× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

غرباء على التراب السوري: 2- إيران «زمن الخروج»؟

عقل بارد - على الطاولة 16-09-2020

منذ العام 2011 شهدت ساحات الحراك والحرب في سوريا تدخل العديد من الجهات الخارجية، سعياً لتحقيق مكاسب معينة، سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي أو الديموغرافي وغيرها. وخلال هذه السنوات، اختلفت ردود أفعال السوريين إزاء تلك التدخلات، نحاول - عبر سلسلة مقالات - الإضاءة على ردود الأفعال، بعيداً عن الكليشيهات التعميمية المتداولة حول ذلك إعلامياً

الصورة: (Broadleak News - فليكر)

مع انطفاء آخر ألسنة النيران التي التهمت أحد خانات سوق البزورية وسط دمشق، في أواخر تموز الماضي، تجدّدت جدالات اعتادها سكان المدينة بعد كل حريق مماثل، في سلسلة حرائق تشهدها العاصمة السورية منذ حوالى خمس سنوات.

تنامى «القيل والقال» بعد الحريق الأخير، في ظل عدم الإعلان رسميّاً عن مسبباته، ليقتصر الأمر على تكهنات عن كونه حدث بفعل ماس كهربائي، وضعف في البنية التحتية المتهالكة في هذه المنطقة الأثرية.
«مفتعل بلا شك». «إيران تسعى إلى تغيير ديموغرافي في كامل المنطقة». «تجار البزورية تلقوا تهديدات بأن هذا سيكون مصيرهم إن رفضوا بيع محالهم للإيرانيين، كما حدث مع تجار العصرونية قبل سنوات». «الحريق لن يقف هنا، وستتبعه حرائق أخرى تصل حتى الجامع الأموي، كي تسيطر عليه في نهاية المطاف المستشارية الثقافية الإيرانية». «قضاء وقدر، والإهمال هو السبب». «حادثة قد تحصل في أي مكان من العالم، لا تكبروها».
هذه عينة من الآراء التي تم تداولها في بعض النطاقات عقب الحريق. تعكس هذه العينة، وغيرها، آراء مختلفة لشرائح متنوعة من السوريين حول التدخل، أو التوغل الإيراني في بلادهم. توغل لا يمكننا اعتباره وليد الحرب فقط، لكنه أخذ أشكالاً أكثر وضوحاً بعد العام 2011، وتنوعت أدواته ما بين السلاح والعنف حيناً، والدبلوماسية والقوة الناعمة والثقافة، أحياناً أخرى.
بطبيعة الحال، لا ينظر جميع السوريين بعين الرضا إلى هذا التدخل، ولا يشجبه جميعهم أيضاً. والواقع أن آراءهم حول الأمر أوسع من أن تقتصر على الأبيض والأسود فقط.

«احتلال وتمدد»؟

في الأعوام التسعة الأخيرة، تحولت الأيام العشر الأولى من شهر محرم الهجري إلى ساحة جدال وخلاف من نوع خاص، وعلى الأغلب عبر مواقع التواصل الاجتماعي. 
بات مألوفاً أن تُنشر صور لمظاهر إحياء ذكرى عاشوراء في بعض أحياء دمشق، وتتتالى التعليقات المستنكرة لـ«التمدد الإيراني في دمشق»، و«محاولات إيران التلاعب بديموغرافيا أحياء دمشقية كثيرة». ليرد البعض بالقول إنّ «إحياء ذكرى عاشوراء ليس شيئاً دخيلاً على السوريين، لكن هناك من يحاول تضخيم الأمر وإعطاءه أبعاداً أخرى».

تشكل المسألة الطائفية، حاملاً لأحد أكثر المواقف وضوحاً تجاه إيران، فهي «الطرف الساعي إلى التمدد والسيطرة على أوسع مساحة ممكنة من سوريا»، ليس فقط عسكرياً، بل «الأهم والأكثر خطورة» وفق آراء البعض، من خلال «نشر ثقافتها وأيديولوجيتها، ودفع المزيد من السوريين إلى تغيير معتقداتهم». ويضيف البعض إلى ما تقدّم «افتتاح مراكز لتعليم اللغة الفارسية»، و«إقامة مهرجانات ومعارض للترويج للثقافة الإيرانية».
تترابط هذه الآراء مع نظرة كثير من السوريين المعارضين إلى إيران، وإلى جانبها «حزب الله» اللبناني، على أنها شريك واضح للسلطات السورية الرسمية في «ارتكاب جرائم حرب تتمثل بقتل وتشريد ملايين السوريين، وتغيير تركيبة بعض المناطق من خلال تهجير سكانها، ومنعهم من العودة إليها». 
لا ينبع هذا الحديث من فراغ، غير أنّ قصره على إيران وحدها ليس دقيقاً، فالثابت أنّ أطرافاً عدّة قد عمدت إلى أفعال مشابهة، بالاستعانة بأدوات سوريّة، وفي بعض الأحيان عبر «اتفاقات» أخذت طابعاً رسميّاً، مثل «اتفاق المدن الأربع» الشهير (كفريا، والفوعة، والزبداني، ومضايا).

روسيا أم إيران؟
«بصراحة احترنا مين الأحسن، إيران أو روسيا. يعني كترة المحتلين فعلاً بتحير»، يقول أبو باسم، وهو من إحدى قرى ريف طرطوس، ويضحك.
لا يحسب الرجل الخمسيني نفسه على الشارع المؤيد، وعند الحديث عن التدخلات الخارجية المختلفة في سوريا، يعتقد أن «روسيا هي أهون الشرور»، مبرراً ذلك بأن «الجميع يقتل، ولا أحد يكترث للسوريين، لكن على الأقل روسيا دولة منفتحة لن تجلب لمجتمعنا المزيد من الانغلاق، أو على الأقل هذا ما نأمله».

«نحن نختار روسيا، وغيرنا يقول إيران، وآخرون يفضلون تركيا. والمضحك المبكي أن الأمر ليس في أيدينا بكل الأحوال»

يزعم أبو باسم أن «معظم سكان المنطقة» يشاطرونه هذا الرأي، على اختلاف انتماءاتهم وتوجهاتهم. «يعني تجي إيران ولا تجي روسيا تحكمنا؟»، يتساءل، ويجيب «بكل تأكيد تشكل إيران خطراً على ما تبقى من علمانية في سوريا، وهو أمر نخشاه فعلاً، ويدفعنا إلى تفضيل روسيا بشكل مطلق».
ما يثير السخرية، وربما الحزن بالنسبة لأبو باسم، أن «السوريين اليوم باتوا أمام خيارات مختلفة لمن يمكن أن يحتل بلادهم». أما الحديث عن عودة سوريا لتكون فعلاً دولة ذات سيادة ترفض أي تدخل في شؤونها، فهو بات «محض خيال لا أكثر» برأي الرجل. 
«نحن نختار روسيا، وغيرنا يقول إيران، وآخرون يفضلون تركيا. والمضحك المبكي أن الأمر ليس في أيدينا بكل الأحوال»، يقول.

إيران أم «داعش»؟

اندفع بعض السوريين في مرحلة من مراحل الصراع إلى المفاضلة بين إيران وتنظيم «داعش»، وارتكزت بعض أوجه هذه المقارنة على منطلقات دينية وطائفية وأيديولوجية، ليميل قسم من السوريين نحو أحد هذين الطرفين على حساب الآخر. 
وشكلت إيران بالنسبة لعدد من السوريين خياراً أفضل ضمن هذه المعادلة، رغم اعتراف البعض ضمنيّاً، بأن الطرفين «على درجتين متقاربتين من الانغلاق والتشدد»، اللذين لم تعهدهما شرائح كبيرة من المجتمع السوري. 
«السبب في ذلك ارتباط إيران بحزب الله، وقدرة الأخير على تسويق نفسه إعلامياً بشكل جيد، جعل حتى بعض الأطراف العلمانية تميل إليه لأنها ترى فيه طرفاً حامياً من المتشددين، بغض النظر عن تشدده هو الآخر»، يقول لنا أحد سكان دمشق. يرى آخر، أن خطاب «حزب الله» وإيران، المقاوم لـ«إسرائيل» يدغدغ أحاسيس كثير من السوريين، خاصة من الأجيال الأكبر عمراً، المستمرة في النظر إلى قضية فلسطين على أنها قضية محورية لها ولسوريا بشكل عام.  ويضيف «لذلك لا تستنكر هذه الشريحة كثيراً الحضور الإيراني في سوريا. تعتبره في بعض الأحيان أمراً ضرورياً في سياق الحرب ضد الكيان، وتغض النظر عما يمكن أن يحمله هذا الوجود من وبال على السوريين، على المدى الطويل».

«إيران تحمي»؟

لدى استعراض المواقف الأكثر تأييداً للوجود الإيراني في سوريا، يبدو أن كثيراً منها ينطلق من مجموعة مصالح وارتباطات سياسية وعسكرية ودينية وطائفية. 
لا يعني ذلك أن جميع المؤيدين للسلطات السورية الرسمية، يرحبون بإيران، أو أن كل السوريين المحسوبين على طائفة بعينها يدينون لها بالولاء. لكن؛ يمكننا القول إن كثيراً منهم ينظرون إليها، وإن بشكل مؤقت، على أنها الطرف الذي يحمي وجودهم في البلاد، المهدد من أطراف مختلفة، على الأقل في المرحلة الراهنة.
«ماذا إذا تغيرت المعادلة يوماً ما؟ ماذا إن خرجت إيران وبقيت روسيا؟ أو حدثت أي لعبة أخرى في السنوات المقبلة غيّرت موازين القوى؟»، يقول لنا أحد الدمشقيين، ويضيف «للأسف وصلنا إلى مرحلة يشكل فيها الغرباء ضمانة لنا للبقاء في منازلنا وأحيائنا، ولا أدري حقيقة ما الذي يمكن أن يخرجنا من هذه المعادلة، نحو أخرى أكثر وطنية».

لكن، هل يُمكن فعلاً أن تنسحب إيران من سوريا؟ نسأل مثقفاً إيرانيّاً معارضاً عن رأيه، يصمت لحظات، ثم يجيب بعربيّة فصيحة، «لقد تأخرتم في هذا البحث». نسأل: «لماذا»؟ فيجيب مازجاً العربيّة بالفارسيّة: «ببساطة لأن الأمور صارت واضحة: زمان بیرون کشیدن». نستفسر عن معنى العبارة الفارسيّة، فيقول «حان وقت الانسحاب»!

نقول: «ألا تبالغ؟ هل بوسعنا فعلاً اعتبار رأيك موضوعياً بالكامل، وبعيداً عن التمنيات الشخصيّة؟». فيجيب مبتسماً: «انسوا كلامي حالياً، لكنكم ستتذكرونه في وقت أقرب مما تتخيلون».

لقراءة مقالات السلسلة ► 


Share!

لا يتبنى «صوت سوري» أي توجه مسيس للملف السوري ولا تقف وراءه أي جهة سياسية.
نحن نراهن على دعمك لنا في الوصول إلى جميع السوريين والسوريات.

إذا رأيت أن خطابنا يستحق الوصول انشري / انشر هذا المقال من فضلك

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها