× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

ممثل سوري تحوّل إلى سائق: انتظرني أيها المسرح!

حكاياتنا - خبز 23-09-2020

لم يستطع محمد البقاء من دون عمل ما يُحب. بدأ بتجميع زملائه في «الكامب»، من دون أن تكون لكثير منهم أدنى فكرة عن المسرح، وأجرى معهم ورشة عمل، توّجت بتقديم عرض مسرحي ناجح

الصورة: (Jules Howard - فليكر)

«بعض الأحلام لا تتحقق»، هذا ما قالته موظفة مكتب العمل في إحدى الدول الأوروبية لمحمد، رغم معرفتها بأن عمله ممثلاً ليس مجرّد حلم ينتظر تحقيقه، بل هو أكثر واقع حقيقي في هذا العالم بالنسبة له. 
العبارة إياها، كانت خاتمة محادثات طويلة بين الشاب والموظفة، وضغوطات شديدة منها لتغيير مسار حياته، من خلال توجيهه إلى عمل آخر لا يريده.
وبرغم دفاعه عن رغبته بكل الوسائل، فقد رضخ هذه المرة، مؤمناً بأنها ليست النهاية، بل هي مجرد مرحلة مؤقتة.
ينحدر محمد (اسم مستعار) من عائلة دمشقية، لأمّ وأب توفيا في مرحلة مبكرة من حياته. اعتاد منذ طفولته أن يؤدي مشاهد تمثيلية على سبيل اللعب، وينفذ مقالب مضحكة بمن حوله، عادة ما كانت تنجح ليسمع تعليقاً مكرراً «أنت ممثل».
استهوته الفكرة تدريجياً، فبدأ البحث عن كل ما يتعلق بها. في الرابعة عشرة من عمره، ذهب إلى المسرح لأول مرة في حياته، وحضر عرضاً مسرحياً راقصاً. يروي متذكراً: «في مشهد بتذكره منيح، كان البطل عم يقول كلام مو مفهوم شي بيشبه اللغط، صابتني الرهبة، وتخيلت لو كنت مكانه كيف بقول، وشو بعمل. حسيت إنو هاد المكان بيشبهني». 
كبر شغف محمد بالمسرح، ولم يفوّت منذ ذلك الوقت فرصة حضور عرض مسرحي، أو قراءة كتاب يتعلق بـ«أبو الفنون». لم يكن سهلاً عليه احتراف العمل في مجال التمثيل، فالأمر «يحتاج واسطة، أو دراسة في المعهد العالي، الموهبة وحدها لا تكفي». كان الخياران صعبين بالنسبة إليه، فلا واسطة، ولا قدرة على مواصلة الدراسة بسبب ظروفه. كان الفتى يعمل بعد دوامه المدرسي، لإعانة عائلته بعد وفاة والده وهو ابن خمس سنوات. برغم ذلك، ظلّ متمسكاً بحلمه، وعاهد نفسه ألا يستسلم.

على مسارح الهواة

في السابعة عشرة من عمره شارك في عرض مسرحي للهواة. يقول «أول مرة وقفت فيها عالخشبة حسيت بوجودي كإنسان، كنت طاير وقلت بدي ضل عم عيش هالإحساس».
التحق بعدها بورش عمل لتدريب الممثلين، ليصقل موهبته، وشارك في عرض مسرحي آخر. وقتها، كان للجنة المشاهدة رأي مختلف، مفاده أنه لا يمكن أن يكون ممثلاً، لكن المخرج تمسك به، وأصرّ على عدم تقديم ذلك العرض من دونه، وكانت النتيجة أن حصل الشاب على شهادة تقدير بعد تقديم العرض المسرحي.
بعدها، تتالى حصوله على جوائز عدة في مهرجانات الهواة المسرحية في سوريا. لم تشهد عائلته شيئاً من نجاحاته تلك، فقد توفيت والدته قبل ذلك، أما إخوته فلم يكونوا مؤمنين بما يفعل. 
صار الشاب جزءاً من فريق مسرحي، وحوّل منزله في سوريا إلى مكان لورش عمل وبروفات، ينطلق منها الفريق إلى المشاركة في مهرجانات عربية، حصل على عدد من الجوائز فيها، من دون أي دعم من أي جهة رسمية. 
يقول «كتير كان صعب نحصل على أماكن للتدريب بدون محسوبيات». ويضيف «كنا بمهرجان مهم بدولة عربية. بعد العرض أجا فريق إعلامي من التلفزيون السوري وطلب يعمل معنا لقاء. رفضنا لأنو انطلقنا بهاد العرض من بيتي وبإنتاجنا الشخصي رغم ظروفنا الصعبة من الناحية المادية والنفسية ووضع البلد بشكل عام، كنا نجتمع تحت القصف ونقطع مسافات وحواجز بس لنعمل بروفات».

إلى مصر.. فأوروبا
بدأت ظروف المعيشة تصبح أكثر سوءاً خلال الحرب. أوقفت الفرقة التي كان يعمل معها محمد نشاطاتها نهائياً، إثر خسارة بعض أفرادها منازلهم، واعتقال ووفاة البعض. قرر محمد السفر إلى مصر، حيث عمل في مجال الدوبلاج، وشارك في مسلسلات درامية. لكنه لم يستطع الحصول على إقامة شرعية.
بعد حوالى سنتين، ساءت ظروفه في مصر، إذ لم يعد العمل ممكناً بسبب تضييق الخناق، وإغلاق كثير من شركات الدوبلاج، التي كان العمل فيها مصدر رزق له. 
أخذ محمد قرار الهجرة إلى أوروبا، بعد بيع آخر ما تبقى من إرثه في دمشق، وهو منزل كان يتمنى تركه لأولاده، لكنه فضل أن «يمنحهم جنسية أوروبية». 

بعد ثلاثة أشهر من نجاحه في الوصول إلى إحدى الدول الأوروبية، لم يستطع البقاء في مخيم الانتظار (الكامب) من دون عمل ما يُحب. بدأ بتجميع زملائه في الكامب، من دون أن تكون لكثير منهم أدنى فكرة عن المسرح، وأجرى معهم ورشة عمل، كانت تدريباتها تمتد أكثر من عشر ساعات يوميّاً.

أخذ محمد قرار الهجرة إلى أوروبا، بعد بيع آخر ما تبقى من إرثه في دمشق، وهو منزل كان يتمنى تركه لأولاده، لكنه فضل أن يمنحهم جنسية أوروبية

طلب الشاب من إدارة المخيم السماح بإجراء عرض مسرحي قصير، ودعوة الصحافة وبعض الجهات الرسمية لحضوره، وهذا ما حصل بالفعل.

نجح العرض، وقوبل باهتمام وحفاوة رغم تقديمه باللغة العربية، لكن بفضل لغة الجسد المدروسة، ووجود الترجمة وصلت أحاسيس الممثلين، ورسالة العرض إلى الجمهور. نتيجة ذلك، مُنحت الفرقة ترخيصاً رسميّاً، بإدارة سيدة من جنسية البلد الأوروبي.

تلقت الفرقة دعوة لإعادة تقديم العرض خارج الكامب، وتكرر ذلك لأكثر من ثمانين مرّة، في مدن عدّة. ونُقل أعضاء الفرقة من الكامب، ليعيشوا في منزل كبير مشترك، ريثما يحصل كلٌّ منهم على منزله الخاص، بعد حصوله على الإقامة الرسمية في تلك الدولة.

مثّل محمد في عروض أخرى، بلغات مختلفة، ضمن فريقه، ومع فرق أخرى من جنسيات مختلفة، وفي دول أوروبية عدّة. كما شارك في تمثيل أفلام سينمائية، وحصل على جوائز.

كانت العروض التي قدمتها الفرقة المستحدثة تقدّم مقابل أجور مادية، توضع في حساب الفرقة الذي لم يعلم عنه الشاب شيئاً، كونه ممثلاً فقط، وكان عمله الشخصي بلا أجر رسمي. يقول عن ذلك، إن الجانب المادي لم يكن يعني له شيئاً، بقدر ما يعنيه تحقيق ذاته في بلد جديد. بعد ثلاث سنوات من تشكيل الفرقة، قررت مديرتها إيقافها، لـ«عدم قدرتها على التوفيق بينها وبين أعمالها الأساسية»، بحسب ما يقول الشاب. ويضيف «رفضت تتوقف الفرقة حتى لو كنت لحالي بهي المرحلة، وطلعت من الاجتماع وأنا حاسس إنو كل شي بنيته عم ينهدم قدامي. سألت حالي: لو كان هاد بيتي وانهدم، شو بعمل؟ أكيد رح أرجع أبنيه».

«كورونا» بالمرصاد!
تسلّم محمد الأمور الإدارية للفرقة، وبدأ بإعادة هيكلتها من جديد على مختلف الصّعد، خاصة أن عدداً من الممثلين غادروا الفرقة، وشقّ كل منهم طريقه الخاص. استطاع في وقت قصير تكوين فريق جديد. وبدأ السعي مع أعضاء مجلس الإدارة الجدد، للحصول على تمويل للفرقة المسرحية، كي يستطيعوا الخروج من المعونة الاجتماعية التي تقدمها الدولة، ويكونوا قادرين على تمويل عروضهم. في تلك المرحلة، بدأت «أزمة كورونا» بالتصاعد، لتعلّق معظم الإجراءات والمراسلات مع الجهات المانحة. 
في الوقت نفسه واجه محمد ضغوطاً كبيرة من بلدية المدينة التي يقيم فيها، للبحث عن عمل بمردود مادي للخروج من المعونة الاجتماعية بشكل نهائي، بدلاً من خروجه لفترات محدودة كلما أتيح له عقد مؤقت، ثم عودته إلى المعونة مع نهاية العقد.
قدم شروحات وافية للبلدية عن مراسلات الفرقة مع جهات مانحة، وعن تعليق الأمور بسبب الوباء، لكن البلدية لم توافق على إعطائه أي مهلة. 
في نهاية المطاف وجد الشاب نفسه مضطراً إلى العمل سائقاً في شركة لتوصيل الطلبات المباعة عبر الإنترنت. 
«بعض الأحلام لا تتحقق» قالت له موظفة مكتب العمل، لكنه يعلق على ذلك بالقول «النجاح قرار، وأنا مقرر أنجح. وأكيد رح أستمر بالمجال اللي بحبه (التمثيل) رغم كل شي عم أمرق فيه بهالمرحلة». 


Share!

لا يتبنى «صوت سوري» أي توجه مسيس للملف السوري ولا تقف وراءه أي جهة سياسية.
نحن نراهن على دعمك لنا في الوصول إلى جميع السوريين والسوريات.

إذا رأيت أن خطابنا يستحق الوصول انشري / انشر هذا المقال من فضلك

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها