رنيم غسّان خلّوف - كاتبة ضيفة
ثمة طرق «كلاسيكية» للتخلص من النفايات بعد تجميعها مثل الحرق والطمر، لكن الاتجاهات الأحدث حول العالم تذهب نحو ممارسات أكثر تنظيماً ونفعاً لـ«إدارة النفايات»، فما هي الأحوال لدينا؟ كيف تُدار نفايات دمشق على سبيل المثال؟
يمكن التمييز هنا بين مرحلتين: ما قبل 2011، وما بعده. يشرح الخبير البيئي أديب الأسطى أنّ نفايات محافظة دمشق قُدّرت قبل 2011 بنحو 3000 طن يوميّاً، وأنّ المحافظة «استفادت في تلك المرحلة من معمل فرز ومعالجة النفايات في منطقة الغزلانية، الذي أنشئ في 1994، بتقنية بدائية جداً». هذه التقنية لم تعُد مجدية اليوم، والطاقة الإنتاجية تُعد متواضعة قياساً بالمنطقة الشاسعة التي يفترض أن تستفيد من خدمات المعمل.
في تلك المرحلة كانت النفايات تُنقل من معظم المناطق الرئيسة في دمشق إلى مراكز فرعية، ثم تُشحن (على مدار الساعة) بشاحنات أكبر إلى معمل الفرز والمعالجة في الغزلانية. لكن العملية كانت تصطدم بصعوبات جمع وترحيل النفايات «من بعض المناطق الجبلية الصعبة (مهاجرين جادات، ركن الدين) ومناطق السكن العشوائي المكتظة وذات الشوارع الضيقة، وقد عولجت هذه المشكلة عن طريق عقود تلزيم ترحيل النفايات من تلك المناطق للقطاع الخاص»، وفق الأسطى.
كانت العقود تنص على ترحيل القمامة إلى مكبات خاصة، لكن في ظل فوضى عقود التلزيم وكثرتها وتنوع المناطق وتوزعها الجغرافي نشأ عدد كبير من المكبات غير النظامية (مكشوفة ودون أي معالجة أو عناية أو تحضير)، وقد تجاوز عددها – وفق الأسطى - 100 مكب في محيط المدينة (ضمن نطاق محافظة ريف دمشق)، مع ما شكّله انتشار تلك المكبات من أخطار صحية وبيئية طويلة المدى.
تغيرت الظروف والمعطيات بعد العام 2011، وتفاقم الوضع سوءاً من جرّاء عوامل عديدة، يشرح الأسطى بعضها: «عانت عمليات الترحيل من فوضى كبيرة مع تزايد الاعتداءات على الآليات ومعامل المعالجة والفرز، وزيادة الكثافة السكانية في العاصمة، وحالة عدم استقرار الطرقات لفترة طويلة أثناء الحرب».
في ظل هذه المعطيات استندت البلديات على جملة من التفويضات التي منحت لها وفق القانون، وأُنشئت مكبات مؤقتة غير نظامية زادت فوضى عمليات الترحيل، وانعدمت التقديرات الحقيقية لكمية النفايات اليومية. من أشهر هذه المطامر «مطمر باب شرقي الذي كان من المفترض أن تجمع النفايات فيه لساعات، وها هي تتراكم لفترات طويلة جداً».
معمل متهالك..
لا تخالف المهندسة عيدة محمد «رئيسة دائرة السلامة البيئية في وزارة الإدارة المحلية والبيئة»، رأي الخبير البيئي الأسطى، وتؤكد أن دمشق لا تحوي سوى سوى مطمر نظامي واحد في منطقة دير الحجر بالغزلانية، وهو «قديم يتضمن مطمراً صحيّاً، ووحدةً لمعالجة النفايات الطبية، ومدفناً مؤقتاً للنفايات الخطرة، فضلاً عن معمل قديم لتحويل القمامة إلى سماد كانت استطاعته وقت الإنشاء 700 طن يوميّاً، لكنها حالياً لا تتجاوز 200 طن يومياً، لعدم توافر الكهرباء وكثرة الأعطال، وتنخفض الاستطاعة تدريجاً إلى نحو 100 طن يوميّاً».
رغم ترخيص شركات للتعامل مع النفايات، ورغم كونها مستمرة في عملها نظريّاً، تعكس المعطيات على أرض الواقع تردّياً كبيراً في كل ما يتعلق بالنفايات
تشرح المهندسة عيدة أن «محافظة دمشق» تعمل حاليّاً على إعداد دراسة مقارنة بين سبعة حلول لمعالجة النفايات الصلبة في دير الحجر في الغزلانية.
أما الحلول التي تجري المفاضلة بينها فهي: الطمر الصحي، والمعالجة الميكانيكية والبيولوجية والطمر الصحي، والمعالجة الميكانيكية والبيولوجية اللاهوائية والهوائية مع الطمر الصحي، والمعالجة الميكانيكية والبيولوجية مع حرق المتبقي، والمعالجة الميكانيكية مع حرق المتبقي، وحرق النفايات بدون معالجة ميكانيكية، والحرق باستخدام تقانات متقدمة مثل التغويز والتحلل الحراري.
توضح عيدة أنه «بناء على هذه الدراسة سيُقرّر التوجه لمعالجة النفايات وفق الطريقة الأفضل جدوى».
بين الورق.. والواقع
لا تخلو القوانين السورية من بنود تتعلق بالشركات التي يمكنها أن تستثمر في مجال النفايات. توضح المهندسة عيدة أن العامين 2010 - 2011، شهدا تأهيل الوزارة مجموعة شركات للعمل في مجال الجمع والترحيل والمعالجة الميكانيكية والبيولوجية. تلك الشركات «ما زالت تعمل، وهي منظمة وفق قانون العقود رقم 51 للعام 2004».
السؤال الذي يطرح نفسه هنا: إذا كانت تلك الشركات موجودة وتعمل، فلماذا تتراكم القمامة بشكل كبير؟ ولماذا لا تنقل مباشرة إلى المطمر الرئيس؟ هنا يعلق الخبير البيئي أديب الأسطى على موضوع الاستثمار في هذا المجال متحدثاً عن جملة من العوائق: البنية التحتية المحدودة، والإطار القانوني والتنظيمي الذي يحتاج إلى تحديث ومواكبة للتطورات العالمية، والتمويل والاستثمار إذ يتطلب هذا القطاع تسهيلات في التمويل للمستثمرين عموماً.
مبادئ 3Rs
قد يتساءل بعضنا: «هلأ وقته، والناس ما عم تلاقي خبز»؟ غير أن معطيات كثيرة تؤكد أنّ هذا الملف ينبغي أن يحظى بأولوية قصوى لأسباب عديدة، منها ما يرتبط بالصحة العامة والمخاطر المتراكمة التي تهدد البشر، والبيئة، والمناخ. ومنها ما يرتبط بالمنافع الاقتصادية التي تنطوي عليها المعالجات المُثلى للنفايات القابلة للتحول إلى مجال اقتصاد واستثمار ضخم.
لكن ما هي تلك المعالجات المُثلى؟ نسأل المهندس نشأت السمعان المتخصص في نظم المعلومات الجغرافية، فيجيب: «يجب التركيز على المبادئ الثلاثة المعروفة اختصاراً بـ 3R، وهي: Reduse أي تخفيض كمية النفايات، وReuse أي إعادة استخدام ما يمكن استخدامه، وRecycle أي إعادة التدوير».
يشرح السمعان أن هذا الأمر «يجب أن يبدأ من المنازل بحيث يُفصل الزجاج والبلاستيك والمعادن والزيوت عن النفايات العضوية». وينوّه بأهميّة تقديم حوافز للسكان ودعم ممارسات الفصل المنزلي، وبعد ذلك تحصل شركات إعادة التدوير على نفايات الزجاج والبلاستيك والمعادن والزيوت، وتُرحّل النفايات العضوية إلى مكبات البيوغاز، أو إلى مصانع الحرق للاستفادة منها في إنتاج الكهرباء.
يؤكد الخبير البيئي أديب الأسطى على أهميّة تلك الإجراءات، ويطرح بدوره جملة من المقترحات للاستثمار في النفايات الصلبة، أهمها التعاطي الحازم مع ظاهرة النباشين سواء من الحاويات المنتشرة في المدينة أو من مراكز تجميع النفايات أو المطامر الحالية، إضافة إلى تطوير استراتيجية وطنية ومنظومة القوانين والتشريعات ذات العلاقة، وعدم السماح للبلديات بمنح عقود خاصة بترحيل نفاياتها في معزل عن الاستراتيجية الوطنية.
على أمل!
يؤكد المهندس نشأت السمعان أنه لا بد من التخطيط لمطامر جديدة في ظل الوضع الكارثي في البلاد، ويرى أن هذا التخطيط «يجب أن يقوم على أسس علمية وصحية سليمة متوافقة مع اتفاقيات جنيڤ بهذا الخصوص، بحيث تؤخذ المعايير الاجتماعية والاقتصادية والبيئية والمعايير الجيولوجية والطبوغرافية والهيدرولوجية بعين الاعتبار عند التخطيط لمثل هذه المكبات».
فيما تشرح المهندسة عيدة محمد أن معايير اختيار مطامر جديدة يفترض أن ترتبط بدراسات تقييم الأثر البيئي للمشاريع الصادرة عن وزارة الإدارة المحلية والبيئة، وهنا «نتحدث عن مطامر صحية لا عن مكبات عشوائية، وعندما نتحدث عن طمر صحي فهو يتضمن إجراء طمر يومي للنفايات من خلال فرش التربة ورصها بعد أن تجهيز الموقع وتكتيمه وفق المواصفات الفنية المعتمدة».
مثل كل الأمور العالقة في البلاد، يبقى الرهان الوحيد المتاح هو «الأمل» بإيلاء الاهتمام اللازم لـ «إدارة النفايات» التي تتحول شيئاً فشيئاً إلى جزء مهم من اقتصادات كثير من الدول وطاقتها الكهربائية، بينما نواصل البحث في هذه البلاد عن «خط أمبير» لينير دربنا إلى أن يحين موعد السفر، وتذهب نفاياتنا إلى الحاويات أو ربما إلى حواف الطرقات، وتدخل في معمعة المافيات.
--
صورة المقال: (مواقع التواصل الاجتماعي)
لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها
This work by SOT SY is licensed under CC BY-ND 4.0