× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

الجرنة والكمّونية.. جدلٌ على مواقع التواصل بين أهالي كفرنبل

حكاياتنا - خبز 03-06-2024

غالباً ما ترافقت صور التهجير والرحيل عن الأوطان مع مشاهد الحنين إليها و«الوقوف على الأطلال» للتغنّي بها وبذكرياتها ومعالمها وتراثها. فكيف بالراحلين عن مدينة تعود لعصور تاريخية قديمة، فيها كثير من الشواهد الأثرية حتى ذات الأصول الرومانية؟

الصورة: (سيدة تُحضر الجرنة في كفرنبل / راديو نسائم-فايسبوك)

يقضي كثير من أهالي مدينة كفرنبل عامهم الخامس في الشمال السوري محاولين جذب الأنظار وتسليط الضوء على مدينة هُجّروا منها ولم تهجرهم. فغدت وسائل التواصل الاجتماعي مساحةً ينشرون فيها ذكرياتهم عن مدينتهم وصورها وحكاياتها وتاريخها وتراثها، إثباتاً لاتصالهم بها وامتداد جذورهم في خصب ترابها.

اشتهرت هذه المدينة الواقعة في ريف إدلب الجنوبي، على امتداد التاريخ بزراعة الأشجار المثمرة كالتين والزيتون والفستق الحلبي، وتذهب المصادر إلى أن أصول اسمها رومانية من جذرين: كفر أي المزرعة، ونبل أي النبلاء، لتغدو كفرنبل «مزرعة النبلاء».

في حب الأوطان، تبدأ المفاخرات من أبسط العادات إلى أنفس التراثات. ومن هنا تزداد المشاحنات بين أهالي المدينة بسبب تأطير كفرنبل بأنواع الطعام البسيطة كالجرنة والكمونية، أو نشر صور لـ دوار المدينة في أسوأ حالاته وتجاهل آثارها وبساتينها.

تبقى للتراث قيمة راسخة تتوارثها الأجيال جيلاً بعد جيل، تسهم في تكوين روحيتهم وتعزز انتماءهم وتشد أواصرهم مع منبتهم. ودائماً ما سعت الأجيال إلى إظهار النواحي القيّمة من تراثها وتفاخرت بها. يبدو هذا جلياً في حديث إسماعيل الإسماعيل (40 عاماً) معنا، يتوجه إلى رواد مواقع التواصل قائلاً: «أرجو من الجميع إظهار الوجه المشرق للمدينة، فهو ما تبقّى لنا منها، ليبقى ذاكرة جيدة لأبنائنا». ويدعو الإعلاميين إلى «التحلي بروح المسؤولية وإظهار التنوع الثقافي والتحلي بالموضوعية في طرح القضايا الخاصة بـكفرنبل والمدن الأخرى، فهذه أمانة في أعناقهم».

لهذا الموضوع خصوصية شعبية وثقافية، يعبّر عنها إسماعيل قائلاً: «سؤالي: ليش تأطير مدينة كفرنبل وربطها بأكلات عفا عليها الزمن؟ ناس ربطت كفرنبل بالجرنة وناس ربطتها بالكمونية وناس بتربطها بالجظ مظ! طيب ليش ما بتقولوا كانوا يروحوا يشووا لحم في الجبل أو يروحوا نزهات على التين وليش ما بتقولوا كانوا يروحوا يشووا سمك عند العم نوح في الغاب؟».

ويضيف: «ليش ما بتقولوا كان يتخرج عنا نسبة كبيرة من الأطباء والمهندسين والأدباء والشعراء والمفكرين؟ وإنها أول من أعاد نشر فن الموزاييك في العصر الحديث؟ وإنها كانت سبّاقة ومميزة بلافتاتها (في مرحلة المظاهرات) مو بس بأكلاتها؟ مُحبة لجيرانها من القرى والبلدات الأخرى وجيرانها يحبونها، يتميز أهلها بخفة الدم ودماثة الخُلق وسرعة البديهة؟».

تفاوتت أصناف الطعام على الموائد وفقاً للأوضاع المعيشية على امتداد التاريخ البشري، لكن بعض الأكلات التراثية رغم بساطتها مُتفق على لذّتها بين الفقراء وميسوري الحال

يُمثل إسماعيل رأي قسم من أهالي المدينة يُزعجهم أن يُحصر الحديث عنها بمناحٍ معيّنة، يرونها أصغر من مدينتهم. ويعلق أيهم البيوش على هذه النقطة، متحدثاً عن واجبه بوصفه إعلامياً: «دائماً في عملنا بصفتننا إعلاميين نحاول إظهار مدينتنا كفرنبل في أبهى صورة. تكلمنا عنها في تقارير سابقة، عن حضارتها وعن تاريخها وآثارها وقاماتها الأدبية ومثقفيها وذكرنا مزاياها. أما بالنسبة إلى أكلة الكمونية، فهي أكلة موجودة في كل مدينة، ولكن أخذت هذا الاسم في كفرنبل فقط. مكوناتها موجودة في كل خيمة من خيام أهالي مدينة كفرنبل بعد تهجيرهم. طبعاً وجود الخبز البايت في كل بيت من بيوت أهل كفرنبل والبندورة ودبس البندورة هو اللي خلا الكمونية تصير أكلة تراثية».

يضيف: «أكلة الجرنة تراثية لدى مدينة كفرنبل لأنها تذكّر أهالي المدينة، بخاصة كبار السن، بأوقات جميلة قبل خمسين عاماً وأكثر. كان الأهالي في موسم التين يقضون أوقاتهم في البساتين للحفاظ عليه من السرقة. كانت الجرنة الحجرية موجودة في كل أرض في بساتين مدينة كفرنبل وكان من أصحاب البساتين من يزرع جانب "الكوشة" التي تحميه من حر الشمس بعض شتلات البندورة العدي والفليفلة والبصل والباذنجان، ولذلك صارت أكلة الجرنة أساسية لديهم مع خبز التنور».

ويتابع: «بعد اختلاط سكان المحافظات، لاقت الأكلة إعجاب كل من تذوقها، إن كان مُهجراً إلى مدينة كفرنبل قبل عام 2019، أو من عرفها من أهالي الشمال السوري بعد تهجير أهالي مدينة كفرنبل. نعم الجرنة أكلة تراثية يفتخر بها أبناء كفرنبل».

الجرنة... تاريخ وتراث

من الأكلات الشعبية عند أهالي مدينة كفرنبل. يأكلها الفلاحون في حقول التين بعد انتهائهم من القطاف. استُمد اسمها من الجرن، وهو الحجر البازلتي الأسود الذي يكثر في تلك الحقول. يُنتقى عادة من بين أحجار كثيرة لوجود تجويف فيه، ويُحتفظ به طوال مدة «النطارة» (مراقبة الأراضي لمنع السرقة). تتكون من الفليفلة الحمراء والبصل والبندورة وزيت الزيتون، ويضيف إليها بعضهم الباذنجان المشوي. تُدقّ المكونات بالحجارة وهذا ما يعطيها نكهتها الخاصة.

يشير رضوان الخطيب المُهجر من مدينة كفرنبل إلى أنّ «الجرنة تعود بابن كفرنبل أثناء إعدادها إلى الزمن القديم. هي أكلة سهلة التحضير ومن الممكن أن تُعّد أكثر من مرتين في الأسبوع إلى جانب الطبخة الأساسية، فهي عند أهالي كفرنبل كدقة الفليفلة عند أهالي كفرتخاريم وكالكبة النية عند أهالي سلقين، والزنانة لدى أهالي دركوش. إن شاء الله مناكلها في البقيعة والبشاخ والعقيبات بس نرجع على كفرنبل».

تختلف تسمية هذه الأكلة بحسب المحافظات، فقد كتب حمد آل كروط مُعلقاً: «أنا من الحسكة وهي الأكلة اسمها بابا غنوج وأصولها من هون، نحن نعمل البابا غنوج بأكثر من طريقة».

أما فاطمة السليم من دركوش فتُعلق: «هذا باطرش بس ناقصو شوية رمان وبقدونس».

كما تختلف طريقة تحضيرها وفقاً للبلدان، فميرنا كروشي من الجزائر كتبت مُعلقة: «إحنا في الجزائر نشوي الطماطم والباذنجان والفلفل الحار والثوم والفلفل الحلو، ثم نقطعها ونخلطها ونضيف الملح وزيت الزيتون. أكلة ولا أشهى».
 
الكمّونية، أكلة الفقراء

هي أكلة تراثية في كفرنبل. مكوناتها بسيطة وإعدادها سهل، إذ تتألف من بعض أنواع الخضار. يُفرم البصل ويوضع مع زيت الزيتون داخل وعاء، ثم تُفرم البندورة والفليفلة وتُضاف إلى الوعاء وتوضع على نار هادئة. بعد طهوها يُضاف إليها الماء مع قليل من الفليفلة الناعمة لتكسب طعمها ولونها. وأخيراً يوضع عليها الخبز اليابس.

تفاوتت أصناف الطعام على الموائد وفقاً للأوضاع المعيشية على امتداد التاريخ البشري. أما الكمّونية، فقد اتُفق عليها بين الفقراء وميسوري الحال لطعمها اللذيذ ولتراثيتها.

يشرح حمدو الزعتور (70 عاماً) هذا قائلاً: «بعد تهجيرنا من مدينة كفرنبل وتفرق العائلة في مخيمات الشمال السوري، باتت المعيشة صعبة بسبب سوء الأوضاع المادية عند أكثر من 70% من أهالي كفرنبل. تذكرني الكمونية بالماضي الجميل المليء بالذكريات، هي أكلة الفقراء لأنها غير مُكلفة وسريعة التحضير. بعض الأغنياء لا يُعرضون عنها لكونها أكلة تراثية».

وتختلف تسميتها وفقاً للمناطق، فيوضح موسى جمعة الجابر (37 عاماً) من قرية البارة بجبل الزاوية أنّ هذه «الأكلة اسمها حرّاق إصبعو، بس أهل كفرنبل بحبوا يكونوا مميزين. هي أكلة طيبة منسميها بصلية، وناس بتسميها فتوش خبز ببندورة».

اعرفـ/ي المزيد عن المطبخ السوري الغنيّ عبر الاستماع إلى بودكاست «سفرة دايمة»