× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

من الزلزال إلى غزة: لماذا يحترف «مجتمعنا المدني» إهدار الفرص؟

عقل بارد - على الطاولة 03-11-2023

ربما كان البحث في دور منظمات المجتمع المدني السوري في خضم الحرب السورية شائكاً، نظراً إلى العديد من التعقيدات والتحديات التي حكمت، ولا تزال تحكم هذه المنظمات. لكن، هل أُتيحت فرصٌ للتخفف من هذه التعقيدات؟ هل أجيد استثمارها؟ كيف تصرف المجتمع المدني إزاء نكبة الزلزال مثلاً؟ أو مع العدوان الإسرائيلي المستمر ضد الفلسطينيين؟

الصورة: (من ضحايا الصحافة في غزة - معتز عزايزة/X)

يلعب المجتمع المدني دوراً حاسماً في الدفاع عن حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية والسلام.  وتزداد أهمية دوره أكثر في أوقات الحروب والأزمات، خاصة في المجتمعات التي تشهد صراعات داخلية، لقدرته على لعب دور الوساطة بين الفرقاء. ماذا عن سوريا، وموقع منظمات المجتمع المدني في هذه المعادلة؟

أساس متخيل

تتركز أدوار منظمات المجتمع المدني في بعض القضايا الوطنية على قدرتها في لعب دور الأداة الفاعلة للتعبئة العامة، والتعاون والعمل الجماعي، فهي جهات فاعلة أساسية في تشكيل الرأي العام، ورفع مستوى الوعي، والدعوة إلى التغيير. 

يقوم الدور المتخيل أساساً لهذه المنظمات على تعزيز التضامن مع المجتمعات المضطهدة والمهمشة، هذا التضامن يتوزع على مستويات ثلاثة: المحلي والوطني والعالمي. 

في ضوء هذا الدور المتخيل كان يُفترض بالحالة الفلسطينية اليوم، وما تشهده من عدوان ممنهج على قطاع غزة انتقاماً لعملية «طوفان الأقصى» التي شنتها «حماس» في 7 تشرين الأول/أكتوبر، دفعُ المنظمات المدنية السورية إلى لعب دور في الحشد والتفاعل، عبر وسائل عديدة مثل إدانة العدوان، وإظهار الدعم والتضامن مع الفلسطينيين الأبرياء، والدعوة إلى وضع حدّ فوري للعنف.

أكثر من ذلك، ربما كان من شأن اتخاذ موقف موحّد حول هذه القضية أن يمكّن المجتمع المدني السوري من إظهار التزامه بحقوق الإنسان والعدالة، وإظهار قدرته أيضاً على تجاوز خطوط الصراع التي رسمتها الأحداث السورية على امتداد السنوات الماضية، لكن هذا وبكل أسف لم يحدث (حتى الآن)، ولم نلحظ مثلاً بياناً مشتركاً عابراً للجغرافيات يتناول الشأن الفلسطيني، برغم حالة التضامن الكبيرة التي انتشرت بين أوساط الناشطين المدنيين السوريين مع فلسطين وأهلها، وسط الجرائم الممنهجة، والإبادة الجماعية التي يمارسها الاحتلال، (مع ملاحظة تأخر قادة المنظمات المدنية عن اللحاق بركب المواقف التي تبناها ناشطون)، أما حالة التضامن المؤسساتي المدني فلم ترق إلى المستوى المأمول، أقلّه حتى الآن.

لعل هاجس الحفاظ على التمويل في مقدمة الهواجس التي تخشاها المنظمات المدنية السورية، فهل يكون هذا سبباً لعدم صدور بيانات واضحة من (معظم) المنظمات؟

العدد الضخم للمنظمات ليس عامل غنى في ضوء التشرذم، بقدر ما يعيق قدرة المجتمع المدني على الاستفادة من القوة الجماعية وإحداث التأثير 

لا شك في أن الواقع المجزأ للمجتمع المدني في سوريا يعكس المشهد السياسي الشديد الاستقطاب. ومع ذلك، فإن قضية فلسطين اليوم تمثل فرصة لهذه المنظمات لتجاوز خلافاتها، والعمل نحو هدف مشترك يحمل أقل قدر ممكن من الفخاخ مقارنة بقضايا أخرى سورية بحته، ومن خلال التركيز على قضية مشتركة، تستطيع منظمات المجتمع المدني السورية قطع خطوات في بناء الجسور وتعزيز الثقة وتنمية الشعور بالوحدة على أساس القضية على أقل تقدير.

حين تُصدر منظمات المجتمع المدني في جميع أنحاء سوريا، وفي الخارج بيانات، وتنظم احتجاجات تضامنية مع الفلسطينيين، فإنها ترسل رسالة قوية حول الموضوعات التي ترقى إلى كونها قضية وطنية مُتفقاً حولها - باعتبار أن كثيراً من السوريين ينظرون إلى قضية فلسطين على أنها قضية مركزية -. 

ليست وظيفة هذا الموقف الموحد المفترض رفع الصوت حول فلسطين أو تضخيمه فحسب، بل قد يوفر هذا التضامن الجمعي منصة للسوريين للالتقاء، والوقوف معاً ضد التحديات التي تواجههم، وتسليط الضوء على قيمهم وتطلعاتهم المشتركة، فضلاً عن أن هذه المنظمات لديها فرصة للمساهمة في التأثير في الرأي العام العالمي.

بمعنى آخر، عندما تجتمع منظمات من خلفيات وانتماءات سياسية سورية متنوعة معاً لدعم فلسطين، فهي لا تتحول إلى منظمات سياسية، بل تخلق منصة للحوار والتعاون. ويمكن لهذا التعاون أن يتمتع بديمومة تشكل أساساً للتعاون المستقبلي بشأن القضايا السورية المُلحة، والمساهمة في جهود بناء السلام السوري. ورغم صعوبة المهمة، يمكن أن يتطور التعاطي مع هذا النموذج التضامني إلى التوسط بين القوى السورية المتصارعة لتنحية خلافاتها جانباً والعمل نحو تحقيق هدف مشترك، مرحلي على أبعد تقدير، وفي قضايا لا تشكل حالة استقطاب شديدة، ما يعطي انطباعاً بإمكانية الوحدة المدنية لاحقاً حتى في مواجهة الانقسامات العميقة.

واقع مجزأ وتردد واضح!

تواجه منظمات المجتمع المدني في المجتمعات العربية تحديات عديدة في كثير من الأحيان، مثل؛ محدودية الموارد، والقيود المفروضة على أنشطتها، والانقسامات بين المجموعات المختلفة. وتؤدي هذه العوامل إلى تعزيز ما تمكن تسميته «تجزئة المجتمع المدني»، إذ تعمل المنظمات في شكل بقع متباعدة جغرافياً ومواضيعياً.

يضمّ المجتمع المدني السوري، سواء داخل البلاد أو خارجها، منظمات مختلفة ذات أجندات وأولويات متنوعة. يشير تقرير«مراكز أم فقاعات: المجتمع المدني السوري بعد عقد من الصراع» الذي أعدته مؤسسة «إمباكت للدراسات و التنمية» إلى وجود 767 منظمة من منظمات المجتمع المدني السورية على الأقل حتى صيف2021،  90 بالمائة منها داخل سوريا. هناك 218 منظمة في مناطق سيطرة «هيئة تحرير الشام»، و61 منظمة في المناطق الخاضعة للسيطرة التركية الفعلية في الشمال السوري، أما في مناطق الإدارة الذاتية فنجد 96 منظمة في الرقة، و58 في دير الزور، و68 في الحسكة، وفق ما جاء في التقرير.

هذا العدد الضخم ليس عامل غنى بكل تأكيد في ضوء التشرذم الحاصل، بقدر ما ثبت أنه عامل يصعّب تنسيق الجهود وتشكيل تحالفات تستطيع معالجة القضايا الملحة بفاعلية، فهو يعيق قدرة منظمات المجتمع المدني على الاستفادة من القوة الجماعية وإحداث تأثير كبير على أرض الواقع.

كان من شأن اتخاذ موقف موحّد حول القضية الفلسطينية تمكين المجتمع المدني السوري من إظهار قدرته على تجاوز خطوط الصراع وانقساماتها

رغم هذا التشظي الواضح؛ يمكننا أن نلاحظ محاولتين «مدنيتين» للاستقطاب والتكتل، لا حول القضايا المدنية بل بسبب الاستقطابات السياسية، ففي حين تبرز «الأمانة السورية للتنمية» بوصفها أقوى منظمات المجتمع المدني في المناطق الواقعة تحت سيطرة دمشق، يبدو بوضوح أن تجمع «مدنية» مثلاً محاولة لجمع منظمات المجتمع المدني المعارضة في الخارج لتكون كتلة كبرى، ومضادّة. الجهتان مسيستان وخاضعتان أو مشاركتان فعلياً في الاستقطابات السياسية المتفرعة عن الحرب، ما يضعضع صورتهما المدنية، ويعكس حجم التباعد بين الفاعلين المدنيين في ساحة العمل السوري.

فرصة إثر أخرى

في السادس من شباط/فبراير استفاق الشرق الاوسط على زلزال ضرب كلّاً من سوريا وتركيا وخلّف آلاف الضحايا من البلدين. تمكنت غرفة دعم المجتمع المدني الأوروبي من إصدار بيان تضامني بالحد الادنى مع الحدث، لكن لعله لم يرق إلى المستوى المأمول حينها. سمح الزلزال بشيء من التواصل بين بعض المنظمات المدنية السورية لم يكن موجوداً قبل ذلك، لكن سرعان ما عادت الأمور يوماً بعد يوم إلى الوضع السابق، وافتقدت المنظمات المدنية فرصة للتضامن المستدام، لصالح التنافس على الموارد.

بالطبع لا يمكن إنكار أن منظمات المجتمع المدني في سوريا قدمت مساهمات كثيرة في مناطق السيطرة التي تنشط فيها، وليس هذا المقال في وارد تقييم أدائها، لكن في المقابل فإن التنسيق المدني المحدود، والافتقار إلى مواقف موحدة حين تسنح الفرص المواتية، يقوضان تأثير المجتمع المدني السوري الجماعي، ويظهران المنظمات والمؤسسات المدنية وكأنها منفصلة عن القضايا الوطنية. هذا النهج المتناثر لا يقلل من قدرة المنظمات المدنية السورية على إحداث التغيير فحسب، بل ويُهدر فرصة تأسيس نموذج لمقاربة سائر القضايا السورية المصيرية، وما أكثرها!