× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

نهر قويق: رئةُ حلب التي تتنفّس مياه صرف صحّي وملوّثات!

حكاياتنا - خبز 19-08-2024

هدد الكوليرا مدينة حلب في العام 2022، وسط مخاوف من اتساع بؤرته وعدم القدرة على تحمل تداعياته في ظل بنية تحتية مدمرة وإمكانات مادية محدودة نتيجة الحرب. دُقّ ناقوس الخطر، وأُطلقت حملة شاملة لتطويقه. نجحت الجهود وقتها في استدراك الكارثة، وإن كانت خطورتها لا تزال قائمة مع بقاء المسببات ذاتها من دون معالجة جذرية. وتتمحور المسببات حول عنوان أساس: نهر قويق.

يُعدّ تلوّث نهر قويق أبرز مصادر التهديدات بالكوليرا وغيره من الأوبئة، إذ تحوّل من مكان للاستجمام ومتنفس لسكان حلب ومصدر مهم لرعاية أراضيهم لامتداده على مساحة طويلة تبلغ 110 كم (من أصل 129 كم طول النهر الكلّي)، إلى مجرى للصرف الصحي ومكب للنفايات وبقايا المصابغ والدباغات.

تكمن الخطورة تحديداً في ريّ مزروعات ريف المدينة بهذه المياه، بالإضافة إلى تلوّث التربة بمياه الصرف الصحي، بأضرارها التراكمية، ما يعرّض الأهالي للإصابة بالأمراض المعوية والمزمنة.

يوجب هذا الواقع منعَ الزراعة على مجرى النهر وإيجاد طرق أخرى للري، بخاصة في ظلّ تفاقم الأضرار بسبب السد الذي كانت تركيا قد أنشأته على أراضيها (العام 1950)، إذ يمرّ النهر فيها بمسافة 19 كيلومتراً، آتياً من منبعه في هضبة عنتاب.

توضح رئيسة قسم الجغرافيا بجامعة حلب، الدكتورة رؤى ناشد، أنه بعد تلك الخطوة التركية، «حوّلت الدولة السورية مياه نهر الفرات إلى قويق لمنع تلوّثه وتنظيفه تلقائياً، لكن رغم أهميتها فإنّ حال النهر تغيّر كلياً». على امتداد عقود فشلت خطط كثيرة لمعالجة المشكلة التي سببتها التعديات التركية، ومن بينها جرّ مياه نهر الفرات عبر مضخات خاصة إلى الأطراف الشمالية لحلب عند منطقة باتت تُسمى «شلالات الكِندي»، غير أن هذا الحل اصطدم بمشكلة شح مياه نهر الفرات الذي وصل حدوداً غير مسبوقة بفعل عدم التزام تركيا (منبع الفرات) باتفاقية توزيع الحصص المائية الموقعة في 1987، بوصفها اتفاقية مؤقتة لتقاسم مياه الفرات بين البلدين خلال فترة ملء حوض «سد أتاتورك». ونصت على تعهد الجانب التركي أن يوفر معدلاً سنوياً لا يقل عن 500 متر مكعب في الثانية عند الحدود التركية السورية، إلى حين الاتفاق على التوزيع النهائي لمياه الفرات بين البلدان الثلاثة الواقعة على ضفافه (سوريا وتركيا والعراق). وفي الوقت الراهن يقل معدل التدفق عن 200 متر مكعب في الثانية.

في المحصلة: «يتعرّض نهر قويق اليوم للتلوث من شمال المدينة إلى جنوبها، نتيجة وجود قنوات للصرف الزراعي والصناعي والصحي للأسف»، وفق ما تشرحه ناشد.

«النهر نظيف في المدينة»؟

تشير ناشد إلى أنّ الخطر الأكبر على السكان يكمن في «تلوّث النهر بالمعادن الثقيلة، الناجمة عن رمي الورش غير المرخّصة نفاياتها في النهر». توضح: «يشكّل هذا خطراً فعلياً على صحة الإنسان، وتحديداً عند ري المزورعات بالمياه الملوثة، فينتقل التلوث إلى الجسم عبر تناول الخضار، ويصاب بأمراض معوية أو جلدية كالليشمانيا والسالمونيا. يوجب هذا منع الزراعة على مجرى النهر».

بدوره، يؤكد مدير مديرية الزراعة في حلب، المهندس رضوان حرصوني، «وجودَ لجنة دائمة مهمتها منع الزراعة حال المخالفة»، لكن رغم العقوبات المشددة يعاود المزارعون العمل «لقرب النهر من أراضيهم».

غير أن مدير الخدمات المركزية في مجلس مدينة حلب، محمد مؤذن، نفى لنا وجود تلوث في النهر ضمن نطاقه. يقول إنه اتّخذ «الإجراءات المطلوبة كلها لمنع رمي النفايات وتنظيف النهر دورياً وإزالة نبات الزل، رغم قلة الكوادر». ويرى أن «مياه النهر في المدينة نظيفة ولا تشكّل خطراً على صحة الإنسان، كونها آتية من نهر الفرات، ومن محطة سليمان الحلبي، التي تضخّ في النهر عند فيضان الكميات المخصصة للشرب».

يشدّد مؤذن على أن مياه الصرف الصحي «لا تُصرف في مجرى النهر» على امتداده الطويل في المدينة، إذ «توجد قنوات خاصة لها بمحاذاة النهر ولا تضخ فيه إلا عند الاختناقات المطرية الشديدة»، معتبراً أن هذا لم يحدث إلا في حالات قليلة جداً.

لكنه يستدرك قائلاً إنّ «مياه الصرف الصحي تُضخ في نهر قويق خارج حدود المدينة، وهذا ما كان سائداً قبل الحرب، ولكنها كانت تُعالج في محطة المعالجة المدمَّرة حالياً». ملقياً مسؤولية تعزيل النهر وتنظيفه في هذه النقطة «على عاتق المؤسسة العامة لاستصلاح الأراضي».

تتجمع مياه الصرف الصحي لمدينة حلب في منطقة الراموسة، حيث أُنشئت في العام 2002 محطة لمعالجتها قبل إعادة ضخ المياه المعالجة في مجرى نهر قويق، لتصبّ في سهول حلب الجنوبية التي تُعد أكبر مصادر الخضروات في المحافظة. خرجت محطة المعالجة من الخدمة منذ نحو سبع سنوات مع المعارك العنيفة التي شهدتها المنطقة، وباتت مياه الصرف الصحي تجد طريقها إلى المزروعات بلا أي معالجة. 

بصمات التغير المناخي حاضرة

تقصّى «صوت سوري» وجود دراسات علمية عن التلوث الكيميائي والجرثومي لنهر قويق، سواء داخل المدينة أم في ريفها. تبين أنه لم تُجرَ أيّ دراسة أو بحث علمي منذ أواخر 2021، حين أظهرت دراسةٌ حول مدى التلوث بعناصر «الرصاص والكادميوم والنيكل والكروم» أنه ضمن الحدود المسموح بها، باستثناء الكادميوم (عنصر كيميائي معدني، يسبب ارتفاع نسبه في الطعام أمراضاً معوية وكلوية). أما نتائج التحاليل الكيميائية والجرثومية، فجاءت بنتائج جميعها خارج الحدود المسموح بها!

يرجع الدكتور في كلية الهندسة الزراعية ورئيس مجلس الجمعية البيئية، مناف فارس، أسباب غياب الدراسات الدورية إلى ضعف الإمكانات المادية. فهذه الأبحاث «تتطلب أموالاً وتقنيات عالية أثرت الحرب في توافرها». وفيما يشير إلى «ضرورة دعم البحث العلمي لأهميته الصحية والتحذيرية»، يوصي «بتجنّب ري المحاصيل الزراعية التي تؤكل نيئة لضررها على صحة أهالي حلب».

تحاول الدكتورة رؤى ناشد الغوص في أهم أسباب تلوّث «قويق» ومنع الاستفادة من مياهه كما يجب، أملاً في المساهمة بتقديم حلول للمعالجة. تضع ناشد الحرب على رأس الأسباب، وتقول: «سابقاً كانت لدينا 26 محطة لمعالجة مياه الصرف الصحي، مع التخطيط لبناء 345 محطة لمعالجة المياه، لكن الحرب منعت إنجاز ذلك، فضلاً عن تدمير محطة المعالجة الأساسية». وتضيف أن الضغط السكاني وتوزعه في مناطق غير مخدمة وغير مهيأة لهذا العدد الكبير أديا إلى ضغط على الموارد وتخريب البنية التحتية. كما تشير إلى أن ذلك ترافق مع ارتفاع معدلات الأمية وقلة الوعي بخطورة رمي النفايات في النهر، وبالتالي تلوث أكثر.

تُبيّن ناشد أن التغير المناخي كان له دور في تردّي واقع نهر قويق، لناحية انخفاض معدل هطول الأمطار، «فلو كانت الأمطار جيدة، لأسهم ذلك في تحسين مجرى النهر وتنظيفه». وتضيف أن انخفاض درجات الحرارة صيفاً، وبخاصة مع ضعف عمليات الضخ، يتسبّب في انتشار الملوثات الجرثومية، وهذا يؤثر في مجرى النهر وتلوثه.

في السياق، تلفت ناشد إلى خطورة التعامل مع المياه «على نحو مجحف وكأنها مورد دائم»، مشيرة إلى أن الاقتصاد في المعيشة «دخلٌ آخر، بخاصة في ظل التغير المناخي والجفاف».

الاقتصاد الأخضر ضرورة 

تكمل الباحثة رؤى ناشد أن مسألة إعادة الحياة إلى نهر قويق وتنظيفه ليعود إلى دوره، بوصفه مصدراً للحياة والاستجمام والري، «قضية شائكة تتطلب التعاون والتنسيق الفاعل بين الجهات الرسمية والجمعيات الأهلية». وتدعو إلى وضع خطة مستقلة، وإنشاء هيئة خاصة بالنهر تمثل فيها المؤسسات الحكومية والأهلية كلها، وفرض غرامات وتشديدها على من يخالف المواصفات القياسية السورية، واللجوء إلى الزراعة المنزلية ونشر الوعي البيئي، وإضافة مادة في المنهاج التربوي عن الاقتصاد الأخضر.

بدوره، يشدد الدكتور مناف فارس على «ضرورة نشر الوعي البيئي عبر وسائل الإعلام، والعمل على فرز النفايات منزلياً وصولاً إلى إيجاد طرق لتدويرها، بدل هدرها وتسببها في أضرار على الإنسان والبيئة».

في المقابل، يرهن المعنيون التخفيف من آثار التلوث بإعادة تأهيل محطة معالجة مياه الصرف الصحي بحلب. لكنّ تكلفتها الباهظة تقف عثرةً أمام هذا الهدف الضروري. ويؤكد مدير شركة الصرف الصحي في حلب، المهندس بهاء حج حسين، أن مياه الصرف الصحي «لا تُصرف في مجرى نهر قويق على طول مساره في المدينة»، مُذكراً بأنها «كانت تُنقّى سابقاً في محطة المعالجة، التي أدى تدميرها إلى حصول مشكلة فعلية».

ويؤكد حج حسين أن إعادة التأهيل «تشكّل أولوية أساسية». وقد أُعلن عن مناقصات عدة لهذا الغرض، ولكن لم يتقدم أي من المستثمرين بسبب الكلفة العالية، والحصار الاقتصادي، وفقاً له. ورأى أن الحلّ المتاح «يكمن في مساعدة المنظمات الدولية، لحين إيجاد آلية تموّلٍ مناسبة»، رغم إشارته إلى أن الأخيرة أيضاً تجد تكلفة إصلاحها «ضخمة جداً، ولا تقدر على تحملها».

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها

This work by SOT SY is licensed under CC BY-ND 4.0