× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

«الجماعة.. العيلة.. المرة»: مصطلحات شعبية لـ«صون العرض»!

حكاياتنا - خبز 10-09-2023

مصطلحات عديدة تروجُ في بعض المجتمعات المحلية السورية لإخفاء أسماء الزوجات، وسائر إناث العائلة تتعدد الدوافع بين «الغيرة»، والخجل، والتعصب المفرط، والخوف من كلام الناس

تحمرّ وجنتا محمود (34 عاماً)، ويتعرق جبينه عندما يسأله الموظف المسؤول عن التسجيل في الجامعة عن اسم زوجته. يلتفت الرجل نحو طابور الطلاب خلفه، ثم يشير للموظف أن يقترب ليهمس اسمها في أذنه.

يعتبر محمود أن اسم زوجته أمر شخصي لا يجب أن يطلع عليه أحد، وها هو يسارع إلى إيقاف تسجيلها في الجامعة، الأمر الذي يبدو حلّاً وسطاً وربما مؤقتاً، تمهيداً لدفعها إلى ترك الجامعة بشكل نهائي. 

أما مهنّد (24 عاماً) فقد رفض كتابة اسم عروسه على بطاقة الدعوة لحفل زفافه، واكتفى بكتابة اسم والدها متبوعاً بكلمة «كريمته».

يقول مهند وهو طالب في كلية الهندسة، إنه لا يخجل باسم زوجته، لكن ما دفعه إلى عدم الإفصاح عن اسمها خوفه من تنمر أصدقائه. فـ«زوج فلانة»، و«ابن فلانة» أو «أخو فلانة»، ألقاب قد يلازم أحدها أي ذكر يفشل في «حماية الأسرار الخطيرة»، ويتسرب اسم أي أنثى من عائلته إلى محيطه!

يضيف مهند سبباً «جوهريّاً» يدفعه إلى كتم اسم زوجته، هو احترامه لرأي والده الذي يمسّد شاربه مبتهجاُ ويتفاخر بأن صديق طفولته لا يعرف حتى اليوم اسم زوجته، فهي «إم مهند» وهذا يكفي.

خطوط حمراء!

يتلعثم جواد (33 عاماً) وهو يبرر سبب غيابه عن العمل لصاحب ورشة تقطيع الرخام التي يعمل فيها بريف إدلب، ويقول «الجماعة عندي كانوا مرضانيين... اضطريت آخدهم ع الدكتور»، وهكذا يفهم صاحب الورشة سبب الغياب، ويفهم أيضاً سبب تلعثم الرجل.

«الجماعة» هو أحد الألقاب التي تُطلق على الزوجة في مناطق سورية عديدة بدلاً من ذكر اسمها الحقيقي، أو حتى الإشارة إليها بـ«أم فلان»، أو التصريح بصلة القُربى بينها وبين المتكلم.

يحاول جواد تجنب الحديث عن أسرته أمام الناس، لأنه لا يعرف كيف سيذكر زوجته وأي لقب سيطلقه عليها، إذ ليس من المناسب القول «زوجتي»، أما اسمها فأشبه بخط أحمر، إنه «سر لا يجوز البوح به»، كما يقول الرجل.

إخفاء أسماء النساء في بعض المجتمعات المحلية السورية سُنّة دارجة، يتوارثها الأحفاد عن الآباء والأجداد

أما فؤاد (29 عاماً) من بلدة سرمين بريف إدلب، فيُخبر صديقه أنه خرج إلى المنتزه ليلة البارحة، وحين يعاتبه الصديق لعدم اتصاله به بغية الذهاب معاً، يرد فؤاد بالقول: «رحت لوحدي مو لحالي».

«لوحدي» هُنا تعني أن الرجل كان برفقة زوجته، وهذا تمويه آخر يستخدمه بعض الرجال للتهرب من الإشارة إلى زوجاتهم.

فيما تحضر مصطلحات «وزارة الداخلية»، أو «البيت» أو «الحكومة»، بوصفها تسميات شائعة بين كثير من الرجال لتدوين أرقام زوجاتهم على هواتفهم، وهذا يشكل «حماية للخصوصية» ويضمن ألا يسترق متطفل النظر إلى هاتف أحدهم، فيكتشف اسم زوجته!

نهج متوارث

يبدو إخفاء أسماء النساء في بعض المجتمعات المحلية السورية سُنّة دارجة، يتوارثها الأحفاد عن الآباء والأجداد، فيخفي الصبي اسم والدته، وأسماء شقيقاته، والرجل اسم زوجته وبناته.

«وينك يا مرا... تعي يا مرا»، هو المصطلح الذي ينادي به أبو محمد (42 عاماً) على زوجته محاولاً تجاهل اسمها حتى ولو لم يكن أحدٌ سواهما موجوداً! يرى الرجل، وهو أحد مهجري ريف دمشق إلى إدلب، أن أسلوب النداء هذا يُعبّر عن رجولته، وقد بدأ في استخدامه بعد مضي يوم واحد على زفافهما.

من المُتعارف عليه في سوريا تخصيص مفردة «المرة» العامية المخففة من المفردة الفصحى «المرأة» للنسوة المتزوجات، بينما تطلق لفظة «البنت» على العذراء فقط.

تبدي هبة (36 عاماً) استياءها من هذه اللفظة (مرة) وخاصة عندما يناديها زوجها بها، وتفضل أن يناديها باسمها، خاصة أنها قررت قبل فترة استخدامه بشكل صريح وواضح على حساباتها الشخصية في مواقع التواصل الاجتماعي، كما تقول.

تشرح السيدة أنها تستغرب ارتباك زوجها عندما يضطر إلى التلفظ باسمها في مكان عام، وأنه يُفضل أن يناديها «أم محمد» بينما ابنتها الكبرى اسمها رهف.

على عكس هبة، ترى أم مُعاذ أن عدم إفصاح زوجها عن اسمها أمام الرجال، إنما هو دليل على حبه لها وغيرته عليها. 

تقول أم معاذ إن والدها لم يكن ينادي أمها إلا بهذه الطريقة، وكذلك جميع أقاربها، وتؤكد أنها قد تجهل أسماء بعض السيدات اللواتي تربطها بهن صلات قُربى لأنهن لا ينادين إلا بألقابهن. لا ترى السيدة أي مشكلة في هذا، بل تتبناه نهجاً، وتُحذر أولادها الذكور من التلفظ بأسماء أخواتهم البنات أمام أصدقائهم.

«يا غيرة الدين»!

لا يعير كثرٌ التفاتاً إلى هذه العادات التي يُلزمون أنفسهم بها، ويتعاملون معها على أنها هي السلوك الطبيعي، وقد يستغرب أحدهم حين تسأله عن سبب إخفاء أسماء الإناث من عائلته. فيما يفترض كثرٌ أن للأمر صلة بـ«صون العرض»، وقد يتخيل البعض أنه أمرٌ بديهي يرتبط بالتديّن والتزام تعاليم الشريعة، متغافلاً، أو ناسياً أن أسماء خديجة، وعائشة، وفاطمة، وزينب، ورُقيّة تُعد رائجة تيمّناً بأسماء زوجتي النبي، وبناته، التي تملأ الكتب، وتردُ بلا حرجٍ في كثير من المواعظ والخطب الدينية على منابر المساجد!