× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

مدارس مهجّري عفرين بين قصف وحصار: التعليم قارس!

حكاياتنا - خبز 16-02-2024

بين برد قارس لا يُطاق، وبين قصف وحصار يعانيهما ريف عفرين شمالي حلب، يحاول نحو 15 ألف تلميذ الاستمرار في تلقّي الدروس، فيما يسوء الوضع الأمني أكثر في قرى خط التماس، وتغلق بعض المدارس أبوابها أياماً بسبب القصف

عبثاً تحاول المعلمة حياة فوزي ناصر إقناع تلاميذها في الصف الرابع الابتدائي بالجلوس على المقاعد لنقل ما كتبته على السبورة إلى دفاترهم، فمع عدم وجود وسيلة تدفئة في الغرفة، ومع تسرّب الهواء البارد من النوافذ وشقوق الجدران يشعرون أنهم يتجمدون برداً، ولا يقوون على الجلوس ومتابعة الدروس.

تضطرّ المعلمة، وهي نازحة من قرية كورزيلة التابعة لناحية شيراوا بريف عفرين شمالي حلب، وتسكن حالياً بلدة دير جمال في ريف حلب الشمالي، إلى إيقاف الدرس وتشجيعهم على أداء بعض الحركات الرياضية لاكتساب بعض الدفء، لكن كلما توقفوا عن الحركة، شعروا بالبرد مرة أخرى وعجزوا عن الإمساك بأقلامهم.

تقول حياة التي تدرّس في مدرسة دير جمال الابتدائية إنّ مفاصل التلاميذ ترتعد من شدة البرد ولا سيما أنّ المدرسة منزل غير مجهز كلياً.

تنطبق هذه الظروف على معظم مدارس «منطقة الشهباء»، وهي تسمية تطلقها الإدارة الذاتية على مجموعة قرى وبلدات في ريف حلب الشمالي ويتوزع فيها نازحو منطقة عفرين، كما ينسحب الأمر على قرى في ناحية شيراوا جنوبي عفرين لا تخضع للسيطرة التركية: آلاف الطلبة والتلاميذ يتلقون الدروس وسط ظروف جوية باردة وأمنية خطرة.

في 18/3/2018 سيطرت تركيا برفقة فصائل سورية معارضة تتبع «الجيش الوطني» على عفرين، باستثناء مجموعة قرى في ناحية شيراوا هي:  الذوق الكبير (كوندة مازن)، البصلية (صوغانكه)، عقيبة (آقيبة)، الزيارة (زاراته)، الخربة (غربكه)، برج القاص، أبين (بينه)، كلوته، باشمرا، زرناعيت، مياسة.

أدّت تلك العملية العسكرية إلى نزوح معظم سكان عفرين إلى «الشهباء»، ليتوزع قسم منهم في خمسة مخيمات (الشهباء، برخدان، سردم، عفرين، العودة)، فيما استقر آخرون في القرى التي لم تسيطر عليها تركيا من ناحية شيراوا، وتحوّلت إلى خطّ تماس بين القوات التركية وفصائل المعارضة من جهة، وبين قوات الجيش السوري التي تمركزت في تلك القرى بعد انسحاب قوات سوريا الديمقراطية منها.

تفرضُ دمشق منذ ذلك الوقت قيوداً صارمة على حركة العبور بين الشهباء وشيراوا وبين مناطق سيطرتها، ويتطور الأمر أحياناً ليصل حدّ الحصار، مع منع دخول المحروقات والأدوية والمواد الغذائية بين حين وآخر. يستمر الحصار في بعض الأحيان أكثر من شهر، وهو ما دفع «هيئة التربية والتعليم في إقليم عفرين» التابعة للإدارة الذاتية (كانت هذه الهيئة سابقاً تشرف على العملية التعليمية في عفرين وحالياً تشرف على المدارس في الشهباء وشيراوا) إلى إغلاق المدارس بعض الأيام لعدم توافر الوقود والمواصلات لنقل المعلمين والتلاميذ.

لا وقود

يبلغ عدد مدارس الشهباء وقرى شيراوا 63، منها: 41 منزلاً خمسة من بينها مستأجرة، و36 منزلاً «أصحابها غير موجودين»، وجامع واحد، وخمس مدارس في مخيمات نازحي عفرين، وفقاً لما ذكره فاضل جاويش، الرئيس المشترك لهيئة التربية والتعليم.

يقول جاويش إنّ جميع تلك المنازل «غير مجهزة، وهناك شقوق في جدران بعضها، ونوافذ بعضها مكسورة وتم إغلاقها ببعض البلاستيك».

يشرح جاويش أسباب تحويل المنازل للعب وظيفة المدارس، ومنها وجود بعض نازحي عفرين في بعض مدراس الشهباء وشيراوا ورفضهم الخروج منها، إضافة إلى دمار مدارس في بعض القرى - كالوحشية وأحرص - جراء العمليات العسكرية التي شهدتها المنطقة.

يرتاد تلك المدارس 14,398 طالباً وطالبة، بينهم 1,736 في مدارس المخيمات الخمسة يتلقون تعليمهم على يد 1,062 معلماً ومعلمة، فيما يبلغ عدد العاملين في قطاع التعليم كلياً 1,161، بحسب إحصاءات حصلنا عليها من هيئة التربية والتعليم.

يشرح جاويش أنّ هناك 36 مدرسة تحتاج إلى أعمال صيانة وترميم، بينما هناك 10 قيد الترميم. ورغم المنخفضات الجوية المتلاحقة، لم توزع هيئة التربية منذ بداية افتتاح المدارس في 9/2023 حتى الآن سوى 50 لتراً من المازوت لكل غرفة صفية بسبب الحصار.

إلى جانب منعها دخول المحروقات والمواد الغذائية، تمنع حواجز الجيش السوري دخول كتب المنهاج الذي تفرضه الإدارة الذاتية في مناطق سيطرتها شمال شرق سوريا، وتعتمده أيضاً في الشهباء وشيراوا، فضلاً عن مستلزمات التعليم كالمقاعد والألواح والخرائط الجغرافية. 

في هذا الصدد، يقول الرئيس المشارك لهيئة التربية والتعليم: «هناك تشديد كبير على إدخال الكتب إلى المنطقة وليس الكتاب المدرسي فقط بل الكتب بمختلف أنواعها». ويضيف: «في السنوات الأولى للنزوح كانت جميع المدراس تفتقد إلى الكتب والقرطاسية، ثم حاولنا طباعة الكتب في الشهباء لكن لم نستطع تأمين المنهاج لكل المدارس، هناك نقص في الكتب خاصة لطلاب المكوّن العرب».

يوجز هذا التفصيل جانباً من تعقيدات العملية التعليمية في سوريا بالعموم، مع سعي معظم القوى المسيطرة إلى فرض مناهج تخصها، ولا تحظى هذه المناهج، وعلى رأسها منهاج الإدارة الذاتية باعتراف دمشق، إذ «لا شرعية لأي عملية تعليمية خارج إشراف وزارة التربية السورية ومناهجها» وفق تأكيدات مسؤولين في الوزارة.

تعليم تحت القصف

لا تقتصر صعوبات العملية التعليمية في هذه البقعة على فقدان المحروقات ونقص الكتب، فقصف القوات التركية والفصائل الموالية لها يعرّض حياة الطلبة والكادر التعليمي للخطر. ويسوء الوضع الأمني أكثر في قرى خط التماس، ففي بداية العام الحالي، أغلقت بعض المدارس أبوابها أكثر من أسبوعين بسبب القصف.

على بعد كيلومترين من النقاط العسكرية التركية والفصائل، ترسل لطفية محمد (26 عاماً) طفليها، أحدهما في الصف الأول والآخر في الثاني، إلى مدرسة القرية المجاورة، لكن يكتنفها القلق حتى موعد عودتهما.

تسكن لطفية قرية صوغانكه في ناحية شيراوا، وقبل أربع سنوات أغلقت هيئة التربية والتعليم في عفرين مدرسة القرية كلياً بسبب قرب القرية من النقاط التركية والمعارضة، ليضطر طلبة القرية إلى ارتياد مدارس القرى المجاورة التي تتعرّض أيضاً لقصف متكرّر.

في قرية مياسة، تصف المعلمة هند عبدالو (31 عاماً) حالة تلاميذها: «يرتعب كل تلميذ مجرّد سماعه صوت سقوط القذيفة وينادي فوراً باسم أمه أو أبيه ويبدأ بعضهم بالبكاء والصراخ».

وتضيف: «نتبع طريقة وضع اليد على الأذن لكن بلا جدوى، فالقصف يؤثر في الطالب نفسياً ومستوى استيعابه.. ينسون كل ما تلقوه ويسألون: هل سوف نموت بهذه القذائف؟ هل سيستهدفون مدرستنا؟».

في هذا السياق، يقول شيار ناصرو، وهو مدير مدرسة برج القاص الإعدادية والثانوية، إنّهم يجمعون الطلاب في الغرف أثناء القصف، ثم يرسلونهم إلى المنازل على دفعات بعد أن يتوقف، ويؤكد أنّ غالبية العائلات لا ترسل أطفالها إلى المدرسة أياماً عدّة بعد كل قصف خوفاً على حياتهم.