انتحار معلنة. حتى اغتيال بعض الرموز من البعثيين الفارّين، مثل وزير الدفاع الأسبق، محمد عمران، في بيروت، ظهر كأنّه لا علاقة لسلطة دمشق المستجدّة به، وأنّه تدبير خارجي. أما من سجنوا، وهم أعضاء القيادة القطرية، كعادل نعيسة، وصلاح جديد، فلم تعرف عنهم محاولات للانتحار، فلا يزال نعيسة على قيد الحياة فيما توفي جديد في السجن أواسط التسعينيات.

غير أنّ الحالة الأكثر شهرة في زمن الأسد الأب هي «انتحار» رئيس الوزراء الأسبق، محمود الزعبي، ويقال إنّه انتحر في منزله بضاحية دمّر في العاصمة دمشق في 21/5/2000، بعد إقالته من رئاسة مجلس الوزراء في السابع من آذار/مارس العام نفسه، وتعيين محمد مصطفى ميرو بدلاً منه، وأيضاً بعد صدور قرار بطرده من عضوية «البعث». تبعاً للمتداول، كان انتحار الزعبي بسبب كشف الرئيس المصري الراحل، حسني مبارك، صفقة فساد وتقاضي الأوّل عمولات ورشى من شركة «إيرباص»، ثم التحفّظ على أمواله المنقولة وغير المنقولة، ووضعه تحت الإقامة الجبرية في انتظار التحقيق معه بتهم الفساد، وفق الرواية الرسمية.

آنذاك، أعلنت الصحف السورية الرسمية انتحار الزعبي إثر اتهامه بالفساد، لكنّ اللواء محمود علي، وهو رئيس فرع الأمن الجنائي الأسبق، اتّهم في لقاء سابق مع قناة «الجزيرة»، ضمن برنامج «نهايات غامضة»، أحد ضبّاط المخابرات دون تسميته بقتل الزعبي.

Embed from Getty Images

الحالة الثالثة هي «انتحار» اللواء غازي كنعان، قائد القوات السورية في لبنان سنوات طويلة، إذ وُجِدَ وزير الداخليّة في حينه المعروف باسم «أبو يعرب» منتحِراً، أو منتحَراً، في مكتبه في الوزارة يوم 12/10/2005. ويربط كثير من المراقبين والمطلِّعين على الشأن السوري الأسباب بورود اسمه في قضية اغتيال رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق، رفيق الحريري. وهذه هي حالة الانتحار الوحيدة التي سجِّلت حتى الآن في عهد الأسد الابن.

آنذاك، قال تقرير الطبابة الشرعيّة إنّ الوفاة تُعزى إلى «تهتّك المادّة الدماغيّة وكسور الجمجمة دون علامات فارقة على سائر جسده». وأضاف التقرير أنّ «وضعيّة دخول الرصاصة وخروجها من رأسه تدلّ بما لا يدع مجالاً للشك على أنّه انتحَر بنفسه وبمسدّسه الخاص».


Share!

لا يتبنى «صوت سوري» أي توجه مسيس للملف السوري ولا تقف وراءه أي جهة سياسية.
نحن نراهن على دعمك لنا في الوصول إلى جميع السوريين والسوريات.

إذا رأيت أن خطابنا يستحق الوصول انشري / انشر هذا المقال من فضلك

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها