× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

الإعدام مسرح خلاف بين «الأعراف» و«القوانين» في الرقة

عقل بارد - على الطاولة 26-07-2023

منذ أقرت «الإدارة الذاتية» تشريعات جديدة في مناطق سيطرتها برزت تباينات عديدة بين ما نصت عليه وبين الأعراف والعادات، وحتى القوانين السورية. وفي حين أوجدت «الذاتية» استثناءات لبعض القضايا مثل منع تعدد الزوجات، ظلت مصممة على تطبيق قوانينها في قضايا أخرى مثل إلغاء عقوبة الإعدام، وهو أمر تراه شرائح في المجتمع سبباً لضعف الردع وتزايد الجرائم.

الصورة: (من مظاهرة كانون الثاني الماضي - متداول على فايسبوك)

في 16/1/2023، وقعت جريمة قتل في حي المشلب بمدينة الرقة، ذهبت ضحيتها نورا الأحمد وهي حامل في الشهر الثامن، وابنتها ذات السنوات الثماني. استطاعت القوى الأمنية في المنطقة القبض على القتلة في أقل من 24 ساعة، وكان أحدهم من قوات سوريا الديمقراطية. 

وفق الجيران، وقعت الجريمة في وضح النهار بحدود العاشرة صباحاً، وكانت قد سبقتها جرائم عديدة، منها حالات خطف انتهت بقتل المخطوفين دون محاسبة. 

بعد الكشف عن هوية المنفذين، طالب أبناء عشيرة الأحمد (الجيس) بتسليمهم القتلة حتى يقتصوا منهم، غير أن القوات الأمنية امتنعت عن تسليمهم، الأمر الذي مثّل نقطة خلاف وتصادم بين الإدارة التي تحكم المنطقة وطبيعة المجتمع العشائرية. 

على إثر ذلك، نظّم أهالي الضحية مظاهرة للمطالبة بإعدام القتلة في الساحات، وقد حوّل بعض المشاركين التظاهرة إلى أعمال عنف وتخريب. في محاولة للضغط على «الذاتية» لتنفيذ عقوبة الإعدام.

يوضح قاضٍ في محكمة الرقة أن عقوبة الإعدام «تخالف العقد الاجتماعي (الذي اعتمدته الإدارة الذاتية منذ سنوات)، والقانون الإنساني»، مضيفاً أن «أقصى عقوبة في محاكم الإدارة الذاتية هي السجن المؤبد مع الأشغال الشاقة». 

تجدر الإشارة إلى أنه في الجرائم التي تتحول إلى قضايا رأي عام، يجري اللجوء إلى ما يُعرف بـ«البلاتفورم»، وهي درجة في التقاضي تتبعها «الذاتية»، ويُصدر فيها الشعب حكماً بحق المجرمين دون أن يصل إلى الإعدام. 

هذا ما حصل في قضية الأحمد، إذ أصدر مجلس العدالة الاجتماعية في الرقة بياناً في أوائل شباط/فبراير الماضي، رأى فيه أن الحادثة «هي الأولى التي تثير رأياً شعبياً»، واكتفى بنشر الأحرف الأولى من أسماء المجرمين الأربعة، وأن هدفهم كان «سرقة ذهب من الضحية».

ارتخاء أمني؟

يرى كثير من السكان أن الارتخاء الأمني وضعف القوانين الرادعة في الرقة قد سمحا بكثرة حالات الجريمة والسرقات، ما خلّف غضباً في المجتمع، فصار بعض الأهالي ينفذون أحكامهم الخاصة بالسارقين، مثل ضربهم وتعذيبهم قبل تسليمهم لقوى الأمن.

لكن جريمة القتل تلك هزّت عموم الرقة، فطالب الأهالي وشيوخ العشائر بإعدام القتلى في الساحات. وبسبب التكسير والتخريب خلال التظاهر، أعلنت «قسد» حظر تجوال، لتقوم بعدها بأيام بحملة أمنية استهدفت خلايا «داعش» والأسلحة، وذلك في اليوم ذاته الذي حدده المتظاهرون لـ«قسد» للتجاوب مع مطالبهم.

نظم أهالي الضحية مظاهرة للمطالبة بإعدام القتلة في الساحات، وحوّل بعض المشاركين التظاهرة إلى أعمال عنف وتخريب

أمام المخاوف من تعرض الأهالي للاعتقال وإحداث فتنة في المدينة، بقي الأهل صامتين حيال القضية أياماً بعد العملية الأمنية التي استمرت خمسة أيام، ثم وقع زلزالا شباط اللذان غيّرا مسار الأحداث.

في الفترة الأخيرة عادت القضية إلى أحاديث الشارع، من دون أن تأخذ منحى تصعيدياً،لكنّ الخلاف لا يزال قائماً وجوهريّاً بين رغبة شريحة من المجتمع الذي يسود فيه طابع عشائري في تفعيل عقولة الإعدام «الرادعة»، وبين قوانين «الذاتية» وعقدها الاجتماعي. 

«الإعدام» عالمياً

تختلف الجرائم التي يُعاقب عليها بالإعدام من دولة إلى أخرى، فبعض الدول تعاقب بالإعدام على جرائم مثل القتل أو التجسس أو الخيانة، فيما البعض الآخر ينص بالإعدام على الجرائم الجنسية مثل الاغتصاب والزنا، وكذلك بعض الحالات الدينية مثل «الردة» في بعض البلاد الإسلامية.

عالميّاً، ألغت العديد من الدول عقوبة الإعدام، فيما تستمر دول أخرى في تنفيذها، وفي بعض الدول تصدر أحكامٌ بالإعدام ولا تُنفّذ. في العام 2019، سجلت «منظمة العفو الدولية» 657 عملية إعدام مقارنةً بـ483 إعداماً العام 2020 في 18 بلد، أي بنسبة انخفاض بلغت 26%. 

تعدّ عقوبة الإعدام نقطة خلاف بين التشريعات، والمواثيق الإنسانية والدولية، فيرى معارضوها أنها تنافي الإنسانية وتنتهك حقوق الإنسان وترسخ فكرة القتل، كما أنها لا تمنع من ارتكاب الجرائم. أما مؤيدو هذه العقوبة فيعتبرون أن الإعدام يمنح أولياء الضحايا الشعور بالعدالة. 

تشير الدلائل الموثّقة إلى أن عقوبة الإعدام قد شُرّعت لأول مرة في القرن الـ18 قبل الميلاد، في شريعة «حمورابي» ملك بابل.

في القرن 18 ميلادي ظهرت بعض الدعوات لإلغاء عقوبة الإعدام لكونها «منافية لحق الحياة ولأهمية الإنسان في المجتمع»، على يد بعض المفكرين ومن أشهرهم الفيلسوف الإيطالي سيزاري بيكاريا بونيرزانا (1738-1794)، الذي نشر كتاب «جنح وعقوبات». تأثر حاكم دوقيّة توسكانا بالكتاب، ليلغي بعدها عقوبة الإعدام في العام 1786، وتبدأ لائحة العقوبات المسببة للإعدام تنحسر بشكل ملحوظ في أوروبا. تنامت هذه اللائحة في القرن الـ 19 وكانت البرتغال أول دولة أوروبية تلغي العقوبة، فنُفذت هذه العقوبة آخر مرة العام 1849.

في القرن الحالي تراجعت عقوبات الإعدام بشكل كبير، فيما تطالب الأمم المتحدة ووكالاتها باستمرار باحترام المعايير الدولية التي تحمي حقوق الأشخاص الذين يواجهون عقوبة الإعدام، وتقييد استخدام تلك العقوبة تدريجاً، وخفض عدد الجرائم التي يُعاقَب عليها بالإعدام.

بالنسبة إلى سوريا، ينص القانون السوري على الإعدام جزاء لكثير من الجرائم، ومنها القتل عمداً، أو التمهيد لجناية أو تسهيلاً لها أو تنفيذاً لها، فضلاً عن جرائم الخيانة والتجسس وفق المادة 39 من قانون العقوبات العام المعدل سنة 2011.