× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

90 سوقاً أثرية.. وكثير من المذاهب والدمار: هنا حلب!

حكاياتنا - خبز 08-06-2023

عادة ما يتصدر المطبخ الغني المتنوع معظم الأحاديث المعاصرة عن حلب، وكثيراً ما يشير المتحدث إلى الفلفل الحار الذي يحبه أهل المدينة، بطعمه «الحرّاق» الذي يُدمع العيون، لكنه كما يبدو ليس سوى أحد الأشياء التي تستدعي الدمع، وربما أخفها وطأة. بين سطور هذا التقرير كثير من الدموع بلا حبة فلفل!

سوق الزرب، الحبال (الحبيل بلهجة أهل المدينة)، السنكرية، الحرير، التركمان، السراجين، الزهر، الزكي، باب الفرج، باب أنطاكية، العطارين، باب أنطاكية، خان الجمرك، الصرماتية، الصياغ، سوق العبي، السقاطية، سويقة علي، سويقة حاتم، الجوخ... وغيرها، هي تسعون سوقاً أثريةً لكل منها اختصاص معين، وارتبطت أسماء كثير منها بالمهن التي تحتضنها.

دُمر كثير من تلك الأسواق على امتداد الحرب، وبنسب متفاوتة، قبل أن يأتي زلزالا شباط/فبراير الماضي ليكملا ما بدأته الحرب، ويهدما المزيد. 

الآثار بين حرب وزلزال

لم توفّر الحرب قلعة حلب، فطاولتها أضرار يمكن القول إنها طفيفة باعتبار ما يبدو للعيان، قبل أن يؤدي الزلزالان إلى «أضرار خطرة في المدخل المعلّق، أي الرئيس الذي يصعده الناس إلى القلعة» وفقاً لما يؤكده مسؤول في المديرية العامة للآثار والمتاحف بحلب، تحفّظ عن ذكر اسمه. أيضاً تضرر برج القلعة، والسوران الغربي والشمالي المحاطان ببعض القطع الحديدية. كان هذان السوران مقصداً لمن يبغي إطلالة بانورامية على حلب، وأيضاً هناك أضرار أخرى في بعض الأماكن المكشوفة من القلعة.

يأتي حجم الأضرار التي طاولت الأسواق القديمة في المرتبة الثانية، خصوصاً تلك التي دمرتها الحرب، ولم يُباشر ترميمها، مثل العقبة»، الذي يقول عنه المسؤول: «هو سوق قديم بأزقة ضيقة جداً وحجارة قديمة بيضاء مع طين، وفيه عدد من معامل أو ورش الحلويات الصغيرة، وقد هدمت الحرب قسماً كبيراً منه، وبعدما رمم بعض الناس منازلهم وورشهم أتى الزلزال وأكمل على باقي السوق القديم».

يتابع المصدر نفسه: «لم يسلم المتحف الوطني من الزلزال، فقد تصدعت الصالة الكبيرة التي تُعرض فيها الآثار، وبعض الأقسام من المبنى الإداري، إضافة إلى التماثيل في حديقة المتحف».

في ما يخص الترميم، يشير المسؤول إلى أنه «لا ميزانية تسمح بتجاوز الضرر وترميمه دفعة واحدة، وهي أولويات تقدرها وزارة الثقافة»، مشيراً إلى أن ترميم بعض المواقع المهمة كالقلعة أولوية حالياً، فيما تواصل المديرية العامة للآثار والمتاحف إحصاء الأضرار رغم ضعف الإمكانات اللوجستية، وقلة معدات الترميم، ما يعني «الحاجة إلى دور مؤسسات المجتمع المدني المعنية بالتراث».

«تمييز ترميمي»؟

يفتح أبو عصام الحلبي (68 عاماً) كل يومه محله الوحيد في سوق الزرب، الذي يبيع فيه الشرقيات والقطع التذكارية المرتبطة بتراث المدينة. يشرح ابن حلب الذي يعمل في هذه السوق منذ 50 عاماً سبب تسميته: «اسمه ناتج من تحريف باللغة وفرق بين التركية والعربية، فهو في الأصل:"الضرب"، أي لضرب وسك العملة المعدنية قديماً في العهد المملوكي، وعند الأتراك لا يوجد حرف الضاد فاستعملوا الظاء بدلاً، وبلهجة حلب صرنا مع الزمن نستخدم حرف الزاي».

يكمل أبو عصام: «كانت السوق تحوي قبل الحرب أكثر من 70 محلاً تجارياً، لكنها دمرت بسبب الاشتباكات العسكرية، ثم دمر الزلزال ما كان واقفاً من أعمدة». يتحدث الرجل بحرقة وعتب على الجهات المعنية ومحافظة حلب، ويتساءل عن سبب الامتناع عن ترميم السوق مع أنها مهمة، مشيراً إلى أن أصحاب المحال مُنعوا من ترميمها على نفقتهم.

يشعر الرجل أن هناك تمييزاً لصالح بعض الأسواق كالسقطية والحبال، إذ عملت مؤسسة «الآغا خان» بالتعاون مع «الأمانة السورية للتنمية» ومحافظة حلب على ترميمهما، فعاد بعض تجارهما تدريجاً، و«هم يرممون بعض الأجزاء هناك الآن»، يقول، ويلفت إلى أن المحافظة وعدت بترميم سوق الزرب منذ سنتين ولم يحصل جديد.

وعن سبب فتحه المحل رغم قلة البيع وندرته، يقول: «لأشعر أنني على قيد الحياة، فهو ليس مكاناً لأعيش وأصرف على بيتي... أنا أعتمد على أولادي المهاجرين».

مذاهب متنوعة

يستدعي الخوض في تفاصيل دمار حلب القديمة أحاديث طويلة، كثيرها مأسوي، وقليلها أقل مأساوية بقليل، ولهذا نذهب نحو الحديث عن التراث الموسيقي للمدينة، وهو تراث غني ومتنوع برغم أن الشائع في كثير من الأذهان يكاد يقصره على القدود فقط.

يشرح أنطون (34 عاماً) وهو باحث في التراث المادي واللامادي قائلاً «ليست القدود وحدها ما يميز حلب وموسيقاها، فهناك مثلاً الموشحات، والقصائد الصوفية، والغرامية، والطقاطيق، وموسيقا الرهوية الطقسية التقليدية (نسبة إلى مدينة الرها التاريخية في منطقة الجزيرة السورية) التي يغنيها وينشدها الأرمن في حلب، وأتت منذ هجرتهم الأولى إلى المدينة».

ثمة أسئلة عن أسباب عدم ترميم أسواق مهمة، ومنع أصحاب المحال من ترميمها على نفقتهم، فيما تُميز أسواق أخرى وتُعطى أولوية الترميم بالتشارك بين الدولة وجهات أخرى

عن المذاهب، والشعائر والطرق الصوفية، يشرح أنطون: «حلب تحتفظ بكثير من الشعائر الدينية، والمدارس الصوفية مثل القادرية والنقشبندية والرفاعية، فضلاً عن وجود مذاهب إسلامية متنوعة في المدينة حتى اليوم خلافاً لما يعتقده البعض، إلى جانب طوائف مسيحية عديدة، وتنوع عرقي كبير. في حلب منذ القديم سنة وعلويون وشيعة وروم وسريان وكلدان وأرمن، وكاثوليك وأرثوذوكس وبروتستانت، وعرب وكورد... وإلخ!».

تقول هبة (اسم مستعار 35 عاماً) التي تزور حلب للمرة الأولى في حياتها، إنها شاهدت في القلعة مقاماً للخضر (مار جرجس) فخطرت في بالها جملة تساؤلات، توجزها: «أنا ابنة طائفة تقدس الخضر الحي عليه السلام، ولا أعرف أن إحدى تشريفاته في قلعة حلب، لم أسمع في إعلامنا، ولم تخبرنا الكتب في مدارسنا عن كثير من وجوه التنوع في بلادنا».

تضم حلب مقامين اثنين للخضر، أشهرهما ذاك الذي في القلعة، أما الثاني ففي منطقة باب النصر. وتشير مصادر وأبحاث تاريخية عديدة إلى أن «أهالي حلب كانوا تاريخياً يعدون الخضر «حامي حلب»، وله مكانة خاصة حتى اليوم لدى أتباع معظم المذاهب والطوائف في حلب.

أما عن السياق العمراني في المدينة، فيتوافق كل من أنطون، والمسؤول في مديرية الآثار والمتاحف، على أنه «يكاد لا يوجد موقع أثري في حلب يعود بأكمله إلى فترة محددة من التاريخ إلا قلة قليلة». يوضح أنطون «هي أشبه بحديقة أثرية. مثلاً الجامع الكبير أو الأموي هو أموي الطابع لكنه يحمل بصمات كل العهود التي مرت بعده». أيضاً يتوافق المصدران على النظام المعماري عند الحلبيين «كان يعتمد على قديماً على صبات من الرصاص بين أسطح وجدران منازلهم القديمة خشيةً من الزلازل».

فيما يشير أنطون إلى أن أهل حلب كانوا يعتمدون على أنظمة قديمة مثل «البادنجك»، وهو نظام للتهوية البيئية، و«القلعجية» وهو ربط الحجارة بعضها ببعض عن طريق صبات نحاسية، موضحاً أن للمدينة أيضاً نوعاً من الفن اسمه «المدرسة الأيقونية الحلبية»، وهو مرتبط بها حصراً وازدهر بين النصف الثاني من القرن 17، والنصف الأول من القرن 18.

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها

This work by SOT SY is licensed under CC BY-ND 4.0