× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

تحت سقف القانون: السلاح متاح للجميع.. بغض النظر!

حكاياتنا - خبز 14-09-2023

قبل أكثر من عام صدر قانون بتعديل بعض أحكام ترخيص السلاح في سوريا، وفي ضوء نتائج تطبيقه يمكن القول إن القانون في شكله وحيثياته «غريب»، فرغم أنّه ليس أول مرسوم في هذا الشأن لكنه كان الأشمل والأعم وربما الأخطر في ضوء فتحه الباب أمام شرعنة الأمر الواقع

الصورة: (صفحة وزارة الداخلية السورية على فايسبوك)

«ترخيص أي سلاح حربي بغض النظر عن منشئه»، جملة جرى تداولها بكثرة خلال الأشهر الماضية في الداخل السوري. رغم غرابة الجملة، صارت واقعاً يبدو أنّه يجيز حمل السلاح على رؤوس الأشهاد في بلدٍ قُتل فيها مئات الآلاف بالرصاص عينه الذي يغدو استهلاكه شرعياً، ولو بحدود.

بدأت هذه الجملة بالتواتر بعد صدور القانون 14 للعام 2022، القاضي بتعديلات على عدد من مواد قانون الأسلحة والذخائر الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 51 لعام 2001، لكنّ مفاعيلها راحت تبرز شيئاً فشيئاً خاصةً وسط تخوف مجتمعي من مدى انتشار السلاح. ولعلّ أبرز ما جاء به القانون الذي يعرّفه مجلس الشعب في موقعه الالكتروني بأنّه اعتمِد «بهدف تحقيق الردع العام والخاص وضبط حالات إساءة استخدام الأسلحة»، هو مدى الإعفاءات من العقوبات التي يمنحها لمن يكتفي بطلب الترخيص.

تنص الفقرة ب من المادة التاسعة: «يُعفى من العقوبة الحائزون على أسلحة أو ذخائر أو ألعاب نارية على وجه مخالف لأحكام المرسوم التشريعي رقم (51) لعام 2001 وتعديلاته، إذا طلبوا ترخيصها وفقاً لأحكامه، أو قاموا بتسليمها...». 

صحيح أن الجملة المذكورة لا ترد في نص القانون، لكنها تحضر في التعليمات التنفيذية، وتمكن قراءتها في حاشية أي طلب ترخيص يحيله الأمن الجنائي على الدراسة للبت في شأنها.

الترخيص قبل القانون

كان ترخيص الأسلحة، خلال سنوات ما قبل الحرب وحتى الحرب نفسها، مفتوحاً ومتاحاً لكن بشروط صعبة. يتقدم المعنيّ بطلبه حيازة سلاح حربي (مسدس) إلى الأمن الجنائي في مدينته. وفي حال موافقة الفرع على الطلب، يُحال الملف إلى الأمن السياسي في المحافظة نفسها للدراسة الأمنية حول طالب الترخيص، ثم يتخذ القرار.

في حال حصل الشخص على الموافقة المطلوبة، عليه شراء السلاح حصراً من مركز «غوتا السلاح» في العاصمة دمشق، تحديداً في منطقة الحجاز (الحلبوني). هناك هو وحظّه في العثور على سلاح جيد لا يحتاج إلى الكثير من الصيانة، لأنّ أسلحة «غوتا» تكون من مصادرات الأمن الجنائي عادةً.

يجري في العادة إخفاء الأسلحة الجيدة والثقيلة لأشخاص يدفعون مبالغ كبيرة، أو نافذين، فيما تترك الأسلحة الأقل شأناً للحاصلين على الموافقة أصولاً. 

يكون سعر السلاح رخيصاً جداً مقارنةً بالأسعار في السوق السوداء، لكن مجمل تلك الأسلحة تحتاج إلى الصيانة التي عادةً ما تجري عند محال معروفة ومرخصة.

طبقاً لـ «الحلاوين»

مراد، وهو اسم مستعار لشاب حصل على ترخيص في العام 2015، بسبب سكنه في قرية يشهد محيطُها عمليات خطف، لكنه يؤكد أنّه منذ عامين على الأقل لم يعد يحمل سلاحه معه، بل يتركه في المنزل دائماً. يقول: «استغرقت رحلتي منذ قدمت طلب الترخيص حتى الموافقة نحو ثلاثة أشهر، وخلالها أجرى الأمن دراسات مكثفة عني وعن عائلتي وسلوكي ومواقفي وآرائي قبل الموافقة ومنحي ورقةً للتوجه إلى غوتا».

وفق مصادر خاصة، منح فرع الأمن الجنائي في حمص أكثر من ثلاثة آلاف رخصة سلاح خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الجاري على أساس القانون الجديد

كان مراد يعلم مسبقاً أنّه لن يحصل على سلاح جيّد بالطرق الروتينية، ولذلك عمد إلى الوصول إلى أحدهم في «غوتا» ليسهّل عليه الأمر، ويزوده بمعلومات مسبقاً حول «البضاعة» الموجودة، وعلام يمكنه الحصول، ومتى يتوجه إلى هناك ومن يقصد بالضبط.

يكمل: «دفعت بعض الحلاوين في سبيل إتمام الأمر، وتمكنت من شراء مسدس تشيكي عيار 7 من نوعية جيدة بمبلغ أقل من مئة ألف ليرة سورية لكنه كان يحتاج الصيانة. أصلحته في محل مرخص مقابل نحو 80 ألف ليرة سورية آنذاك». في ذلك الوقت كان سعر المسدس نفسه في السوق السوداء يتجاوز 600 ألف ليرة.

للدفاع عن النفس

كان طالبو الترخيص يبرّرون طلباتهم قبل القانون الأخير بحماية النفس. وقد لوحظ أنّ أطباء ومهندسين ومحامين وفئات مجتمعية أخرى تقدموا بتلك الطلبات، بعضهم حصل على ترخيص وآخرون رُفضت طلباتهم لأسباب متعددة.

هذا لا يعني صوابية فكرة حمل السلاح من الأساس، لكنها كانت مضبوطة بالحد المعقول والضروري، ومحكومة بالإجراءات المعقدة المتبعة، وبالتأكد من أنّ طالب الترخيص غير مطلوب بجرم أمني أو عسكري أو مدني، سواء أكان جنايةً أو جنحةً شائنة أو مجرّداً من حقوقه المدنية أو من أصحاب السوابق باستخدام السلاح أو إدمان الخمور.

ما الذي تغيّر؟ قيل لجميع من يملك أسلحة: «تعالوا وخذوا تراخيص ويُمكن تجديدها»، فلو كانت النية تجميع السلاح ومصادرته دفعةً واحدة كما يشيع البعض، لما استمر الناس حتى اليوم في «تسليم أسلحتهم بانتظار حيازة التراخيص»، وفق مصدر في الأمن الجنائي.

يشدد هذا القانون العقوبة على حاملي الأسلحة غير المرخصة لما يصل إلى السجن 20 عاماً، داعياً إياهم إلى تسليمها والتخلي عنها خلال تسعة أشهر من تاريخه، أو تسليمها وطلب ترخيصها. لذا أقدم كثرٌ على طلب الترخيص.

حمص مثالاً

مدينة حمص التي ذاقت من معارك الحرب أقساها هي أحد الأمثلة التي يمكن النظر فيها، بعدما شهدت شوارعها اقتتالاً مريراً، وما إن انقشع الغبار، حتى وجدت كثيراً من أحيائها مدمراً وكثراً من سكانها مهجرين وبينهما عشرات آلاف الضحايا.

لم تُحسم السيطرة على المحافظة بأكملها إلا وفق أسلوب «المصالحات والتسويات»، كما جرى في كثير من المناطق السورية، عقب المصالحات أجرى الأهالي المطلوبون للأجهزة الأمنية، ومن بينهم مسلحون، عمليات تسوية تسقط بموجبها الملاحقة الأمنية عن صاحب التسوية ويعود سجلّه نظيفاً.

هذه التسويات عادةً ما كانت تُقرن بمصادرة الأسلحة المتوسطة والبنادق وتغض النظر عن أشياء أخرى. وقد أقبل الناس في أرياف حمص على ترخيص أسلحتهم الخفيفة بموجب القانون الأخير، بالتزامن مع إقبال الذين كانوا إلى جانب السلطة (مثل من كانوا يشكلون «لجان شعبية») على الترخيص أيضاً، وهو ما خلق تساؤلات لدى كثيرين يرفضون السلاح أساساً وترخيصه، مستهجنين الآلية التي يسمح بموجبها للجميع بالترخيص.

كميّة غير متوقعة

تشير مصادر إلى منح فرع الأمن الجنائي في حمص فقط أكثر من ثلاثة آلاف رخصة سلاح خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الجاري على أساس القانون الجديد.

مصدر أمني: نستلم السلاح من طالب الترخيص ولا نسأل عن مصدره، نراسل الجهات الأمنية التي توافق على إعادة السلاح مع رخصة خمس سنوات قابلة للتجديد إلا في حال كان هناك عائق أمني

يقول مصدر في الأمن الجنائي فضّل عدم الكشف عن اسمه: «نتلقى أعداداً مهولة لطلبات التراخيص يومياً ونقوم بالإجراءات التي تتمثل في استلام السلاح أولاً من طالب الترخيص دون السؤال عن مصدره إطلاقاً، ثم مراسلة الجهات الأمنية بالمعلومات، التي بدورها توافق على إعادة السلاح إليهم مع رخصة خمس سنوات قابلة للتجديد إلا في حال كان هناك عائق أمني».

حول العائق، يذكر المصدر أنّ أحد الأشخاص سلّم سلاحاً من نوع cz التشيكي الباهظ الثمن لكنه صودر وحجبت الرخصة بسبب وجود طلب أمني بأحد الأجرام التي لم يكن يعلم عنها سابقاً لمصلحة أحد الأفرع الأمنية في العاصمة دمشق.

وفي حال اعتقال مقدم الطلب وإدانته تحجب عنه الرخصة ويصادر السلاح نهائياً مع عدم إمكانية تسليمه للأشقاء أو أي شخص حاصل على توكيل رسمي، وذلك بسبب انتفاء الشرط الأساسي لوجوب الترخيص.

يؤكد المصدر أنّ قيمة السلاح المسلّم بغرض الترخيص لا يقف عائقاً أمام ترخيصه من عدمه، ويذكر وجود عشرات سلّموا أسلحة على شاكلة مسدسات من نوع: «غلوك، سي زد، اتش اس، سميث...» وحصلوا مباشرةً على تراخيص سارية، مع العلم أنّ سعر بعض تلك الأنواع قد يبلغ عشرات ملايين الليرات السورية.

إجراء مدروس؟

من وجهة نظر المصدر الأمني، إنّ هذا الإجراء «مدروس وجيّد لكونه يحصي عدد الأسلحة الفردية المنتشرة بين أيدي الناس، ما يسهل عمليات المصادرة الفردية في حال وجوبها في أي وقت». غير أنّ المصدر لم يستطع أن يبيّن الفكرة العامة من إخراج السلاح من دائرة العتمة إلى «خصور» الذين سيتباهون به ولن يتوانوا عن استخدامه حتى في المشاجرات اليومية.

من ذلك ما جرى مطلع الشهر الماضي (8/2023) حين تعطل السير على أحد الطرقات المؤدية إلى مصيف مشتى الحلو بريف طرطوس، فما كان من أحد راكبي السيارات إلّا أن خرج من سيارته وبدأ إطلاق النار على السيارات بلا سبب سوى ضجره من الانتظار.

في فترة انتخابات مجلس الشعب الأخيرة حين سُرب مقطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي لأحد «رجالات» مرشح حظي بالفوز يطلقون النار بكثافة في الجو مشكلين خطراً على الجوار. تحرك الأمن الجنائي سريعاً وألقى القبض على الفاعلين لكنّ أحداً من وزارتي الداخلية أو العدل لم يخبر الناس عن مصير أولئك المعتدين بعد احتجازهم، سوى أنّ مصيرهم واضح وهو الإفراج عنهم طالما لم يقتل أحد. فكيف الآن والسلاح مرخص؟ 

تخوف مجتمعي

يبدي المحامي هائل شحادة قلقاً شديداً من الحال: «بدل أن يصادر كل سلاح تتم الآن شرعنة حمله، لماذا؟ الدولة في مناطق نفوذها مهيمنة وتستطيع بسهولة سحب السلاح من الجميع مرةً واحدة إذا ما استثنينا القوات العسكرية، ناقشت الكثير من الزملاء وحاولنا الوصول لرؤية حول الموضوع ولكن حقيقة لا مبرر».

يضيف شحادة: «هناك أعذار وأحكام متنوعة للقاضي تقديرها في حالة استخدام السلاح في المواقف المدنية مثلاً، ولكن الآن تكمن المعضلة أنّ مستخدم السلاح سينجو تلقائياً من التهمة الأولى وهي استخدام سلاح غير مرخص، وهذه جريمة تقتضي عقوبة شديدة وفق القانون، ليصار دونها إلى معالجة أسباب استخدام السلاح وحيثياته ومدى الضرر».

في هذا السياق، تقول المهندسة ميرنا جمعة: «منظر السلاح مقرف، والآن سنشاهد خصوراً مزينةً بالسلاح كيفما اتجهنا... لماذا يريد الناس سلاحاً؟ لم يعد هناك خطر في المدن الرئيسية والجميع يتنقل ويسافر ليلاً دون مخاطر».

تروي جمعة تعرض شقيقها لحادث كاد يفقد فيه حياته إثر إشكال مروري مع سائق آخر: «نزل السائق الآخر من سيارته مشهراً سلاحه في وجه أخي ولولا لطف الله لكانت خرجت رصاصة وقتلته، والغريب أنّ ذلك الرجل طبيب مثقف ومتعلم».

أدت الحركة المتنامية في سوق السلاح إلى ارتفاع مهول في أسعاره في السوق السوداء على خلفية إقدام كثيرين ممن لم يتملكوا سلاحاً سابقاً، أو فقدوه لسبب ما، على شراء واحد جديد وترخيصه طالما أنّ  حامل السلاح لا يُسأل عن مصدر سلاحه.

في النتيجة، وصل سعر مسدس نوع «براونينغ» عيار 9 ملم إلى نحو ثلاثة آلاف دولار، و«غولدن سميث» إلى خمسة آلاف، ومسدس «ستار طويل» 800 دولار، والمسدس التشيكي عيار 7 ملم إلى 500، وعيار 9 ملم منه نحو 600، بينما يراوح سعر مسدس «غلوك» وهو الأغلى من 7 إلى 10 آلاف بحسب الإضافات المرفقة به.