× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

تجربة جنوب أفريقيا:1- البذور والجذور

عقل بارد - شعوب وحروب 06-09-2020

مضى ربع قرن على انتهاء نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا (اﻷبارتهايد)، الذي عاش أكثر من قرنين، وخلّف مئات آلاف الضحايا. قبل أن يشهد تاريخ السابع والعشرين من نيسان من العام 1994 إجراء أول انتخابات حرة في ‫تلك البلاد

الصورة: (United Nations Photo - فليكر)

«التعليم هو السلاح الأقوى الذي يمكن أن تستخدمه لتغيير العالم»
نيلسون مانديلا 

----

برغم اختلاف الظروف والجذور والحيثيات، تبدو تجربة جنوب أفريقيا متقاطعة مع التجربة السورية في جزئيات تتعلق بالمأساة، فوجود أعداد غير معروفة في سوريا (كبيرة حتماً) من ضحايا انتهاكات مختلف أطراف النزاع، يستلزم في نهاية المطاف البحث عن طريقة / طرق لتحقيق العدالة للضحايا وذويهم.
كذلك؛ تطرح التجربة سؤالاً قد يبدو نافلاً اﻵن في السياق السوري، هو سؤال العدالة، والمصالحة والمصارحة، ولأيهما يجدر منح اﻷولوية، بحثاً عن طريق لتجاوز الراهن وتبعاته، والعبور إلى مجتمع معافى، ويحافظ على ذاكرته في الوقت نفسه. 
تجربة جنوب أفريقيا، مهمة أيضاً للتعرف على آليات معالجة جذور الصراع، وعلى أدوات وإجراءات النظام الديمقراطي الممكنة، لجهة تمكين أصحاب الحقوق، وإجراء المحاكمات بما يضمن مبادئ العدالة، وهو ما يستدعي منا - نحن السوريين - معرفة ما جرى في ذلك البلد، حتى وصل إلى ما هو عليه اﻵن.
اليوم، تشكّل جنوب أفريقيا ثاني أهم اقتصادات القارة السمراء، وهي عضو في مجموعة بريكس، التي تضم معها روسيا والبرازيل والهند والصين. 
هي عضو أيضاً في مجموعة العشرين، ورغم استمرار بعض المشكلات الاجتماعية والطبقية والاقتصادية فيها، ومنها ارتفاع معدلات الجريمة، فهي بالعموم تعتبر من الدول ذات الفاعلية المتوسطة على الصعيد العالمي.

الأعداد الكبيرة لضحايا انتهاكات أطراف النزاع في سوريا، تستلزم في نهاية المطاف البحث عن طرق لتحقيق العدالة للضحايا وذويهم

كانت تجربة جنوب أفريقيا في المصالحة والعدالة، من أبرز التجارب الناجحة عالمياً في مجال العدالة الانتقالية. وقد أُنشئت معاهد ومؤسسات لتوثيق التجربة وتوسيع فهمها وانتشارها إنسانياً، ما سمح بتأسيس مجالات جديدة في التعامل مع فلسفة اﻷزمات، وطرق البحث عن حلول لها، خاصّة أن أغلب تجارب العدالة الانتقالية في العالم أخذت شكل «لجان الحقيقة والمصالحة»، ونشأت تحت ضغط القوى الديمقراطية والمدنية ومنظمات حقوق الإنسان المحلية، التي دعمت مطالبات ضحايا الانتهاكات وذويهم ممن تحولوا بدورهم إلى قوى ضغط في قلب المجتمع المحلي ثم الدولي

البدايات: قرون من الاستعمار
تبلغ مساحة دولة جنوب أفريقيا الحالية 1.222 مليون كم مربع، أي ما يقارب 9% من مساحة القارة السمراء. يتألف سكانها من مجموعة قبائل متنوعة، تنتهي إلى جذر واحد هو قبيلة البانتو. 
بدأ استعمار البلاد منذ القرن السابع عشر (العام 1652)، مع إنشاء «شركة شرق الهند» الهولندية، أول محطة لسفنها المتجهة نحو الهند في منطقة رأس الرجاء الصالح / كيب تاون. 
تبع ذلك توافد عدد من الهولنديين الذين راقت لهم خصوبة الأرض ووفرة المواشي، فاستوطنوا في كيب تاون، وحولوها إلى مستعمرة لهم، من دون احتكاك مع السكان اﻷصليين.

كالعادة مع كل استيطان بشري جديد، تحوّلت كيب تاون إلى نقطة جذب، وأخذت بالتوسع مصطدمةً بالسكان اﻷصليين من قبائل الهوسا، ما تسبب بحرب استمرت مائة عام (حرب الكفير) انتهت أواخر القرن التاسع عشر بهزيمة الهوسا وتوسع الهولنديين في البلاد، وهؤلاء عرفوا باسم البوير، وعلى إثر هذا التوسع ظهرت دويلات هولندية جديدة تجمّعت في العام 1864 تحت اسم جمهورية جنوب أفريقيا. غير أن بريطانيا التي كانت قد استولت رسمياً على مستعمرة كيب تاون، ما لبثت أن تقدمت شمالاً واستولت في العام 1877 على تلك الدولة، وحولتها إلى مستعمرة من مستعمرات التاج البريطاني. 

كانت تجربة جنوب أفريقيا في المصالحة والعدالة، من أبرز التجارب الناجحة عالمياً في مجال العدالة الانتقالية

اندلعت بين بريطانيا والمستوطنين الهولنديين حرب امتدت بين 1899 حتى 1902 عرفت عالمياً باسم حرب البوير Boer Wars، كان سببها الرئيسي استثمار الذهب، وليس - كما ادعت بريطانيا - حرمان المستوطنين اﻹنكليز من الحقوق السياسية في أراضي مستعمراتهم، (تحديداً في الترنسفال واﻷورانج).
في العام 1909 أصدرت بريطانيا تشريعاً حمل اسم «تشريع جنوب أفريقيا»، اعترف بوحدة المستعمرات البيضاء اﻷربع هناك، وأصبح يعرف باتحاد جنوب أفريقيا، كما نص على إقامة برلمان واحد يمنح وضعاً متساوياً للبيض فقط من البوير والإنكليز، من دون أي حضور للسكان اﻷصليين، وتم وضع دستور للاتحاد.

في العام 1910 تم تدشين الاتحاد، وكانت أراضيه حدود دولة جنوب أفريقيا، التي كانت حتى ذلك الحين تضم نحو مليون وربع المليون من البيض، ونحو أربعة ملايين وربع المليون من اﻷفارقة المحرومين من أي حقوق. إضافة الى نحو 160 ألفاً من الهنود والشرق آسيويين الذين تدفقوا منذ العام 1860 للعمل في جنوب أفريقيا، ونحو نصف مليون من الملونين المنحدرين من علاقات متنوعة بين البيض والسود والعمال الأجانب. 
منذ ذلك الحين اكتسبت جنوب أفريقيا وضع الدولة على الصعيد العالمي، وتم الاعتراف بها من قبل عصبة الأمم بعد الحرب العالمية الأولى.

نظام الفصل العنصري «الأبارتهايد»
منذ بدء الاستعمار أقامت بريطانيا معازل للسود، يُمنع عليهم السكن خارجها، ضمّت 40% منهم، بينما كان نحو 40% آخرين يقيمون في مزارع البيض، إما عبيداً أو أجراء، وينتشر الباقون في مناطق إنتاج المحاصيل. 
كما صدر العديد من القوانين العنصرية التي تحدد وضع السود في مرتبة دنيا، و«تنظم» العلاقة بين السود والبيض على أساس سيد ـ عبد، وعلى رأسها «قانون بطاقة المرور» الذي يحظر على أي أسود المرور في أية مناطق خارج نطاق المعازل، من دون بطاقة موقعة من المسؤولين عن مكان إقامته من جهة، ومن «سيده» في مكان عمله من جهة أخرى.

سُمّيت مجموعة القوانين المُمَأسسة تلك، بنظام الفصل العنصري (اﻷبارتهايد) وهي كلمة من اللغة الأفريكانية، تعني الفصل (Apartheid) أو النبذ أو العزل، وتضمنت سبعة إجراءات تمييزية ضد السود في مختلف أنحاء جنوب أفريقيا.
ادعى منظّرو المستعمرين أن أراضي جنوب أفريقيا كانت بلا شعب، ولم تكن مسكونة لحظة وصول الأوروبيين، وأنهم من قام بإعمار وتطوير الأرض.

طوّرت المنظومة الاستعمارية مجموعة قوانين وسياسات سهلت تجريد السكان الأصليين من أراضيهم وممتلكاتهم، مثل قانون الأراضي للعام 1913 الذي عُدل العام 1936، ونتج عنه حصر السود (80% من السكان) في ما لا يزيد عن 13% من أراضي جنوب أفريقيا، بينما سيطرت الأقلية البيضاء (20% من السكان) على بقية مساحة البلاد. 

1948: قوننة «النكبة»
في العام 1948 وصل الحزب الوطني اﻷفريكاني (للبيض) إلى سدة الحكم، وبقي فيها حتى العام 1994. ضمّ ذلك الحزب هولنديين من اﻷجيال الجديدة، ممن استفادوا من الازدهار الاقتصادي في البلاد، وشكّلوا حركة قوميةً سموها «اﻷفريكانز»، خاضت انتخابات 1948 تحت شعار «اﻷفريكانز أولاً، وفصل السود عن البيض». 
بعد نجاح هذا الحزب في الانتخابات، أصدر في العام 1950 قانون «تنظيف المناطق السوداء»، وسمح بموجبه باستكمال تهجير السكان اﻷصليين، وتجريدهم من أراضيهم وملكياتهم، ونقلهم إلى المعازل، من دون الحاجة إلى محكمة أو إجراءات قانونية. وفي الحقبة الممتدة بين عامي 1950 و1980 تعرّض ما بين ثلاثة إلى خمسة ملايين إنسان للتهجير والنقل القسري.
حرص الحزب الحاكم على قوننة وتنظيم عملية الفصل العنصري، على نحو تحولت فيه العملية إلى نظام متكامل، عُرف باسم «الأبارتهايد». 

أصدرت الحكومة بين عامي 1948 و1985 عدداً كبيراً من القوانين والتشريعات في هذا الاتجاه، وتوزعت على مستويين. 
أولهما، عُرف باسم «الأبارتهايد الصغير»، وضمّ سلسلة قوانين تخص السود المنتشرين بين البيض (نحو 40% من مجموع السود)، ومن ضمن قوانينه حظر الزواج بين البيض والسود نهائياً. 
أما المستوى الثاني، فسمي «اﻷبارتهايد الكبير»، وفرض - بموجب قانون اﻷراضي - على السُّكان الأصليين العيش في تجمعات معزولة، عُرفت تحت حكم الحزب الوطني باسم «البانتوستانات» Bantustan (المعازل).

مُنحت تلك المعازل حكماً ذاتياً، على أنها أوطان للسكان الأصليين تحت إدارة متواطئين ووكلاء للاستعمار من السُّكان الأصليين، بحيث تتحول إلى دويلات مستقلة شكلياً. تم تحويل 264 منطقة عزل إلى مناطق حكم ذاتية، تعترف بالزعماء القبليين التقليديين زعماء لها.

تطرح التجربة سؤالاً قد يبدو نافلاً اﻵن في السياق السوري هو سؤال العدالة، والمصالحة والمصارحة، ولأيهما يجدر منح اﻷولوية؟ 

كان العام 1948 مفصلياً في حياة السود. قبل ذاك، كانت لهم بعض الحقوق السياسية بموجب «قانون تمثيل السكان اﻷصليين» الصادر عام 1936، والمتضمن حق الأفارقة السود في بعض المناطق، في انتخاب ممثلين (من البيض حصراً) لتمثيلهم في البرلمان، مع إجازة تشكيل مجالس منتخبة ذات صفة استشارية للسود. إلا أن القوانين اللاحقة ألغت كل ذلك، ومنها قانون صدر العام 1956 وتم بموجبه حرمان كل فرد يعمل في المهن الدنيا (مثل عمال المناجم والمزارعين والموظفين الصغار) من أي حق في التقدم بأي شكوى أمام المحاكم، أو الانتماء للنقابات.

السياسات السبع
 شكلت تلك السياسات الأسس الرئيسية التي تضمنها الأبارتهايد في جنوب أفريقيا، وهي: 
- قانون مناطق المجموعات العرقية (البانتوستان). 
- فصل التعليم: أي توزيع الأطفال على المدارس بحسب فئاتهم العرقية. 
- فصل المرافق العمومية (المشافي، الشوارع) بما فيها وسائل النقل العام. 
- الأوطان الأفريقية (المعازل) التي اعتُبرت الموطن الوحيد للأفارقة، وعندما يكونون في «مناطق البيض» فإنهم يكونون هناك للعمل. 
- فصل سجلات الناخبين: يصوَّت الناخبون السود بموجبه لسلطات محدودة الصلاحية، ضمن فئاتهم العرقية، ولا يسمح لهم بالتصويت في الانتخابات الوطنية. 
- قانون الزواج المختلط: حظر الزواج بين الأشخاص المنتمين لمجموعات / مكانات مختلفة. 
- قانون الآداب: الذي حظر العلاقات الجنسية بين المنحدرين من جماعات عرقية مختلفة.

هامش

هناك العديد من المؤلفات التي تناولت تجربة جنوب أفريقيا، مثل كتاب محمد صادق إسماعيل «تجربة جنوب أفريقيا»، وعليه تم الاعتماد بشكل أساسي، إلى جانب دراسات لمراكز بحثية عالمية، منها منشورات مركز العدالة والمصالحة في جنوب أفريقيا.


Share!

لا يتبنى «صوت سوري» أي توجه مسيس للملف السوري ولا تقف وراءه أي جهة سياسية.
نحن نراهن على دعمك لنا في الوصول إلى جميع السوريين والسوريات.

إذا رأيت أن خطابنا يستحق الوصول انشري / انشر هذا المقال من فضلك

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها