× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

«المُستقبل مُمكن».. مبادرات لتعليم الفتيات في سوريا

حكاياتنا - خبز 11-04-2024

يجهد كثر في سوريا من أجل توفير تعليم يتجاوز التدهور الحاصل ويبقي شيئاً من الأمل للفتيات على وجه الخصوص، بعدما صرن يحظين بالأولوية في مبادرات كثيرة تريد أن تبني لهن هوامش تحررية من شأنها حمايتهن معرفياً ومهنياً، وأن تساهم في توعيتهن بأن المستقبل ممكنٌ

الصورة: (Dimashqi Lens - فليكر)

مع كل صباح، تحمل ابنة العشر سنوات سيدرا الحقيبةَ المهترئة نفسها، وتتجه إلى مدرستها القريبة في حي الشّعّار شرقي مدينة حلب. يريد والدها، عامل البناء المياوم، أن تواصل تعليمها رغم سوء الأحوال، فالتعلّم يأتي «قبل كل شيء، حتى قبل الطعام والشراب».

وإذ لا يتجاوز دخل هذا الرجل ما يوازي خمسين دولاراً شهرياً، يصف مهمة تعليم الأبناء بـ «الخط الأحمر»، رغم ارتفاع تكاليفها وغلاء المعيشة. لكن قد لا يكون هذا الإصرار حليف كثير من الفتيات في سوريا، فتردي الأوضاع، ودمار وتضرّر أكثر من سبعة آلاف مدرسة في أنحاء البلاد، وتراجع مستوى التعليم عامةً، هي عوامل متداخلة تدفع بالآلاف إلى خارج الإطار الدراسي، نحو سوق العمل غالباً.

تختلف نسب التسرّب من المدارس بين المحافظات، غير أن الأرقام الصادرة عن منظمة اليونيسف تشير إلى وجود 2,4 مليون طفل سوري خارج المدارس حالياً، مع خطر تسرّب 1,6 مليون طفل آخرين. وتشكل الفتيات، بحسب المصدر نفسه، 40 في المئة من العدد الإجمالي، في حين تشير التقديرات المحلية إلى نسب تناهز 60 في المئة.

لكن «مهما كان الثمن، سأسعى إلى جعل ابنتي تتابع دراستها»، يقول والد سيدرا، مشدداً: «هي أهم عندي من أن يتعلم أولادي الذكور، لأن الشهادة ستكون سلاحاً بيدها في المستقبل».

«برّ الأمان»

تقف أسباب شتى اليوم خلف تسرّب الفتيات خارج الإطار التعليمي في سوريا: من الفقر، إلى النزوح والتوجه نحو «سكن مؤقت» لا تتوافر فيه ظروف الاستقرار، وصولاً إلى التزويج المبكر الذي تجاوزت نسبه في بعض المناطق 30% من مجمل حالات الزواج. ثمة في الخلفية أيضاً الاضطرار في سن مبكرة إلى الالتحاق بسوق العمل، بما يمنع إكمال الدراسة.

يترك ذلك آلاف الفتيات السوريات في انتظار مستقبل مجهول تماماً. غير أن «هذا المصير هو تماماً ما نسعى إلى تحدّيه، لو بإمكانات بسيطة»، تقول هادية إبراهيم، وهي صاحبة معهد تعليمي في بلدة صحنايا في ريف دمشق، مؤكدة أن «إيصال لو فتاة واحدة إلى برّ الأمان هو بمثابة إنجاز لنا».

أنشأت إبراهيم (55 عاماً) هذا المشروع قبل نحو خمس سنوات، وسط سعيها إلى التركيز بصورة خاصة على الفتيات النازحات إلى البلدة من مختلف مناطق. ويتجسّد ذلك من خلال توفير معهدها مجموعة من دروس التقوية لمختلف المراحل التعليمية، وبأسعار رمزية للعاجزين عن تحمل التكلفة.

غير أن «المشكلة الأكبر تتمثل حالياً في وضع مادي صعب تعاني منه معظم العائلات، بما يدفعها إلى إخراج الأبناء من المدارس في ظل التكلفة العالية للمستلزمات من ملابس وقرطاسية وغيرها، وتراجع المستوى التعليمي عاماً بعد آخر في معظم المدارس نتيجة نقص الكوادر المهنية»، تشرح إبراهيم.

تراجعٌ تُصوّره مُدرّسة الرياضيات في روايات عن طلاب يأتونهم وقد بلغوا نهاية المرحلة الابتدائية، ولكنهم ما زالوا عاجزين عن القراءة والكتابة بالشكل المطلوب.

لا يعني إقبال الفتيات على التعلّم تغيّر النظرة التقليدية إلى أدوارهن في المجتمع

لكن في سياق أزمتي التكلفة وفقدان الثقة في المستوى، تأتي مهمة المعهد «بكوادره القليلة لكن المؤمنة بأهمية التعليم للجيل الجديد، في التشجيع على الحضور والالتزام، ومن خلال تقديم المستلزمات للطلاب عبر الاستفادة من بعض التبرعات المحلية».

يستقبل المعهد الطلبة من المراحل كافة، فيما تبرّر إبراهيم التركيز على الفتيات بصورة خاصة بأنهن لا يحظين عادةً بفرص متساوية في التعلّم قبل بلوغ المرحلة الجامعية. وهي تفعل ذلك من خلال تواصل مباشر مع الأهالي وتحفيزهم وتوعيتهم بمدى أهمية استمرار بناتهم في ارتياد المدرسة وعدم التفكير في إبعادهن عن التعليم أو تزويجهن.

«الأمر ليس سهلاً بكل تأكيد، وهناك كثرٌ يفضّلون سلوك طريق يبدو لهم أسهل، لكن يمكنني التأكيد أن عائلات عديدة باتت تدرك أهمية التعلّم بصفته استثماراً لها ولأولادها في المستقبل»، تقول.

«هو تغيير بطيء نسعى إليه تعليمياً ومجتمعياً»، تختم مدرّسة الرياضيات صاحبة المعهد.

«ثلثا الطلاب من الفتيات»

بحماس كبير لا يخلو من تناول صعوبات جمّة، تحدّثني مدرّسة اللغة الإنكليزية مروة الدالي، عن الواقع التعليمي في منطقة القلمون بريف دمشق، وتحديداً في مدينة النبك. فهناك تعيش وتعمل في معهد لتدريس مناهج الشهادة الثانوية، ولها أيضاً مركز لتعليم اللغات.

تقول الدالي (47 عاماً): «اليوم، ثلثا الطلاب من الفتيات في المعهد حيث أعمل، ولديهن رغبة في الحصول على الشهادة الثانوية ومتابعة التعليم الجامعي والعمل»، مضيفة: «أرى أن لديهن اهتماماً وإصراراً وأملاً كبيراً في بناء مستقبل أفضل».

تلفت إلى أن هذا الإقبال واضح في مركز اللغات أيضاً، حيث تستقبل فتيات وحتى أمهات يدركن أهمية التعلّم، في تفاعل يتخطى مدينة النبك ليشمل القرى المحيطة. «يقطع الطلبة مسافات طويلة أملاً في فرص أفضل»، تقول.

ليس بالسهل على الإطلاق الواقع الذي يواجهه قطاع التعليم في مدن القلمون وبلداتها، سواء أكنا نتحدث عن التعليم الرسمي أو المعاهد الخاصة والمؤسسات الرديفة الساعية إلى تقديم دروس تكميلية ومقوية.

تشرح الدالي أن «المشكلة الأكبر هي في الكوادر المؤهلة وفي تغيّرها بصورة سريعة على مدار العام الدراسي، كما أن مدرسين كثراً اليوم ليسوا من أصحاب الاختصاص ولا يحملون شهادات جامعية أو يملكون المستوى المطلوب لتدريس فئات عمرية معينة».

وترى أن هذا «يؤثّر في تركيز الطلاب، بخاصة من هم في المستويات المتوسطة وما دون، إذ يحتاجون إلى اهتمام أكبر وترميم لكثير من الفجوات بالمعلومات».

قد تحل المؤسسات الخاصة على غرار المعاهد جزءاً من هذه المشكلة، من خلال توفير صفوف تستوعب طلاباً أقل، واللجوء إلى أساليب تعليمية أحدث، وإعلاء شأن التواصل الشخصي بين المدرّسين والطلاب. غير أن هذه المؤسسات تعاني في تأمين بيئة مريحة من حيث البنى التحتية والتدفئة والمستلزمات، ما يجعل الدراسة فيها مكلفة وليست في متناول الجميع.

كما أن إقبال الفتيات على التعلّم في العموم، لا يعني، وفق وجهة نظر مروة الدالي، تغيّر النظرة التقليدية إلى أدوارهن في المجتمع، إذ إن كثيرات قد يتركن المدرسة أو المعهد بمجرد «مجيء النصيب». كما أن تكاليف الدراسة عائق كبير وثابت في جميع الحالات وأمام أغلب العائلات.

«المشكلة الأكبر هي في الكوادر المؤهلة وفي تغيّرها بصورة سريعة على مدار العام الدراسي، كثير من المدرسين اليوم ليسوا من أصحاب الاختصاص»

في مواجهة ذلك، تعمل الدالي أيضاً على التوعية بحيوية تطوير المهارات والثقافة. تقول: «نحكي للطالبات ولأهاليهن عن أهمية التعلّم، وأن الفتاة حتى لو تزوجت لا بد لها أن تتابع تعليمها وتطور ذاتها وتكون قادرة على الاعتماد على نفسها مادياً».

لعل أبرز مُقابل تحصل عليه مروة الدالي، حين تلمس صدى ما تدعو إليه في إعراب أمهات عن الرغبة في أن تتابع بناتهن التعلّم كي لا تنحصر حيواتهن بالمهام التقليدية للزواج والعمل المنزلي. كذلك تأتي نساء متزوّجات، لو بعد انقطاع دام سنوات كثيرة.

«التوعية الطريق الأمثل»

تضع عليا عبد الله حجر الأساس لمشروعها الجديد في بلدة المليحة في غوطة دمشق الشرقية. فهي تسعى إلى تأسيس مركز تعليمي توعويّ، يستهدف سيدات وفتيات المنطقة بصورة خاصة.

«في الغوطة عشرات المدارس والمعاهد اليوم، لكن علينا أن نسأل أنفسنا: ما هو المحتوى المقدّم؟ وما هو المستوى الذي يتلقاه الطلاب؟ وهل هناك ما يكفي من جهود تعمل على التوعية بأهمية التعليم خاصة للفتيات؟»، تقول السيدة الخمسينية، المدرّبة في مجال الأعمال اليدوية.

ترى عبد الله أن ما ينقص المنطقة بما يخص المجال التعليمي، هو «التواصل». وهي تعمل على استهداف طالبات المرحلتين الابتدائية والإعدادية من خلال دروس تقوية، إلى جانب أمهاتهن اللواتي ستقدّم لهن دورات مهنية مختلفة، لتؤمّن بذلك تواصلاً مع الفئتين، وتساهم في نشر التوعية التي «باتت ضرورية للغاية».

كذلك تؤكد أنه «لا يكفي أن نعلّم الفتيات، فعلينا أن نشرح لهن كيف يخططن لمستقبلهن، وكيف يأخذن حقهن. يجب أن يعرفن أن الزواج ليس الطريق الوحيد أمامهن، ويمكن ببعض الإمكانات والمعرفة نيل فرص عمل مريحة».

تدرك عبد الله تماماً جملة التحديات التي تنتظرها، فالأوضاع المادية القاسية لن تحفزّ كثيرات. غير أنها ستسعى إلى تمكين الأمهات على وجه الخصوص من مهنة يمكن مزاولتها حتى في المنزل، دون الحاجة إلى كسر أي قواعد اجتماعية قد تكون معيقة لهن. وتقول: «علينا أن نفهم المجتمع قبل أن نفكّر في أي جهود تعليمية أو توعوية كي لا تذهب سدى لكونها غير ملائمة».

«الطريق طويل»، تؤكد عليا عبد الله. كما أن ما خلفته الحرب في المجتمع السوري يحتاج إلى سنوات من العمل الدؤوب بهدف تجاوز آثاره الكارثية على المستويات كافة. «غير أنه لا بد للطريق من أن يبدأ بخطوة، ولعل الخطوة الأهم هي اليوم مع فتيات نأمل أن نرسم لهن مستقبلاً أفضل».


Share!

لا يتبنى «صوت سوري» أي توجه مسيس للملف السوري ولا تقف وراءه أي جهة سياسية.
نحن نراهن على دعمك لنا في الوصول إلى جميع السوريين والسوريات.

إذا رأيت أن خطابنا يستحق الوصول انشري / انشر هذا المقال من فضلك

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها