× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

سوريون في إندونيسيا: قفصٌ مفتوحٌ على المجهول

حكاياتنا - خبز 20-02-2025

لم تكن إندونيسيا خياراً لكثير من السوريين، لكنها أصبحت وطناً مؤقتاً لا يعرفون متى سيغادرونه. بعضهم وجد مكانه فيها، فيما يواصل كثرٌ المحاولة في ظل تحديات القانون والاقتصاد والهوية، لتبقى السفارة السورية، رغم كل شيء، جزءاً من المعادلة التي تحدد مصيرهم في هذا المكان البعيد عن سوريا

الصورة: (عنصر حراسة أمام بوابة السفارة السورية في جاكرتا بعد تغيير العلم / AP)

إنها الساعة الثانية ظهراً بتوقيت جاكرتا، أقف أمام بوابة السفارة السورية في إندونيسيا بعد أسبوعين من سقوط النظام، أتأمل اللافتة التي تحمل اسم بلادي، أنتظر مع سوريين آخرين من أجل الحصول على خدمات القنصلية بعد توقف عملها منذ 8 كانون الأول/ ديسمبر.

أخذت نفسًا عميقًا ودخلت لأقابل السفير السوري.

خوف قديم وأمل جديد

لم يكن كثير من السوريين في إندونيسيا ينظرون إلى السفارة بوصفها ملجأ، بل يرونها كياناً مخيفاً ارتبط في أذهانهم ببيروقراطية مرهقة وتعامل سيئ. التقيت يونسَ بعد يوم واحد من سقوط النظام حين اجتمع السوريون هنا أمام السفارة للاحتفال. يخبرني كيف كان يتردد ألف مرة قبل أن يزور السفارة، ويضيف «كنا نشعر أنها لا تمثلنا، بل تعكس النظام الذي فررنا منه وكأننا مراقبون من قبل أشخاص قد يدمرون حياتنا في حال أردنا العودة إلى سوريا». لكن مع التغييرات الجديدة، يبدو أن الوضع يتغير. 

يشرح السفير عبد المنعم عنان، كيف تعمل السفارة على كسر هذا الحاجز من خلال تسهيل الإجراءات القنصلية والتواصل المباشر مع الجالية، «نحن هنا لخدمة السوريين، لا لإرهابهم»، يقول السفير، ويضيف: «بدأ الناس يشعرون بالفارق وأصبحوا يترددون إلى السفارة أكثر، لكن الشكوك لم تزُل بالكامل».

معاناة الوثائق

أكبر العقبات التي يواجهها السوريون في إندونيسيا هي تجديد جوازات السفر. أخبرني مرة زميل، طالب حصل على منحة في الدراسات العليا، كيف اضطر إلى الانتظار أكثر من أربعة أشهر لاستلام جوازه الجديد، قائلاً: «كل شيء معقد. الأوراق تُرسل إلى سلطنة عمان بسبب عدم وجود منظومة لتجديد الجوازات في السفارة السورية هنا، والعملية تأخذ وقتاً طويلاً وتكلفة عالية. نعيش في توتر دائم خوفاً من أن تنتهي صلاحية إقامتنا الدراسية قبل وصول الجواز».

قبل سقوط النظام السوري كان يونس يتردد ألف مرة قبل أن يزور سفارة بلاده في إندونيسيا. «كنا نشعر أنها لا تُمثلنا»، يقول

تؤكد البعثة الدبلوماسية أنها تعمل على إيجاد الحلول. لكن البيروقراطية السورية ما زالت تلقي بظلالها على الإجراءات. 

يقول السفير السوري: «نحتاج منظومةً لتجديد الجوازات ونظاماً إلكترونيّاً يربطنا مباشرة بسوريا، لكن كلما طلبنا هذا كان الرد يأتي أن عدد السوريين قليل في إندونيسيا، فلا حاجة للمنظومة».

في قبضة «الجمال الصعب»

رغم كل التحديات، وجد بعض السوريين طريقهم للاندماج في إندونيسيا من خلال العمل في مجالات مختلفة. علي، شاب سوري، أتى إلى إندونيسيا قبل ثماني سنوات، يعمل مدرساً للغة الإنكليزية وممثلاً في بعض المسلسلات المحلية، وهو متزوج من إندونيسية.

يصف الشاب تجربته بالصعبة، ويضيف مستدركاً: «رغم ذلك تعلمت أن أتكيف. الإندونيسيون يحبون العرب والأجانب بشكل عام، وهذا ساعدني على المضي قدماً دون استسلام».

لكن حالة محمد (30 عاماً) تبدو مختلفة. وصل الرجل إلى إندونيسيا منذ عشر سنوات، هرباً من جحيم الحرب والخدمة العسكرية الإجبارية في سوريا. لم يكن ينوي البقاء طويلاً. كان يظن أنها محطة مؤقتة قبل وجهته النهائية: أستراليا، لكنه سرعان ما اكتشف أنه عالق بسبب صعوبة الطريق إلى سيدني، وتقطعت به السبل شأنَ كثير من السوريين.

ومع أنه عمل في العديد من المطاعم العربية بعد حصوله على رعاية من مفوضية الأمم المتحدة، لكنه يعاني قلقاً مستمراً لأنه لم يتمكن من العمل بشكل قانوني، ولم يستطع العودة إلى سوريا، مع انسداد الطريق للهجرة إلى بلد آخر.

«نشعر وكأننا في قفص مفتوح»، قال محمد وهو يتلفّت بحيرة وحزن عندما التقيته قبل يومين من سقوط النظام، مضيفاً «إندونيسيا جميلة وشعبها لطيف، لكن الحياة هنا صعبة بدون وضع قانوني واضح». 

مستثمرون وطلبة.. وعالقون

ثمة قسم من السوريين هنا في إندونيسيا من أصحاب المشاريع والمستثمرين، افتتح بعضهم مطاعم عربية أو شركات لتقديم خدمات الإقامة للعرب والأجانب، أو هم تجار يرون في هذه البلاد محطة لتجارتهم، وهؤلاء يحصلون على إقامة مستثمر.

كذلك، يقيم في إندونيسيا بشكل قانوني طلبةٌ جامعيون سوريون يدرسون بموجب منحٍ حكوميّة، وإقاماتهم مكفولة من قبل المؤسسات التعليمية وتُجدّد بشكل سنوي. 

بين وقت وآخر يُلقى القبض على سوريين لا يملكون أوراق إقامة قانونيّة، يعلق السفير قائلاً: «نتوسط لدى السلطات لإعفاء بعض المقيمين غير القانونيين من غرامات مالية ضخمة»

لكن إندونيسيا لم تكن خياراً لجميع السوريين الذين يسكنونها اليوم، فثمة من وجدوا أنفسهم مصادفةً فيها بينما كانت وجهتهم المأمولة هي أستراليا، لكنهم وقعوا ضحية عمليات احتيال بعدما أوهمهم بعض السماسرة بأن وصول أستراليا مضمون، ثم تقطعت بهم السبل هنا.

لا يتيح القانون الإندونيسي خيار اللجوء، بل يمكن التقدم بطلبات لدى «مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين» التي تعالج الملفات بالتعاون مع دولة ثالثة، الأمر الذي يستغرق زمناً طويلاً يكون طالب اللجوء فيها ممنوعاً من العمل، ولا يحصل على خدمات الضمان الاجتماعي ونحوها، ولذلك يمكث كثير من السوريين العالقين بلا إقامات قانونية، أو يحصلون على بطاقات مؤقتة تحتاج التجديد بشكل شهري، وقد يحصلون على بطاقات إقامة سنويّة إن تمكنوا من العمل لدى مواطن إندونيسي.

بين وقت وآخر يُلقى القبض على سوريين لا يملكون أوراق إقامة قانونيّة، ويعلق السفير قائلاً: «عملنا على التوسط لدى السلطات الإندونيسية لإعفاء بعض المقيمين غير القانونيين من غرامات مالية ضخمة».

من بين ما تسعى السفارة إلى تحقيقه يتحدث السفير عنان بشكل خاص عن جهود مع الحكومة الإندونيسية لتبسيط إجراءات الترخيص لمزاولة السوريين الطبّ على وجه الخصوص. يقول بحماس: «الأطباء السوريون يمكنهم إحداث فارق كبير. تخيلوا ما يمكن أن نقدمه حالَ تبسيط إجراءات الترخيص من قبل الحكومة الاندونيسية للأطباء السوريين»، مشيراً في الوقت نفسه إلى «المجالات التقنية والفنية التي نتميز بها، لدينا مبرمجون، ومهندسون، وفنيون مهرة في إصلاح الأجهزة الإلكترونية والهندسة. هذه المقدرات يمكن أن تسد فجوات في سوق العمل الإندونيسي، ولكننا بحاجة إلى تسهيلات بخصوص التراخيص من قبل الجانب الإندونيسي». 

مطاردة الأمل

عند خروجي من السفارة، شعرت بشيء من الطمأنينة. الإجراءات ما زالت معقدة، لكن بدأت أرى بصيص أمل. «نحن لسنا مجرد أرقام، نحن بشر نحاول بناء حياة جديدة»، قلت ذلك لنفسي ذلك وأنا على الدراجة النارية في طريق العودة إلى المنزل وسط الازدحام في شوارع جاكرتا.

أُنجز هذا المقال في إطار برنامج تدريبي لموقع صوت سوري

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها

This work by SOT SY is licensed under CC BY-ND 4.0