× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

حرائق سوريا: كوارث بلا «ناجٍ وحيد»!

عقل بارد - على الطاولة 17-10-2020

المقارنة بين الأشجار التي نخسرها في سوريا بشكل موسمي ودوري، وبيننا - نحن السوريين -ليست مقارنة أدبية أو شعرية، فتتبع الحرائق وتوزعها وانتشارها وأسبابها ونتائجها، سيقود إلى نتيجة يمكن أن تقارب بشكل كبير ما مررنا به – وما زلنا - خلال الحرب

الصورة: مما تم تداوله عبر مواقع التواصل الاجتماعي

برغم حجم الفاجعة التي ضربت بالتزامن ثلاث محافظات سوريّة (حمص وطرطوس واللاذقية)، وتمثلت بحرائق طالت غابات ومناطق حراجية وبساتين وأشجاراً مثمرة، فإن اعتبار تلك الحرائق حدثاً طارئاً أو مفاجئاً ليس أمراً دقيقاً. 
يمكن القول إن ما حصل في الأسبوع الماضي، هو نتيجة حتمية لسلسلة من العوامل والسلوكيات والتعديات المستمرة. الفارق الجوهري بين هذه الحرائق وما سبقها، هو وصولها إلى بساتين وأراض زراعية تمثل لسكانها مصدر رزق وحيد، الأمر الذي زادها مأسوية.
وسواء كانت الحرائق مفتعلة، أو غير مقصودة، ثمة عوامل عدة ساهمت في زيادة المساحات المحترقة، وضاعفت حجم كارثة. وجرياً على المعتاد في المشهد السوري، سارعت وسائل إعلام وصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي إلى البحث عن «المؤامرة»، من دون التركيز على جملة أسباب وعوامل شديدة الأهميّة في حصول الحرائق، وانتشارها.

غاباتنا الخضراء.. ثقبنا الأسود

على مدار العقد المنصرم، وقبله حتى، مثلت الغابات والمناطق الحراجية باب رزق لعصابات عدة، امتهنت عمليات تقطيع الغابات وبيع أخشابها حطباً للباحثين عن الدفء خلال فصل الشتاء، إضافة إلى عمليات صناعة الفحم (التفحيم) اللازم للنراجيل، وهي «تجارة» دعمتها شخصيات نافذة. علاوة على شبهات فساد تتعلّق بملف «بيع مخلّفات الغابات المحترقة». ومن المعتاد أن يُعلن عن مزاد لبيع مخلّفات الغابة المحترقة، ليحصل رابح المزاد على الحق في استثمار مخلّفات الغابة، وهي مخلفات يُستخرج منها خشب صناعي، وفحم، وحطب، بنسب متفاوتة تبعاً لحجم الحريق. وغالباً ما يتم التنسيق «من تحت الطاولة» بين إدارة الجهة المسؤولة عن المزاد، وبين شخصية متنفّذة، بحيث تُدار عملية الإعلان عن المزاد، ومجريات المزاد في حد ذاتها بما يضمن رسوّه على واجهة تمثّل الشخصية النافذة، أو تعمل معه.

طالت الحرائق الأخيرة نحو 4500 هكتار أراضٍ حراجية، ونحو 6937 هكتاراً زراعيّاً في محافظات حمص وطرطوس واللاذقية، وتسببت بخسارة 140 ألف شخص بيوتهم وبساتينهم

مع اندلاع الحرب، والانفلات الأمني، زادت التعديات المستمرة على المساحات الخضراء في سوريا، سواء في مناطق سيطرة الحكومة، أو في مناطق سيطرة المعارضة المسلحة، بالتوازي مع ارتفاع أسعار الوقود وزيادة الطلب على الحطب. علاوة على الاعتداءات الناجمة عن الأعمال القتالية، سواء عمليات القصف الصاروخي والمدفعي، أو حتى عمليات الإحراق المتعمدة بهدف التشويش.
نشرت شبكة «أريج» للصحافة الاستقصائية العام 2018، تحقيقاً بعنوان غابات إدلب الخضراء.. ضحية أخرى للحرب في سوريا. يرصد التحقيق عمليات الاعتداء على غابات إدلب، التي تمثل حوالى 13 بالمئة من مساحة المحافظة. تضم إدلب نحو 70 موقعاً حراجياً، وتحوي أكثر من 18 مليون شجرة، وتعدّ ثاني منطقة خضراء في سوريا بعد اللاذقية. تمثل غابات إدلب حوالى 18 بالمئة من غابات سوريا، في حين تمثل غابات اللاذقية حوالى ثلث الغابات السورية.
وبحسب التحقيق، تجري عمليات الاعتداء على الغابات بشكل منظم، تحت إشراف فصائل عسكرية لم تتم تسميتها. وخسرت إدلب نتيجة الاعتداءات، والحرائق المندلعة، ونتيجة الأعمال القتالية وعمليات القصف، نحو 70 بالمئة من غاباتها ومواقعها الحراجية. وهي خسائر قد تحتاج إلى مئات السنين لتعويضها.
الإحصاءات التي أوردها التحقيق تعود للسنوات السبع الأولى من الحرب (بين عامي 2011 و2018)، ما يعني أن الأرقام قد ارتفعت مع استمرار الاعتداءات. 
تحقيق استقصائي آخر، حمل عنوان حرب على غابات الساحل السوري... من يحرقها عمداً؟ تم تنفيذه بدعم من شبكة الصحافة الاستقصائية العراقية «نيريج»، ونشر العام الماضي 2019، خلص إلى أن الحرائق عبر سنوات الحرب بين 2010- 2018 التهمت أكثر من ربع مساحة غابات البلاد، فوصل عددها إلى ألفي حريق مسجلٍ رسمياً، بمساحة إجمالية بلغت 103 ألف هكتار محروق. تجاوز نصيب الساحل منها 800 حريق، بعضها ناتج عن العمليات العسكرية (كما حدث في مناطق رأس البسيط التي خسرت 13 ألف هكتار العام 2013)، علماً أن سلسلة الحرائق والاعتداءات على الغابات استمرت خلال العامين التاليين للتحقيق، الأمر الذي ضاعف الأرقام حتماً.
يوضح التحقيق أن «نسبة الحوادث المتعمدة في الساحل السوري ارتفعت من 41 % بين عامي 1987-1998، إلى أكثر من 90% بين 2011-2018». كذلك؛ سلّط التحقيق الضوء على عصابات تقودها شخصيات نافذة (أشير إليها بالأحرف الأولى من أسمائها) نفذت سلسلة من عمليات الاعتداء على الغابات بهدف التحطيب والتفحيم والاتجار بها، وسط عجز السلطات المسؤولة عن قمع الاعتداءات أو حتى الحد من منها، برغم إصدار قانون خاص لحماية الغابات والمناطق الحراجية العام 2018 نص على عقوبات صارمة.


أحدث الكوارث

ضربت سلسة الحرائق الأخيرة محافظات اللاذقية، وطرطوس، وحمص، بالتزامن. بلغ عدد الحرائق وفق إحصاءات رسمية 171 حريقاً، منها ما التهم قرى بأكملها. وتسببت بخسارة 140 ألف شخص بيوتهم وبساتينهم (وفق إحصاءات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في سوريا)، في حين ذكرت إحصاءات صادرة عن وزارة الزراعة السورية، أن الحرائق طالت نحو 4500 هكتار أراضٍ حراجية. أي بنسبة 6.9 بالمئة من إجمالي مساحة الحراج في المحافظات الثلاث، بالإضافة إلى نحو 6937 هكتاراً زراعيّاً، ما يشكل 6.7 بالمئة من مجموع الأراضي الزراعية في تلك المحافظات، أي أن مجموع المساحات المتضررة كان 11448 هكتاراً، بنسبة 5.9 بالمئة من مجموع المناطق الزراعية والحراجية في المحافظات الثلاث.

بين عامي 2010 و2018 التهمت الحرائق أكثر من ربع مساحة الغابات السورية، ووصل عددها إلى ألفي حريق مسجلٍ رسمياً، بمساحة إجمالية بلغت 103 ألف هكتار محروق

وبعيداً عن البحث وراء السبب المباشر لهذه الحرائق، ثمة عوامل عدة ساهمت في توفير البيئة المناسبة لاندلاعها وتوسيع دائرتها، أبرزها إهمال الجهات المسؤولة عن الغابات والمناطق الحراجية لتلك المناطق، وعدم تعشيبها، أي تنظيفها من الأعشاب الجافة التي تمثل وقوداً سريع الاشتعال، يسهم في سرعة انتشار الحرائق، خاصة مع اشتداد حركة الرياح الشرقية الجافة في فصل الخريف.

يعيد البعض سبب عدم تعشيب تلك المناطق ومراقبتها بشكل جيد إلى ضعف الموارد المتاحة، سواء الموارد البشرية التي استنزفتها الحرب، أو بسبب عدم وجود الآليات الكافية، بالإضافة إلى عدم توافر الوقود لتشغيلها. جميع العوامل السابقة هي عوامل تراكمية ناجمة عن الحرب بشكل مباشر، تضاف إلى الاعتداءات المقصودة المستمرة.
أما المناطق المزروعة، فتعاني من عدم قدرة المزارعين على تلبية متطلبات الزراعة، بسبب ارتفاع التكلفة، وعدم توافر المواد اللازمة للعناية. فضلاً عن عدم تحقيق الأراضي مردوداً يغطي التكاليف بسبب تدهور القيمة الشرائية لليرة السورية، وتراجع عمليات التصدير بشكل كبير.
كذلك، كشفت الحرائق الإهمال الشديد الذي تعاني منه قطاعات الدفاع المدني، التي تعمل وفق إمكانات بدائية، الأمر الذي ساهم في توسيع دائرة الحرائق وعدم السيطرة العاجلة عليها.

الزيتون السوري.. كان زمان!

أشجار الزيتون كانت الخاسر الأكبر من سلسلة حرائق الساحل السوري. ووفق رئيس اتحاد الفلاحين في اللاذقية حكمت صقر، طاولت الحرائق 3,370,000 شجرة زيتون تقريباً، من أصل 11,500,000 شجرة في محافظة اللاذقية. بالإضافة إلى 1,340,000 شجرة ليمون من أصل 10,305,000 شجرة في اللاذقية، و220 دونماً مزروعاً بالخضروات، و1100 خلية نحل.

وتزامنت الحرائق مع موسم قطاف الزيتون، الذي يمثل أحد أبرز المزروعات التي يعتمد عليها سكان أرياف الساحل السوري الفقيرة، ومصدر الدخل الوحيد لنسبة كبيرة من المزارعين.
وتختلف الأضرار التي خلفتها الحرائق في أشجار الزيتون. بعض الأشجار قد يحتاج إلى عام أو عامين ليعاود الإثمار، في حين تحتاج بعض المناطق إلى زراعة أشجار جديدة، ما يعني أنها تحتاج فترة قد تصل خمس سنوات لكي تثمر، وهي فترة طويلة لا يمكن أبناء تلك المنطقة انتظارها.
واحتلّت سوريا في العام 2006 المركز الرابع عالمياً في إنتاج الزيتون، أما العام الماضي فحلّت في المركز الثالث عربياً، وفق إحصاءات «المجلس الدولي للزيتون». ووفق الإحصاءات ذاتها، احتلّ السوريون صدارة الشعوب العربية التي تستهلك زيت الزيتون، بمعدل 4.5 كيلوغرام سنوياً للفرد الواحد.
تتركز زراعة الزيتون في سوريا بشكل رئيسي في ثلاث مناطق: الساحل السوري، وإدلب، وريف حلب الشمالي (عفرين ومحيطها). وتعرّضت هذه الزراعة إلى أضرار متلاحقة، سواء في إدلب التي خسرت جزءاً من أراضيها بسبب الحرب، ويعاني مزارعوها من سطوة «هيئة تحرير الشام» التي تفرض رسوماً وإتاوات متزايدة تحت مسمى «زكاة» وسط صعوبة تسويق الزيتون وزيته، أو في عفرين التي تعرضت أشجارها لاعتداءات متواصلة، وتحول الزيتون فيها إلى مصدر مالي أساسي لبعض الفصائل، أو في الساحل أحدث المناطق المنكوبة.


Share!

لا يتبنى «صوت سوري» أي توجه مسيس للملف السوري ولا تقف وراءه أي جهة سياسية.
نحن نراهن على دعمك لنا في الوصول إلى جميع السوريين والسوريات.

إذا رأيت أن خطابنا يستحق الوصول انشري / انشر هذا المقال من فضلك

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها