× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

الإعلام السوري وحراك السويداء: الصفحات المحلية تربح مهنيّاً؟

عقل بارد - على الطاولة 31-08-2023

كي يواكب الناس ما يحدث على الأرض كان لا بد من اللجوء إلى صفحات فايسبوك، أو ما بات يعرف باسم «الإعلام البديل» الذي رسخ حضوره بوصفه نافذة على مجتمعات الاحتجاج المحلية، كما سبق ورسخ دوره ناقلاً سريعاً للأخبار المحلية، وبشكل خاص بعض الصفحات ذات صفة الـ«24»

الصورة: (صفحة السويداء 24 / فايسبوك)

يبدو أن عقارب الساعة السورية عادت أكثر من ثلاث عشرة سنة دفعة واحدة، فالأفواه الجائعة «بقت بحصتها» في الجنوب ضد سياسات السلطة، ولاقت هذه «البحصة» صدىً في مناطق مختلفة، لكن الصدى لم يتطور إلى حراك منظم، أقلّه حتى الآن، وكالعادة انقسم الشارع في الرأي.

بعيداً عن تأييد هذا الطرف أو ذاك، يثير التعاطي الإعلامي مع الحراك الجديد تساؤلاً مهمّاً يرتبط بمقاربة دور «الإعلام البديل» أو إعلام مواقع التواصل الاجتماعي (خاصة فايسبوك في الحالة السورية)، وما يرتبط بهذا الدور من استقطاب متصاعد، مقارنة بالإعلام الرسمي وشبه الرسمي. 
سعياً إلى إجابة موضوعية يمكن الانطلاق تأسيساً على ستة محددات، يتعلق اثنان منها بالمهنية؛ وهما: نقل الخبر، ومساحة الآخر، بالإضافة إلى محددين آخرين يتعلقان بدور الإعلام هما: الوساطة المجتمعية، والرقابة، ومحددين يرتبطان بالشرعية والمشروعية.

انطلاقاً من محدد المهنية؛ لم تنقل أي وسيلة إعلام سورية رسمية ما حصل من مظاهرات في السويداء أو درعا في الأيام الخمسة الأولى، بل على العكس مارست دوراً في شيطنة المتظاهرين وتصويرهم على أنهم رهينة للمؤامرة، وحتى بعض الإعلام الخاص الذي يدور في فلك السلطة نقل ما حصل على أنه قطع للطرق وإغلاق للمؤسسات سببه «مخربون»، أو «خارجون على القانون». أي أن الإعلام الرسمي وشبه الرسمي أعطى حكماً قيمياً دون نقل الخبر أصلاً، ولا البحث عن أسبابه ومظاهره وتناول آراء أطرافه.

في المقابل، وكي يواكب الناس ما يحدث كان لا بد من اللجوء إلى صفحات فايسبوك، أو ما بات يعرف باسم «الإعلام البديل» الذي رسخ حضوره بوصفه نافذة على مجتمعات الاحتجاج المحلية، كما سبق ورسخ دوره ناقلاً سريعاً للأخبار في المحليات، وبشكل خاص بعض الصفحات ذات صفة الـ«24» التي ارتبط اسمها بمحلياتها، مثل «السويداء 24»، و«درعا 24»، و«دير الزور 24»، أو شبكات أخبار المناطق مثل «شبكة أخبار السويداء»، و«شبكة الراصد»، و«شبكة أخبار جبلة»، و«شبكة أخبار طرطوس».. إلخ.

في محدد المساحة المتاحة لتبادل الرأي والرأي الآخر، لم يتح الإعلام الرسمي أو شبه الرسمي أي مجال أو مساحة للآراء الأخرى، ولم يعط المحتجين أو بعض القوى التي تنظمهم أي مساحة للتعبير، في حين كانت صفحات فايسبوك المحلية تنقل تصريحات المسؤولين بوتيرة مشابهة لوتيرة تغطيتها أخبار الاحتجاجات.

وفي محدد الوساطة المجتمعية التي يفترض أن يلعبها الإعلام بين المجتمع والسلطة، يُلاحظ أن كلّاً من النوعين تطرق قبل الحراك الأخير إلى احتياجات الناس، لكن أثناء الحراك أفرد الإعلام الرسمي المساحة الأكبر للوزراء والمدراء، وأبرز البيانات التي تقدمها الحكومة فقط، مقابل مساحات أقل وهامشية للمتضررين من سياسات الحكومة، فلم يكن هذا الإعلام وسيطاً نزيهاً بين المجتمع والسلطة. في المقابل كانت صفحات فايسبوك تنقل بالوقائع والبيانات ما يقاسيه الناس، وتبحث عن مصادر المعلومة من أي جهة، لكن لا قدرة لها على الوصول إلى المسؤولين، فاستعاضت عن ذلك بنقل تصريحاتهم من مصادر مختلفة.

لم يتح الإعلام الرسمي مجالاً للآراء الأخرى، ولم يعط المحتجين مساحة للتعبير، في حين كانت صفحات فايسبوك المحلية تنقل تصريحات المسؤولين بوتيرة مشابهة لوتيرة تغطيتها أخبار الاحتجاجات

بالوصول إلى محدد الرقابة يمكن لحظ أن الدور الرقابي في الإعلام الرسمي أو شبه الرسمي اقتصر على سؤال الحكومة عن خطواتها وخططها، بعيداً عن المحاججة والمواجهة، او المتابعة والإشارة بوضوح إلى مكامن القصور، بعكس الإعلام البديل وصفحات فايسبوك التي كانت تستحضر القوانين والقرارات المتعلقة بكل حدث، وتحاول الإحاطة بمختلف جوانبها وخلفياتها.

أما محددا الشرعية والمشروعية فيتطلبان بداية التمييز بينهما، فالشرعية تعني الوجود القانوني المرخص للوسيلة الإعلامية، بينما المشروعية في هذا السياق تعني القبول المجتمعي لها. 

بالعودة إلى قانون الإعلام الصادر بالمرسوم رقم 108 للعام 2011، وتعديله بالمرسوم رقم 23 للعام 2016 نجده قد تضمن آلية اعتماد «وسيلة تواصل على الشبكة تتمتع بالصفة الاحترافية»، لكنه لم يفصّل أهداف وغايات الوسائل، وقصرَ مفهومها على «موقع إلكتروني»، واقتصر التعاطي معها على منح المُرخّص منها بطاقات إعلامية لتسهيل العمل، مع إبقاء رسوم اعتماد الوسائل منخفضة قياساً بغيرها من الوسائل الإعلامية.

بدوره قانون تقانة المعلومات لا يسمح بترخيص صفحات فايسبوك، التي يبقى كثير منها إلى اليوم «مجهول النسب»، خاصة في ظل التعاطي الأمني معها ومخاطر كشف أسماء القائمين عليها (مع عدم إتاحة ترخيصها، يسري عليها قانون الجرائم الإلكترونية) . لذلك لا مجال للمقارنة هنا، إذ تبقى «شرعية» الوسائل الرسمية وشبه الرسمية قائمة.

أما في المشروعية فتقود المقاربة إلى صعود الإعلام المجتمعي في الألفية الجديدة. لأن وسائل الإعلام هذه تعمل على التعبير عن الآراء ونقل الأخبار وإعداد المحتوى حول مواضيع معينة، غالباً لا يقوم الإعلام الرسمي أو التقليدي بتناولها أساساً.

في السنوات الأخيرة برز دور هذا النوع من الإعلام في حشد الجماهير، والتأثير على الرأي العام في قضايا اجتماعية وسياسية واقتصادية معينة، خصوصاً في الدول النامية، فهذه الوسائل ليست أدوات فقط، إنما تكاد تكون «سلطة رابعة» بالفعل، لها دور أساسي في الحشد والرقابة والمناصرة وإيصال المعلومات لتحقيق التوزان في المجتمع، إذ يعتمد عليها الناس للحصول على المعلومات بناءً على تمتعها بهامش من الحرية والإستقلالية والمصداقية، وبسبب قربها من الناس والمواطن الذي يعيش في منطقة جغرافية محددة، لذا ترتبط كثيراً بالبيئات المحلية. من هنا يبرز حضورها في أخبار المحليات أكثر، ولذا نرى أن هذه الصفات أقرب إلى صفحات فايسبوك الإخبارية منها إلى الإعلام الرسمي وشبه الرسمي، وهو ما يظهر الحاجة الماسة إلى البحث في كيفية تطوير الإعلام المجتمعي في الحالة السورية.

تشير مجمل المحددات إلى قصور دور الإعلام الرسمي وشبه الرسمي خاصة في وقت الأزمات، وحصر تعاطيه وفق ردات الفعل ذاتها التي برزت عقب الحراك الأول في 2011، ويبدو أن تنامي دور صفحات فايسبوك المحلية ناجم أساساً عن تراجع في دور الإعلام الرسمي وشبه الرسمي وانسحابهما من المحليات.

ما تقدّم  يُظهر بوضوح الحاجة الكبرى للإهتمام بالإعلام المحلي من جميع الوسائل مهما كانت تبعيتها، وتحديداً، وعلى وجه الخصوص ينبغي التركيز على مهنية الإعلام الرسمي، والمساحات التي يوفرها للاختلاف، لعله يتحول يوماً إلى إعلام دولة، ويتحرر من كونه إعلام سلطة، ولا شكّ في أن هذا طريق شاق وطويل.