نورشان ن.مراد
الصورة: (شارع القوتلي في الرقة - صوت سوري)
على غير العادة قرّر أسامة الجلوس في أحد المقاهي الشهيرة في الرقة. كان يريد أن ينجز بعض أعماله لظروف حالت دون ذهابه إلى مقر عمله، ويأمل في بعض الهدوء. المفترض أنّ الأجواء مهيأة لذلك: طقس شتوي جميل، مع صوت فيروز. هذا هو الانطباع الأول عند دخوله المقهى، لكن ما إن جلس، حتى باغته النادل: ماذا تريد أن تشرب؟
طلب أسامة قهوة ليستمتع بوقته أثناء عمله، لكن تصرّفاً غريباً من النادل لفته. يقول: «طريقته فجّة في التعامل» لم ينتظر طويلاً حتى أتاه ما طلب، لكن طريقه التقديم أيضاً «مستفزّة»، إضافة إلى أنّ فنجان القهوة متّسخ، وصحنه يكاد يكون مليئاً بماء أصفر يظهر فيها سائل جلي.
يشرح أسامة أنّه طلب من النادل أن يرى ماذا قدم إليه، فبادر الأخير إلى سحب صحن الفنجان وسكب ما فيه من ماء على الأرض، ثم أعاده إليه وأدار ظهره لينشغل بطلبات أخرى.
كل ما سبق عكّر مزاج الضيف لكنه اضطر إلى البقاء بسبب حاجته إلى شحن هاتفه المحمول، لا سيما أنّ منزله بلا كهرباء في الصباح.
في قصة شبيهة، اشتكى خالد من طول الانتظار أثناء طلبه وجبة جاهزة من أحد المطاعم التي فتحت أبوابها حديثاً. انتظر أكثر من نصف ساعة رغم عدم وجود زبائن آخرين، فطلب استعادة نقوده، لكن المحاسب رفض.
لم يمرّ وقت طويل حتى تعالت الأصوات في القسم المخصص لتحضير طلبيات الزبائن ووصلت إلى حدود تقاذف الشتائم بين الموظفين.
أما سلوى، فواجهت مشكلة أخرى تتعلق بالنظافة. تقول إنّها تراقب عروض المطاعم لتحظى بوجبة جيدة بسعر منخفض، وهذا ما حدث مع مطعم يقدم وجبات الفروج بأنواعها. طلبت وجبة شاورما بعد طول انتظار نتيجة الازدحام، تقول المرأة إنّ المطعم رغم شكله الحديث يفتقد أدنى شروط النظافة.
وتشير إلى أنّها رأت أحد العاملين يغلّف وجبة بعد أن التقط قطعاً من البطاطا بيده ووضعها داخل الوجبة، كما تلفت إلى عدم تقيّد العمّال بشروط بديهية للنظافة كأن يغطوا رؤوسهم ويلبسوا كفوفاً.
معظم الأطعمة مكشوفة وغالبية المطاعم تطل على شوارع الرقة التي يملؤها الغبار عادة، وتزداد المشكلة بعد هطول الأمطار
لمطاعم الوجبات الشعبية حصة في انتقادات سلوى، إذ تقول إنّ بعضها مهمل، بل ترى الزيت المخصّص تحوّل إلى اللون الأسود، كما تصدر من الحمّص وملحقات سندويشة الفلافل رائحة عفونة نتيجة تخزينها الطويل أو إعدادها في وقت سابق.
الرقابة ذاتية
يلاحَظ أن عدداً من المطاعم الجديدة فتحت أبوابها في الرقة، وغالبيتها تتسابق في تزيين واجهاتها لكن دون أن يترافق ذلك مع تحسين الخدمات، وهو ما دفع كثيراً منها إلى إغلاق أبوابها بسبب عدم قدرتها على كسب زبائن دائمين.
ثمة مشكلة أخرى هي أنّها تتبارى في رفع الأسعار، كما تختلف أسعار الوجبة ذاتها بين مطعم وآخر، وفي حال كانت هناك قيمة أقل في السعر تكون الوجبة أقل في المكوّنات.
أيضاً، غالباً ما تكون معظم الأطعمة مكشوفة وغالبية المطاعم تطل على شوارع الرقة التي يملؤها الغبار عادة. وتزداد المشكلة بعد هطول الأمطار لأنّ السيارات العابرة تثير تلك التربة بشكل كبير.
في هذا المشهد، تفقد أجهزة الرقابة التموينية التابعة للجنة الاقتصاد في «مجلس الرقة المدني» مصداقيتها لدى الأهالي، وهي أصلاً لا تتّخذ إجراءات رادعة بحق المخالفين للقوانين العامة والشروط الواجب عليهم اتباعها.
لا يخلو الأمر ممن يحترم عمله ويطبق الرقابة الذاتية احتراماً للزبائن، فيما تتذرع مؤسسة الرقابة بعدم وجود الكادر الكافي لتغطية العدد الكبير من المحلات التجارية والمطاعم في المدينة وريفها، فبات عملها يقتصر على جولات متباعدة في سوق ما دون غيره.
تكتفي الرقابة خلال جولاتها بالمخالفات والغرامات، وتركز عملها على محلات الجملة، فيما تصل العقوبات أحياناً إلى التشميع والإغلاق، لكن هذا لا يستمر طويلاً إذ يعود صاحب المحل إلى فتحه في اليوم التالي.