× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

التسرّب الوظيفي من القطاع العام في سُلّم الطّموحات السوريّة!

حكاياتنا - خبز 05-06-2024

ترسّخت صورة الموظف الحكومي في الوعي الجمعي السوري لعقود من الزمن، بوصفه ينتمي إلى طبقة يمكن القول إنّها مرتاحة ومحط إعجاب الجميع، لِما كان له من هيبة ومكانة اجتماعية مرموقة وتقدير مادي. فتسابق السوريون لعقود طويلة لنيل وظائف حكومية، قبل أن تنقلب الصورة جذريّاً

الصورة: (hanming_huang - فليكر)

تناولت الدراما السورية في كثير من أعمالها مكانة الموظف في القطاع الحكومي، وسلطت الضوء على أفضليته في الحصول على القبول عند إقدامه على الزواج. إذ كان انتماؤه إلى القطاع الحكومي يشكّل أماناً وظيفياً وضمانة للهرب من براثن الجوع والفقر. لكن بدأت هذه الصورة تتراجع تدريجاً حتى تحوّلت إلى عبء مهول على كاهل الموظف، بل عائقٍ أمام تحسين فرصه في العمل أيضاً. لذلك، يشهد القطاع العام تسرّباً وظيفياً عالياً لمصلحة القطاع الخاص.

قبل العام 2011، لم يدخر سامر جهداً في سبيل التوظف في وزارة المالية. كان هذا العمل يعده بلائحة تطول من الامتيازات ويلوّح له بمستقبل مادي واعد. ولكن كان للقدر رأي آخر، فها هو الآن يبذل أضعاف هذا الجهد للاستقالة من عمله بأقل الخسارات الممكنة بعدما استنزفه لسنوات عدة وحرمه فرصاً مهمة.

يقول الشاب الثلاثيني: «حصلت على وظيفة في وزارة المالية بوساطة ثقيلة الوزن. ثم منذ سنتين قدمت استقالتي، ولكنها قوبلت بالرفض». إثر الرفض القطعي، قرر سامر تقديم طلب «استيداع» لمدة عامين بدون راتب وذلك ليتفادى تفويته فرصة عمل ممتازة «أون لاين» براتب بالدولار.

يشرح قائلاً: «حصلت بالمصادفة على عمل يتعلق بالإحصائيات وإدخال بيانات رقمية في إحدى شركات النفط في الكويت والراتب مغرٍ جداً. لذلك لم أرغب في تفويت الفرصة ولا سيما أن العمل في الصباح يتضارب مع توقيت عملي الحكومي».
 
خشية من رفض الاستقالة

في مجال التعليم في مدارس المرحلة الانتقالية الحكومية، يجب أن تمر على سنوات الخدمة خمسة وعشرين عاماً ليحقّ للموظف تقديم استقالته. ما زالت منال، مدرّسة اللغة العربية الأربعينية، بحاجة خمسٍ سنوات كي تحقق هذا الشرط. قدمت طلب «إجازة بلا راتب لمدة عام»، فقوبل بالموافقة، وتفرغت لتعطي دروساً «أون لاين» بعائد شهري يعادل راتبها لمدة ثلاثة أشهر. تقول: «سأكون حمقاء إن رفضت الفرصة، فالأمر يكلفني وجود إنترنت سريع فقط، وهذا أفضل بكثير من الوقت الذي أقضيه في زحمة المواصلات الخانقة والراتب الهزيل».

تؤكد منال صواب قرارها الذي انتشلها من الوضع الاقتصادي المتدهور وغلاء المعيشة: «أعيش ضائقة مالية منذ عامين وأكثر، فراتب زوجي لا يكفي للأيام العشرة الأولى. أعلّم أطفال عائلة سورية مقيمة في ألمانيا حفاظاً على لغتهم الأم».

بين 2010 - 2022 بلغت نسبة التسرب في خمس وزارات حُللت بيانتها أكثر من 50% وفق المعهد الوطني للإدارة العامة

أما مريم (22 عاماً)، فتخلت عن التدريس في مدرسة ابتدائية حكومية وفقاً لنظام الساعات، لمصلحة دروس متابعة تعطيها لأطفال عائلات قادرة على دفع مال وفير. تقول: «أدرّس مادتَي الرسم والموسيقى في مدرسة الشريف الرضي الحكومية بدمشق. كنت أتقاضى نحو 200 ألف ليرة سورية كل ثلاثة أشهر بعد جولة طويلة من الإجراءات الروتينية وطوابير الانتظار». تتابع: «رغبت أسرة غنية في الاتفاق مع مدرسة تشرف على دروس أطفالها، فحزت الوظيفة مقابل راتب شهري يصل إلى 3 ملايين ليرة سورية، وتركت عملي الحكومي».

بدوره دريد (36 عاماً)، رغم كونه موظفاً في وزارة الدفاع السورية ويتقاضى راتباً يُعدّ من أعلى الرواتب في القطاع الحكومي إذ يصل 800 ألف ليرة سورية مع حوافز، قدم استقالته بعد خدمة 15 عاماً وهو ينتظر الرد. يقول: «أخشى رفض طلبي كما حدث في المرات الثلاث السابقة بحجة الحاجة الماسة إلى الموظفين». يشير الرجل إلى أن وظيفته حرمته فرصة العمل في الترجمة باللغة الفرنسية لصالح شركة طبية في باريس، براتب باليورو، بالإضافة إلى تطوره المادي والمهني، موضحاً: «هدرت فرصي في العمل برواتب عالية كلها بسبب التزامي هنا. سقف التطور بات محدوداً والعمل روتيني في الترجمة».

كذلك حال ريمون (22 عاماً)، فمن أجل تنمية شغفها بالحلويات وتعلّم إعدادها عبر قناة «يوتيوب»، قررت ترك عملها في وزارة السياحة براتب 240 ألف ليرة. توضح: «أنفق ثلث راتبي للمواصلات، والعمل ممل وروتيني دون أي فائدة. قررت عدم تجديد عقدي السنوي واستثمار وقتي في عمل أحبه».

تسرب وظيفي بنسبة 50%

في نيسان الماضي نشرت صحيفة «تشرين» الرسمية دراسة أعدها «المعهد الوطني للإدارة العامة»، وتستند إلى بيانات منشورة بين العامين 2010 و2020، وقد حُلل التسرب الوظيفي على مستوى كل وزارة وكل مؤهل علمي وعلى مستوى الذكور والإناث، فوصلت نسبة التسرب إلى 50% في خمس وزارات بالاستناد إلى العام 2010 سنةَ أساس. كان التسرب الأكبر لدى شريحة الذكور، إذ راوح بين ضعفين وخمسة أضعاف مقارنة بالإناث.

أضاف التحليل الكمي أن هناك زيادة في عدد الإناث الموظفات في العام 2022 مقارنة بالعام 2010 سنةَ أساس، مثل وزارات النفط والثروة المعدنية والتجارة الداخلية وحماية المستهلك والكهرباء والتربية والداخلية. كذلك أشار إلى أن قوة العمل تتجه نحو التأنيث، إذ إن معدل التسرب لدى الذكور يبلغ 32,7% من مؤسسات القطاع الحكومي والعام، والزيادة في عدد الإناث بلغت 9,7% في 2022 مقارنة بعام 2010.