× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

حوار مع غادة العبار والدة غياث مطر: «لا نريد أن نأخذ حقنا بأيدينا»

عقل بارد - على الطاولة 22-03-2025

في يوم عيد الأم، زرنا السيدة غادة العبّار، والدة غياث وحازم وأنس مطر، في منزلها بمدينة داريّا التي قُتل واعتُقل وشُرد الآلاف من أهلها منذ العام 2011. كيف يمكن أن تأخذ العدالة مجراها؟ سؤال طرحناه مع غيره من الأسئلة على أم غياث، في محاولة لنتخيل ونرسم مستقبلاً أكثر سلاماً للبلاد.

مضت مئة يوم منذ سقوط النظام السابق وفرار بشار الأسد. احتفالات عمت البلاد، وتبعتها أحداث كثيرة متسارعة، لكن الغصّة ظلّت رفيقة كل التفاصيل بالنسبة للسيدة غادة العبار، والدة شهيد النضال السلمي في داريا غياث مطر الذي اعتقل وقتل تحت التعذيب في أيلول/سبتمبر 2011، بينما اعتُقل شقيقاه حازم وأنس، من دون أن تعرف عائلتهما خبراً يقيناً عنهما حتى اليوم. 

 «لم أشعر بالفرحة. خرجت إلى الطرقات لأحتفل مع الناس، لكنّ عيوني كانت معلقة بالحافلات القادمة من السجون، وأنا أقول لنفسي: ‘من هاد الباص رح ينزل أنس، من هاد الباص رح ينزل حازم، ومن هاد رح ينزلوا ولاد جيراننا. كنت طوال الوقت أبحث عن المعتقلين والمغيبين، ولم أشعر بطعم النصر أو الفرحة، ولن أشعر بها حتى تأخذ العدالة مجراها. كرهت أصوات الرصاص أثناء الاحتفالات فهو نفسه الرصاص الذي قُتل به أولادنا، وكم تمنيت لو تحل محله التهاليل وأناشيد الثورة»، تقول السيدة الستينية لـ«صوت سوري» يومَ عيد الأم أثناء زيارتها في منزلها بمدينة داريا في ريف دمشق، لنجري الحوار التالي.

  • ما هي برأيك الخطوات الممكنة اليوم لتحقيق ولو جزء من العدالة لملايين الضحايا في سوريا؟
  • للعدالة أشكال كثيرة، طريقها واحد وبسيط إذا سلكناه جميعاً وتكاتفنا معاً، وللأسف لم نرَ شيئاً ملموساً حتى اليوم. نعرف أن الواقع شديد الصعوبة، فالبلد معدم وتحت الصفر ويحتاج وقتاً، والناس ربما لم تستوعب بعد موضوع سقوط النظام وأبعاده وما زلنا نعيش الصدمة. 
    نريد محاسبة المجرمين، وأن تنصر العدالة المظلوم على الظالم. لا نريد أن نأخذ حقنا بأيدينا، نريد محاكم وقضاة نزيهين يحكمون بشرف ودون محسوبيات. نريد أن يتوقف العبث بالسجون والوثائق التي رأينا كيف داسها الناس بأقدامهم ولوّن بعضهم جدران السجون، هذه كلها حقائق وشواهد على براءة أولادنا ويجب الحفاظ عليها. نريد تخليد ذكرى أبنائنا كي لا تذهب تضحياتهم سدى. نريد أن نؤمن لأولادهم مستقبلاً كريماً فهم يعيشون اليوم دون معيل أو كفيل. نريد أن نعيد بناء بلدنا. نحن لم نكن يوماً فقراء، لكن إعادة إعمار سوريا اليوم تحتاج إلى دعم كبير.
     
  • هل هناك إجراءات أخرى مطلوبة؟
  • شخصياً أريد أن نحارب المرتشين، ونلغي هذا الأسلوب من قاموس حياتنا. عانيتُ كثيراً من هذا الأمر، دفعنا مبالغ طائلة كي نعرف مصير أولادنا، وكي نحاول تخفيف الحكم عن حازم حين عرفنا أنه محكوم بالإعدام في سجن صيدنايا. خسرنا كل أملاكنا، إذ عمل النظام السابق على تجريف منازلنا والاستيلاء على ما تبقى منها، واضطررنا لدفع رشوة أكثر من 50 مليون ليرة سورية كي نستعيد هذا المنزل فقط (الذي نجلس فيه).
    حين كنت أدخل القصر العدلي، لم أكن أراه قصراً، ولا عدل فيه. كنت أشعر بالإذلال حين أذهب لزيارة حازم في السجن وأدفع لقاء ذلك مبالغ كبيرة رغم أنه حق مشروع، وحين أعطوني قصاصة من الورق عليها تاريخ مزعوم لوفاته مع رقم الجثة في 2017، ومنعوني من متابعة السؤال عنه، حين كان الناس يتحاشوننا لأننا من عائلة مطر، وحين كتب عناصر الأمن على جدران داريا «يسقط آل مطر»، وحين كنت أفكر كيف سأجنب أحفادي الخدمة الإلزاميّة في الجيش، كنت أشعر بالخوف الشديد. نريد لكل هذا أن ينتهي. ما عدنا نريد المحسوبيات، ولا أن نخرج من دائرة «سوريا الأسد» لنقع في دائرة أخرى مشابهة لكن بأسماء مختلفة.
     
  • هل تواصلت معك أي جهات حقوقية أو غيرها تدعم قضية المغيبين؟ وهل لديك مطالب مُحددة من هذه الجهات؟
  • استقبلنا عشرات الزيارات بعد سقوط النظام، من صحافيين وفنانين وناشطين، لكن لم يحصل أي تعاون حقيقي أو جاد في قضية كشف مصير المغيبين في سجون النظام. أنا أم لشابين مفقودين، أريد أن أعرف ماذا حصل لهما، ومتى وكيف. وحتى بعد مئة سنة أنا مصرة أن أعرف: أين هما؟ ما مصيرهما؟ أقبل أن يعطوني رفاة ابني أو عظامه كي أدفنها بيدي. حينها يمكنني أن أرتاح وأطمئن، كما هو الحال حين دفنت ابني غياث بيدي هاتين. أعيش اليوم مشتتة، في كل لحظة أتخيل أن حازم وأنس حيان يرزقان، وأنهما سيدقان الباب وأفتح لهما ليدخلا المنزل. ليس لدي أي شيء واقعي يخبرني بأنهما ليسا على قيد الحياة. سمعنا أن هناك سجناء سوريون سيخرجون من السجون اللبنانية، ربما أولادي معهم؟ لم أفقد الأمل، فحازم وأنس ليسا مجرد رقمين. أتمنى أن تتبنى جهة واضحة وموثوقة هذه القضية، وتعطينا حقائق ملموسة. لا نريد الأقاويل. كيف جرى التحقيق مع أولادنا داخل الفروع؟ ما هي الاعترافات التي انتُزعت منهم؟ ما هو مصيرهم؟ هذا حقنا، وقلوبنا بحاجة لأن تطمئن.
     
  • هل هناك أشكال دعم أخرى يمكن أن تكون ضرورية أيضاً؟
  • بكل تأكيد. اليوم شباب وأطفال البلد بحاجة كل أنواع الدعم المادي والنفسي والمعنوي، نريد أن يقف الجميع بجانبنا كي نقف على أقدامنا. نحن أيضاً بحاجة الدعم النفسي والمعنوي، فما عشناه في السنوات الماضية صعب للغاية.

  • وأنتِ بشكل شخصي، كيف ترين العدالة التي تطمحين إليها؟
  • نحن ظُلمنا كثيراً، وأولادنا ظلموا، ولا نريد أن يقع هذا الظلم مجدداً على أي شخص آخر. سمعت أن أحد المسؤولين عن إيذائنا بشكل شخصي في داريا قيد التوقيف حالياً، ثم قالوا إنها إشاعة، وكأنه «لعب على الأعصاب»، وصلتني أسماء من كانوا مسؤولين عن تعذيب وقتل غياث في المشفى وهم يضحكون. فكرت أن أقدم الأسماء إلى الجهات المختصة ثم خفت أن يكونوا مظلومين، أحتاج التأكد من هذه المعلومات قبل القيام بأي خطوة. هم فعلوا هذا لأبنائنا وأنا أتمنى أن يُحاسبوا أمام القضاء، حينها يمكنني أن أقرر مسامحتهم أو لا. هذا حقنا وحق أولادنا وتضحياتهم. 
    للأسف رأينا ما حدث في الساحل السوري، أنا ضد القتل بالمطلق. لا يمكننا أن نأخذ حقنا بهذه الطريقة. تسألونني عما أتمناه؟ أن تزين ساحاتنا بمشانق من قتلوا أولادنا، لعل هذا يبرّد قليلاً من حنقنا. 
    فكرت كثيراً لو أن بشار الأسد وقع بين يدي، ماذا يمكنني أن أفعل؟ أتمنى أن يحصل له ما حصل لابني غياث، لكن عن طريق محاكمة عادلة. أتمنى أن يعيش من ظلموا أبنائي الظروف نفسها: أن يأكلوا من الطعام نفسه، ويناموا على الفراش نفسه، ويلبسوا اللباس نفسه، حينها قد أستعيد القليل من حقوقي، لكن القتل بغاية الانتقام غير مقبول على الإطلاق. 
    أيضاً نحتاج إلى اعتذار جماعي من كل من تلطخت أيديهم بدماء أبنائنا وظلموهم. وبعدها نقرر إن كنا قادرين على مسامحتهم أو لا.
     
  • هل يمكن أن توجهي رسالة للسوريين والسوريات؟
  • عدونا واحد وقاتل أولادنا واحد. نريد أن نحفظ بلادنا التي ضحى أولادنا لأجلها. لا نريد أن يكون هناك دم مقابل الدم، نحن لم ننتهي من هذه الحرب كي ندخل في حرب جديدة. اكتفينا من الحروب والخسائر، ويجب أن نتحد ليأخذ كلٌ دوره في سوريا الجديدة. يجب أن نعمر بلدنا، وقبل هذا أن نعمر نفوسنا ونرممها كي نعيد تقبل بعضنا بعضاً. بلدنا اليوم في موقف حرج وصعب وعلينا أن نتعاون. أتمنى أيضاً أن يفسح المجال للجميع وأن تُسمع أصواتنا، فنحن اليوم مهمشون، فيما نرى صراعاً على المناصب العليا في الدولة، هناك ما هو أكثر أهمية، وهو حق الذين ساعدوا في الوصول إلى هذه المناصب، أي كل من ضحوا بأرواحهم. نتمنى أن نرى حكومة انتقالية، لا انتقامية ولا انتقائية.

 جروح لا تندمل

بعيون دامعة ووجه مطمئن وصابر، تودّعنا أم غياث. نعتذر منها لأننا أعدنا فتح جروح قديمة، فتقول بابتسامة خفيفة: «جروحنا لا يمكن أن تندمل. اليوم هو عيد الأم، وهي مناسبة لا أحبها، إذ أتذكر شهر آذار 2017 حين كنا متأملين بعفو عن المعتقلين، لكن هديتهم لي قبل العيد بيومين كانت قصاصة ورقية من الشرطة العسكرية في القابون، كتب عليها تاريخ وفاة مزعوم لابني حازم ورقم جثته. احتفظت بالخبر لنفسي أشهراً طويلة إذ لم أصدقه، وذهبت مراراً وتكراراً لمراجعتهم، وكنت أحصل على الجواب ذاته. حين هددوني بأنني قد أتعرض للمساءلة القانونية بسبب تكرار السؤال، توقفت. أكره هذا اليوم، فكيف لي أن أنسى؟».

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها

This work by SOT SY is licensed under CC BY-ND 4.0