× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

الفوط النسائية شرقي سوريا... كأنّها ممنوعات!

حكاياتنا - خبز 16-03-2023

لا تقتصر معاناة النساء في شمال شرقي سوريا على المشكلات الكبيرة كزواج القاصرات، والقتل بسبب ما تسمى «قضايا الشرف»، وغيرهما، بل نجد أنّ النساء عاجزات حتى عن الحديث عن دورتهن الشهرية أو شراء احتياجاتهن الخصوصية.

«إنتِ وحدة ما تخجلي، ما يصير تشتري فوط من الدكان... خلي أخوكِ الصغير يروح يجيب... فعلاً بنات آخر زمان»، تقول إسراء إنّ أمها وبَّختها بهذه الطريقة عندما طلبت أن تشتري لنفسها فوطاً صحية.
لا تزال غالبية النساء في شمال شرقي سوريا لا يتجرأن على التلفظ بأيّ شيء متعلق بالدورة الشهرية، التي هي أمر بيولوجي معروف، ومألوف! لكن، ولأسباب غريبة، يندرج الأمر حتى الآن تحت الخطوط الحمر التي من المعيب التكلّم فيها بصوت عالٍ.

 الدورة عيب!

كانت تلك أول، وآخر مرة تتحدث فيها إسراء مع أمها حول أمر يتعلق بدورتها الشهرية. وأم إسراء ليست الوحيدة التي تتحدث إلى بناتها بهذه الطريقة، فما هو معروف في مجتمع شمال شرقي سوريا، كما في سائر المناطق السورية أنّ من غير اللائق ذهاب فتاة لشراء كيس من الفوط الصحية، وخاصة حين يكون البائع رجلاً. 

 أما مروى، وهي شابة ترى نفسها متمرِّدة قليلاً، فتقول إنّها تشتري لنفسها هذه الفوط. وتضيف: «يعني وين العيب إنو الوحدة تشتري لحالها فوط؟ أروح ع الصيدلية وأشوف نظرات استغراب وخجل بعيون الصيدلاني، ويحطلي علبة الفوط بكيسين سود، ويخبيهم، ويعطيني ياهم بالسر كأني عم آخذ شي ممنوع»!

ما يحدث مع مروى يشبه ما يحدث مع معظم الفتيات اللاتي يتجرأن، أو يضطررن، إلى شراء فوطهن بأنفسهن، ففي هذه البلاد، إن كنت ترغبين في شراء حاجياتك الطبيعية لدورتك الشهرية الطبيعية، فأنت مضطرة إلى التعامل مع الأمر كأنه خطير وممنوع.
«رحت مرّة على دكان ورفض البياع يبيعني، قال بالحرف الواحد: ما عندي»، هذا ما حدث مع مروى في إحدى تجاربها لشراء الفوط، رغم يقينها بأن المحل يبيع فوطاً، وتقول إنّ غالبية رجال المنطقة يتعاملون مع الموضوع بالنبذ والرفض وإطلاق أحكام قاسية.

 تختلف درجة النبذ باختلاف وضع الفتاة الاجتماعي، فمثلاً إن كانت عزباء، فالحديث يطول ويكون أكثر حدّة. أما إن كانت متزوجة أو كبيرة في السن، فغالباً ما يكون أقلّ وقعاً وضرراً. ولا نقصد بالضرر هنا سوى النفسي الذي يطاول نساء المنطقة، ومنه نظرة الاحتقار، أو الاستغراب، أو الكلام الذي يسمع لاحقاً عن هذه المرأة أو تلك. 

عائق اقتصادي أيضاً

 لا تقتصر مشكلة الفوط الصحية في تلك المناطق على الضرر النفسي، بل تمتد لتشمل الأعباء الاقتصادية المرتفعة. تقول منى، وهي معلمة في مدرسة حكومية، وعليها شراء كمية من الفوط الصحية لها ولابنتها كلّ شهر: «يعني راتبي كله يا دوب 124 ألف وكل شهر لازم أجيب فوط إلي ولبنتي بشي 25 ألف على الأقل، وكل ما عم يرتفع الدولار يرتفع السعر. يعني هي شغلات ضرورية كل شهر، ولازم تكون موفرة إما بسعر أقل أو تتوزع مجاني».

تتقاضى معظم الموظفات الحكوميات راتباً لا يتجاوز 25 دولاراً أميركياً، وأسعار الفوط الصحية تتفاوت تبعاً لنوعيتها بين دولارين وعشرة للعلبة الواحدة.
في حالة منى، قد يكون الوضع أخف وطأة من كثيرات غيرها لأنها تتقاضى راتباً. لكن هناك الكثير من النساء غير عاملات، ويُجبرن على استخدام بدائل أخرى.

 «مرة إمي قالتلي أنا من وين بدي جيبلك مصاري تشترين فوط؟ أبوك وضعه مو زين. يعني إذا كل شهر بدك 15 ألف بس للفوط ما نقدر. روحي حطي شقف (قطع قماش)»، تقول شروق التي تدرس في سنتها الثانية بكلية التربية في جامعة الفرات بالحسكة، شارحة أنها باتت تستخدم منذ تلك المحادثة بديلاً غير صحي هو قطع من القماش لأكثر من طبقة.

تكمل شروق: «مرّة كان عندي امتحان ورحت، ولأنه ما في امتصاص منيح صار في بقعة على بنطلوني، وكل الشباب صاروا يتمسخرون علي... رجعت على البيت إبكي وخجلانة ومستحية وصرت أروح بس على الامتحانات وما عدت أداوم. لما قلت لإمي الشي اللي صار معي، صارت تدبر لي علبة فوط بس منشان لما أروح على الجامعة».

 قد يسبب اللجوء إلى قطع القماش التهابات للنساء والفتيات على حدّ سواء، فيما تلجأ أخريات إلى بدائل أخرى كحفاضات الأطفال التي لا تناسبهن ولا أجسادهن، وبرغم غلاء حفاضات الأطفال فإن عدد ما تحويه العبوة الواحدة يكون كبيراً على عكس الفوط النسائية، أما من تستطيع شراء الفوط فغالباً ما تلجأ إلى الإبقاء على الفوطة نفسها أكثر من ثماني ساعات بغية التوفير.