× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

عن النساء و«التسليع»: نعم نحن عاديّات.. عليك تقبل هذا!

عقل بارد - على الطاولة 24-04-2023

«كم تهز النساء مشاعري، كم يحزنَّني! لماذا حمل نصف الإنسانية حمولة بهذه الضخامة وترك النصف الآخر يستريح؟ لست أخاف من أن أكون مجنونة، فأنا أعرف ما أقول، وأعرف لماذا أقوله». الكاتبة التشيلية مارثيلا سيرانو

هناك نساء لا يمتلكن ترف أن ينظرن إلى أشكالهن في المرآة؛ بعضهن قد لا تكون لديه مرايا أصلاً! لقد اعتدن إنكار أنفسهن يوماً بعد آخر، فحياتهن ملك لأزواجهن وأبنائهن. إذا سألت أي واحدة منهن هل ترى نفسها جميلة، فستجيبك على الأرجح بضحكة طويلة لا أكثر. هن غير مكترثات بالسباق الذي تعيشه نساء أخريات ليحصلن على الاعتراف بجمالهن.

بين هذين الفريقين من النساء هناك أخريات يرغبن في قبولهن كما هن، دون إضافات أو مقارنات، وأن يعشن على طبيعتهن.

تتفنن إحدى صديقاتي في وصف خوفها من انعدام فرصتها بامتلاك ملامح جميلة تجعلها «مقبولة اجتماعياً». تحول هذا الخوف إلى هاجس يجعلها عاجزة عن العيش على طبيعتها، ومنطوية على نفسها، وخجولاً في الأماكن العامة، خوف تقف وراءه أسباب وكلمات.

تقول متحدثة بلسان كثيرات: «ذلك اللوح الزجاجي المعلق في غرفتي، الذي يعكس صورتي كل ما مررت به، بات معادلاً للقلق الذي يسكنني، قلق ينخر داخلي بشكل متواصل ويحدثني بألسنة جميع من حولي، قلق عدم الاكتمال، النقص الذي يسكن ملامحي التي أنظر إليها دون أن أعرفها في كل مرة».

رفض الذات

ليس هناك شعور أكثر صعوبة من رغبتك في ألا تكوني نفسك، وأن تتخيلي نفسك ترتدين يومياً أقنعة، متمنية أنها أنت، فيما ترفضين نفسك مرة بعد أخرى. لم نخلق جميعنا جميلات. هذه حقيقة، على الأقل ضمن المقاييس التي يرميها هذا العصر في وجوهنا. لسنا كذلك. 

هناك شعور لا تدركه سوى النساء ويرتبط عميقاً بكونهن نساء أولاً، وهو خوف كثيرات من ألا يكن جميلات، وأن يفقدن ذلك البريق الذي يجمع العيون حولهن. إنه الخوف من الرفض، والمحاولة مرة تلو أخرى ليكن مختلفات، وهذا ما يجعلهن بعيدات جداً عن أنفسهن، ويصطنعن أشياء لا تشبههن، ليطاول التشوه كل ما هو حقيقي داخلهن.

تحول العالم إلى مكان يبالغ في الربط بين قيمة الفرد وبين شبابه وحيويته، لتصبح المراحل العمرية الأخرى مقترنة بالخوف وقلة القيمة!

لماذا نحن؟ لا أعرف هل اختبر الرجال شعوراً مماثلاً، لكنني أجزم بأن أكثر النساء يعرفنه جيداً: الشعور بعدم الكفاية واختصارهن بملامح لسن مسؤولات عنها.

كيف تواجه النساء منظومة متكاملة تدعوهن يومياً إلى رفض أشكالهن الأصيلة وتبني شكلٍ آخر لمقاربة الجمال المطلوب، إن بأدوات التجميل أو بالعمليات التي باتت وسيلة ليوقفن بها هذا الخوف الذي يسكن أعماقهن؟

«لا أنظر في المرآة كثيراً؛ أعرف أنني لست جميلة. اعتدت هذا الشي وصار جزءاً مني إلى درجة أنني لا أفكر فيه، ولكن في أعماقي أتمنى لو كنت جميلة. أرغب أن أكون محط أنظار لو مرة واحدة، وبعدها لا يهم»، تتحدث ريم وهي طالبة تنهي سنتها الأخيرة في كلية الطب، عن شعورها تجاه شكلها.

تتابع: «مهنتي بعيدة عن عالم الجمال والموضة لكن ذلك لا يمنعني من متابعة هذا العالم وما يستجد فيه دائماً. نعاني من كوننا لا نحقق المقاييس المطلوبة للجمال، وهذا لا يدركه من حولنا ولكن أعتقد أن الكثيرات كذلك».

قليلات هن اللواتي نجون من عقدة التنميط هذه، التي زادت شدة تأثيرها وسائل التواصل الاجتماعي، وما تتلقاه الفتيات من تسويق نماذج للمرأة الجميلة يرسخ داخلهن شعوراً بأنهن لا يحققن شروط الأنوثة والجمال الدارجة، ويجعلهن حتى بشكل غير واعٍ يستشعرن نقصاً دواخلهن لا يمكننا أن نلمسه أو نراه، لكنه حتماً سينعكس على حياتهن ومعاملتهن أنفسهن.

مراهِقة أو ناضجة

تتباين تبعية الصورة النمطية للمرأة الجميلة بحسب العمر، فالمراهقات يختلف سلوكهن تجاه أنفسهن عن الأكبر سناً، وهنا يختلف شكل التعاطي مع المشكلة، ولا يعني هذا غيابها. هناك المئات من الفتيات المراهقات اللواتي يلجأن إلى استخدام الفلاتر عبر تطبيقات الإنترنت ليقاربن الشكل الذي يرغبن فيه.

إذا اعتبرنا أن حسابات التواصل صارت تعريفاً شخصياً عن الفرد الذي يستخدمها، يمكننا القول إن هذا نوع من التزييف لا يؤثر في نظرة الآخر فقط وإنما نظرتنا إلى أنفسنا وتعريفنا لها، وهنا لا بد لنا من معرفة كيف تسلك الفتيات هذا المسار في الحياة الطبيعية. هل يؤثر ذلك في حياتهن الاجتماعية ويجعلهن حبيسات الشاشات؟ أم يجدن التوافق ويستطعن الفصل بين حياتهن هنا عبر الإنترنت وحياتهن الواقعية؟

لميس مدرِّسة للمرحلة الإعدادية، تقول وفق رؤيتها للفتيات وسلوكهن في هذه المرحلة: «جميع اللواتي أُدرسهن يسعين لتغيير أشكالهن. هن مختلفات في أشكالهن عن الصور التي ينشرنها عبر وسائل التواصل، والمشكلة أن جميعهن إن كن جميلات أو متوسطات الجمال يسعين ليكن أجمل. كأنّما لا واحدة منهن ترى نفسها جميلة».

زادت وسائل التواصل الاجتماعي من شدة التنميط، بفعل ما تتلقاه النساء من تسويق نماذج محددة للمرأة الجميلة

تتسم المراهقة بحساسيتها، وهي المرحلة التي يبدأ فيها الفرد تشكيل هوية وتبنّيها. تواجه الفتيات في سن المراهقة هذه الأيام حملاً ثقيلاً بدون أن يدركن ذلك، وهو ضرورة أن يكن «جميلات» ضمن ما تفرضه الشروط لتحقيق الحضور اجتماعياً. في الظاهر، يبدو هذا الأمر غير مُلح لكنه مستقرّ في نفوس كثيرات، ويشكل هاجساً يسعين طوال الوقت لتحقيقه وضمان امتلاكه.

المشكلة نفسها تعاني منها النساء الأكبر سناً، فالخوف الذي نراه في عيون النساء عند اقترابهن من الثلاثين غريب وشائع، وهو مرتبط بكونهن بدأن مرحلة أخرى أكثر صعوبة يحتجن فيها إلى بذل الكثير من الجهد ليثبتن حضورهن.

يرتبط ذلك ببدء علامات التقدم بالعمر في ملامحهن، التي تنعكس على إنجازهن وتقدمهن في الحياة، فالفكرة السائدة تعكس تربية وقناعات مترسخة لديهن عن فقدانهن قيمتهن مع التقدم في العمر، والقيمة المتمثلة في كونهن جميلات وقادرات على جذب الجنس الآخر والفوز بزوج وعائلة لم ينسفها التطور التكنولوجي والمعرفة المتاحة، بل كرسها بسردية جديدة تبدو في الظاهر بعيدة عن أساليب التربية القديمة، لكنها في العمق تحمل حالة التنميط نفسها بأسلوب مختلف.

هو غزو متواصل من الصور والفيديوات لنساء جميلات شابات ومفعمات بالحيوية جعل الكثير من النساء مسكونات بالإحباط ومنغلقات على أنفسهن.

تقول مرح، وهي في الثالثة والثلاثين: «تُسبب هذه الصور لي شعوراً بعدم الرغبة في شيء. تظهر هذه المواقع لي دون بحث... مواقع أزياء وفنانات وطرق تجميل، ودون أن أنتبه حولني ذلك مع الأيام إلى فتاة مهووسة بالخلطات والمواد التي تخفف من علامات التقدم بالعمر. مع ذلك، أشعر بإحباط دائم وبأنني لن أنجو، كما لا أستطيع تقبل شكلي في هذا العمر».

يكمن السبب وراء هذا النكران للذات والسعي إلى تحقيق «الصورة المثالية» لدى النساء في تحول العالم إلى مكان يبالغ في الربط بين قيمة الفرد وبين شبابه وحيويته، لتصبح المراحل العمرية الأخرى مقرونة بالخوف والشعور بانعدام القيمة. ينطبق هذا أكثر على النساء بسبب بعض المعتقدات المترسخة عن المرأة وصلاحية جسدها، لنرى نساء كثيرات يكذبن في عدد سنوات عمرهن ليكسبن قبولاً، أو يلجأن إلى عمليات متكررة تجعلهن غريبات عن أجسادهن.

من الصعب العيش في عالم يرفض حقيقتنا ويدفعنا إلى التزييف طوال الوقت، ورغم التأثير الكبير الذي يسببه هذا التنميط، هناك الكثير من النساء المتمسكات بحقيقتهن، والراغبات في أن يكن على طبيعتهن دون أدنى شعور بالنقص، منتظرات أن يسمح لهن العالم بأن يكن عاديات! 


Share!

لا يتبنى «صوت سوري» أي توجه مسيس للملف السوري ولا تقف وراءه أي جهة سياسية.
نحن نراهن على دعمك لنا في الوصول إلى جميع السوريين والسوريات.

إذا رأيت أن خطابنا يستحق الوصول انشري / انشر هذا المقال من فضلك

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها