× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

عن النسويّة و«إسرائيل».. وسوق القضايا!

عقل بارد - على الطاولة 08-10-2020

السوق يفرض لون الموسم، وموضة البنطال، يجعلك ترتدي اللون والموديل من دون أن تسأل لماذا؟ بل أنت تدافع عن سببك البسيط «هي موضة السنة». أما القضايا والحقوق، فلا ينبغي أن تعرض في السوق

الصورة: (thierry ehrmann - فليكر)

«يا أخي غريبين إنتو، بتظل اسرائيل أحسن من الدول العربية بألف مرّة، على شو واقفين ضد التطبيع ما بعرف». في الأسابيع الأخيرة، صدرت مثل هذه الجملة عن عدد من الأصدقاء المناهضين لـ«رجعية» من ينادي بالوقوف في وجه إقامة علاقات طبيعية مع «إسرائيل»، لكن ما توقفت عنده، هو أنها صدرت في من صدرت عنهم، عن صديق يقول إنه نسوي، ومتحمس للقضية النسوية بشكل كبير. الصديق نفسه يحتفل بغارات «أولاد العم» على مواقع عسكرية سورية!
في الحقيقة، ينطلق استغرابي من تساؤل عصف في رأسي، تساؤل ينبع من فهمي للنسوية نفسها. فالنسوية التي ترفض التمييز بين المرأة والرجل، انطلقت في رفضها من أن هذا التمييز ناتج عن استضعاف المرأة، وهذا في الحقيقة مكرّس في الشرق أكثر مما هو مكرّس في الغرب حسب معرفتي. فالنسوي، أو النسوية، يستند / تستند إلى حقيقة أن المرأة أضعف من الرجل، وهذا ما يجعل كثيراً من سلوكياتها مرتبطاً بخوفها من الذكر، وبالتالي فتلك السلوكيات صادرة عن شخص غير حر. (هذه النظرية تفترض أن الرجل حرّ في مجتمعاتنا، وأن عنفه ليس منتجاً طبيعياً لسلم الاستبداد الذي يشكل بنية المجتمع كاملة. وأنا هنا أستعير مصطلح «سلم الاستبداد» من مصطفى حجازي في كتابه سيكيولوجيا الانسان المقهور). 
ومع غض النظر عن أسباب استبداد الرجل، فهو في بلادنا مستبد على المرأة من دون شك. (باستثناءات طبعاً، وأظنها استثناءات قليلة).

هل يمكن أن تكون النسوية قضية المرأة فقط؟ أم أنها قضية الحكم الذكوري بعينه، المتجسد في الظلم والإكراه والكذب والاستبداد في كل العالم؟
إذاً، النسوية هنا في جوهرها مناهضة للاستضعاف، وهي بالضرورة مناهضة للظلم، لأن جزءاً من جوهرها فكرة تحقيق العدالة للمرأة. (أيضاً هذا الافتراض يكرس أن هناك عدالة محققة للرجل، لذلك سنقول: العدالة في القضايا الخاصة بالتمييز القائم على النوع الاجتماعي، ليكون الطرح أوضح).

هل يمكن أن تكون النسوية قضية المرأة فقط؟ أم أنها قضية الحكم الذكوري بعينه، المتجسد في الظلم والإكراه والكذب والاستبداد في كل العالم؟

تحدد النسوية رؤاها بوضوح، فهي ضد التمييز، ضد الاستضعاف، وكذا، هي مع العدالة.

بعد هذا التقديم، أريد أن أمارس هوايتي في طرح التساؤلات: هل اتفقت المنظومة الإمبريالية في العالم على حصار الشعب الفلسطيني، بل وتحكيم أطراف مخيبة به، وهي إما أطراف مؤدلجة أو متواطئة؟؟ بالتالي، هل كان مما نتج عن ذلك إما اتفاقيات سلام خانعة، أو عمليات قصف وتشريد «إسرائيلية» شديدة تستهدف الفلسطينيين؟ ألا تشبه عمليات «سلام» مبنية على الظروف وليس الحق، قبول زوجة بضرب زوجها لها، بحجة: وين بدي روح بولادي؟ (استضعاف).
ألا تستخدم «إسرائيل» عنفاً مفرطاً اذا ما رفض أحدهم أن تبني مستوطنة مكان كرم الليمون الذي زرعه منذ 60 عاماً؟ (ظلم / عدالة). 
ألا تميّز «إسرائيل» يهودها، عن السكان المحليين من أديان أخرى، بل وحتى تمارس التمييز داخل التقسيمات اليهودية نفسها؟ (تمييز).
إلخ..
اعتماداً على هذه المقاربة البسيطة، أسمح لنفسي مجدداً أن أطرح سؤالاً حقيقياً وجدياً، موجهاً إلى كل الذين تعمقوا في فهم النسوية: 
هل يمكن أن تكون النسوية قضية المرأة فقط؟ أم أنها قضية الحكم الذكوري بعينه، المتجسد في الظلم والإكراه والكذب والاستبداد في كل العالم؟ ألا تشكل النسوية سعياً إلى تجسيد قيم الأنوثة؟ وبالتالي فهي سعي فكري وفلسفي إلى العدالة والحب والسلام؟؟
هل يمكن أن يكون الشخص نسويّاً، من دون أن يفهم جذر النسويّة؟ نسويّاً ولا يستنكر سلوكيات «إسرائيل»؟

يستنكر، وهذا أضعف الإيمان!
واستطراداً، هل يمكن أن يكون واحدنا نسويّاً ومؤيّداً للاستبداد في الوقت نفسه؟ ومبرّراً لقصف وتهديم عشرات المدن السورية وقتل وتشريد أبنائها؟
وهل يمكن أن يكون نسويّاً ومؤيّداً لحصار السوريين، وتضييق الخناق عليهم أكثر فأكثر؟
اعتقادي أن كل ما تقدّم غير ممكن، ولذلك قدمت المقال بأن عرّفت صديقي ذلك بأنه «يقول إنه نسوي». وفي الحقيقة، لا يكفي أن نقول. أوليس كذلك يا بلادنا التي تعيش على الكلام؟؟
لطالما اعتمدت في طروحاتي على الأسئلة، لذلك ما زلت أتعامل مع ما أقوله على أنه سؤال، ولكنني أكذب إن قلت لكم إنني أنتظر إجابات مختلفة. أنتظر الزمن الذي تصبح فيه المعرفة، والقضايا قناعات لا موضات. السوق يفرض لون الموسم، وموضة البنطال، يجعلك ترتدي اللون والموديل من دون أن تسأل لماذا؟ بل أنت تدافع عن سببك البسيط «هي موضة السنة».
أما القضايا والحقوق، فلا ينبغي أن تعرض في السوق، وليست لها موضة، وإذا ما تعاملنا معها بوصفها موضة، و«ترينداً»، و«هاشتاغاً»، فلن نفهمها، وبالتالي لن نستطيع الدفاع عنها، لذلك ستبصقنا عند أول إعلان تتغير فيه مواقف المانحين من قضايانا.

هامش

ظهرت آنّا ليند وزيرة خارجية السويد في أحد اللقاءات التلفزيوينة، وانتقدت العلاقة بين الولايات المتحدة و«إسرائيل»، قالت إنها بشكل شخصي ستقاطع المنتجات «الإسرائيلية» في السويد، وسألت «كيف نستسيغ الاحتجاج على قتل الدب الأبيض في القطب الشمالي لصناعة الفراء، ولا نحرك ساكناً إذا قتلت الدبابات أسرة فلسطينية بأكملها؟!» 
في ١٠ أيلول من العام ٢٠٠٣، وأثناء التسوق من متجر «نورديسكا كومبانيات» وسط استوكهولم، قام ميخائيل ميخائيلوفيتش (٣٢ سنة)، السويدي من أصل صربي، بطعنها  طعنات نافذة عدّة، وتوفيت بعد يوم واحد.
كانت آنّا صادقة جداً في الاحتجاج على قتل الدببة البيضاء في القطب الشمالي، وتفهم معنى احتجاجها.


Share!

لا يتبنى «صوت سوري» أي توجه مسيس للملف السوري ولا تقف وراءه أي جهة سياسية.
نحن نراهن على دعمك لنا في الوصول إلى جميع السوريين والسوريات.

إذا رأيت أن خطابنا يستحق الوصول انشري / انشر هذا المقال من فضلك

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها