رنيم غسّان خلّوف - كاتبة ضيفة
«لا ترمي القمامة هنا يا شاطر»، «انتبه المكان مراقب بالكاميرات لا ترمي الزبالة هون»، «كب الزبالة بعيد عن باب بيتي يا ابن الـ****» هكذا هي جدران كثير من العشوائيات في سوريا، من دون أن تؤدي تلك العبارات إلى أي نتيجة ملموسة، إذ تتكوّم النفايات في كثير من الأزقة والساحات، وبين البيوت التي يُلاصق بعضها بعضاً.
تشير بعض الدراسات المهتمة بالبيئة والمناخ، إلى أن «إنتاج النفايات جزء رئيس في أنشطة البشر اليومية، إذ تُنتج مدن العالم أكثر من ملياري طن من النفايات سنوياً، يجري التخلص منها بالدفن، أو الحرق، أو رميها على سطح الأرض، وهذا يؤثر على تغير المناخ من خلال غازات الدفيئة التي تطلقها، إضافة إلى تأثيرها السلبي على البيئة وحياة الإنسان».
وعلى نطاق أوسع، تُشير أرقام الأمم المتحدة إلى أن كمية النفايات الصلبة التي تُجمع حول العالم سنويّاً «تُقدّر بنحو 11.2 مليار طن، ويسهم انحلال النسبة العضوية من النفايات الصلبة بنحو 5 % من انبعاثات غازات الدفيئة على الصعيد العالمي»، ما يترك أثراً مباشراً على التغير المناخي. هذا يعني بالضرورة أنّ كلّاً منّا قد يكون مسبباً مباشراً للتغيرات المناخية، فضلاً عن التلوث بطبيعة الحال.
كيف نعيش
يعيش معظم سكان العشوائيات قرب مكبات قمامة مفتوحة، قد يضع أحدهم قمامته عند الحاوية قرب منزل جار، أو بجانب أولاد يلعبون كرة القدم باستخدام كُرة حيناً، أو بقارورة بلاستيك من القمامة أحياناً أخرى. نعيش – نحن سكان العشوائيات - بنوافذ وجدران متلاصقة، وخصوصية مفقودة، وقمامة مشتركة وقريبة جداً من أماكن النوم، يُبعد القاطنون وهم يتسلقون أدراج المنطقة الجرذان بأرجلهم، أو قد ينتظرون مرورها ليكملوا طريقهم بسلام!
هنا في العشوائيات يبدو «طبيعيّاً» أن يقلق السكان طوال الوقت من انفجار مياه الصرف الصحي لتملأ شوارع ومنازل، وفي الشتاء يطلب بعض السكان الدفء عبر إحراق أكياس النايلون، والخشب، وكنزات الصوف، ناهيك بألا مداخن نظامية لتصريف الدخان المنبعث من المدافئ. فكم يعني هذا في حسابات التلوث البيئي، وفي موازين التغيرات المناخية؟ الكارثة تغدو أوضح مع معرفة نسبة العشوائيات من كبريات المدن السورية، إذ «تُشكل العشوائيات نسبة 45% من مدينة دمشق، و43% من مدينة حلب، و43% من مدينة حمص»، حسبما تشير الطبيبة زبيدة شموط وهي «رئيسة مجلس إدارة المؤسسة السورية للبيئة والتغيرات المناخية».
تتوافق شموط، والدكتورة نسرين سلامة من «هيئة التخطيط الإقليمي» على أن آثار التلوث في العشوائيات تنقسم إلى مستويين: على المدى القريب، وعلى المدى البعيد، وهما مترابطان يؤدي أحدهما إلى الآخر، كما تترابطُ التبعاتُ أيضاً، فمثلاً قد تؤدي تعطل شبكات الصرف الصحي بشكل دائم في كثير من أحياء العشوائيات إلى تلوث مياه الشرب، وتلوث التربة في الوقت نفسه.
تؤكد سلامة أن «التربة في المناطق العشوائية هي من أكثر الترب تلوثاً بسبب نوعية المواد المستخدمة في البناء، فضلاً عن مناطق رمي القمامة المفتوحة، ونقص الحاويات والمستوعبات، بالإضافة إلى عدم تمكن سيارات نقل القمامة من دخول كثير من العشوائيات (بسبب طبيعة الأزقة)».
فيما تضيف شموط في السياق ذاته أن «العشوائيات هدف من أهداف الصناعات المتناهية الصغر وورش العمل الصغيرة غير النظامية، وتدخل ضمن اقتصاد الظل، وتعتبر مسبباً رئيساً للتلوث جراء انبعاثاتها وعوادمها التي تُصرف بطريقة غير نظامية وصحية في العشوائيات». كل العوامل المذكورة، تؤدي في المحصلة إلى «زيادة ثاني أكسيد الكربون، وبالتالي ارتفاع درجات الحرارة، في ظل انعدام المساحة الخضراء التي قد تُخفف حال توافرها من خطورة الانبعاثات». فيما تشير التقديرات العالمية إلى أن «1.6 مليار طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون تولّدت من معالجة النفايات والتخلص منها في العام 2016، وهو ما يمثل نحو 5% من إجمالي الانبعاثات في العالم».
نَفسٌ واحد
يضيق النّفس في الغرف والأبنية المتلاصقة ضمن العشوائيات، وتتضاءل حصة الفرد من الأوكسجين، إلى حد الشعور بوجوب «مقاتلة الجيران على حصتنا من الأوكسجين»، على حد تعبير إحدى الساكنات.
لا يقتصر التلوث في العشوائيات على النوع الملموس فحسب، بل يشمل أيضاً «التلوث الضوضائي» الناتج عن ارتفاع مستوى الضوضاء في هذه الأحياء نتيجة الاكتظاظ السكاني، علاوة على ازدحام وسائل النقل التي تُخدّم تلك المناطق.
تشير زبيدة شموط، إلى أن «نسبة الأمراض التنفسية في العشوائيات ازدادت أضعافاً عن السابق، وبعض الحالات تحتاج عناية مشددة، والأطفال هم الأكثر تأثراً لأنهم لا يخرجون من العشوائيات الملوثة، ففيها مدارسهم ومساكنهم ومناطق لعبهم».
بدوره، يشرح الطبيب مجد عيزوقي المتخصص في الأعراض المرضية الناجمة عن التلوث أنّ «أكثر الفئات المتضررة هم مرضى الأورام، ومرضى نقص المناعة، والأطفال»، ويحذر من «ارتفاع نسب السرطانات في مناطق العشوائيات نتيجة بعض الممارسات كحرق البلاستيك، والعيش مع مياه الصرف الصحي بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، والتلوث الكبير الناجم عن الاكتظاظ السكاني».
مسرح الحلول
لا يسكن العشوائيات إلا من أجبرته ظروف حياته، مع أن تلك العشوائيات باتت اليوم تنافس في أسعارها وأجورها المناطق المنظمة، فمن لا يريد أن يتدفأ باستخدام الكهرباء، والطاقة البديلة وغيرها من الوسائل الصديقة للبيئة؟ وكم أماً تتمنى أن يعود ابنها من اللعب بدون تلوثه بالمياه الآسنة؟ وكم رب أسرة يفضل أن يتمتع بخصوصيته في بيته؟ كلها عبارة عن أحلام في العشوائيات التي تُزنر المدن الكبرى، لكن هل من حلول؟
تعتقد نسرين سلامة من «هيئة التخطيط الإقليمي» أن «إشراك المجتمع المحلي في اقتراح الحلول هو الخطوة الأولى للحل»، مع وجوب تقديم وزارة الإدارة المحلية ومجالس المحافظات التي تتتبع لها هذه الأحياء العشوائية «الدعم اللوجستي والمادي لتنفيذ المقترحات (القابلة للتنفيذ) التي تقدمها المجتمعات المحلية».
هذه الحلول تعتبر إسعافية بطبيعة الحال، وتنظيم السكن العشوائي مع تقديم التعويضات المالية المناسبة هو الحل الجذري لمشكلات السكان، ومن بينها الحد من نسب التلوث التي بدورها تؤثر بشكل مباشر على المناخ والبيئة والإنسان.
بينما تقترح شموط حلولاً أخرى، منها «إصدار تشريعات جديدة لإدارة النفايات فلا جدوى من التوعية بدون تشريع، وتحسين الدخل الاقتصادي، ورفع جودة الحياة، وتأمين مياه نظيفة».
أحلام «واهية»
كثيراً ما تكون أحلام سكان العشوائيات بسيطة جداً: طرق خالية من المياه الآسنة، وخصوصية في المنزل، وقمامة بعيدة عن باب الدار تقي صاحبها روائح وانبعاثات، وتحمي تربة في أصلها مزعزعة وغير مستقرة، لكنها آمال وأحلام، يستيقظ منها الفرد بلحظة حين ينادي جارٌ على ابنه في منزل مجاور!
لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها
This work by SOT SY is licensed under CC BY-ND 4.0