× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

أطفال بلا جنسية: سوريون مع وقف التنفيذ!

حكاياتنا - خبز 11-01-2021

من بين المشكلات الهائلة التي يعاني منها أطفال سوريا في العقد الأخير، جريمة حرمانهم من الجنسيّة، وتحولهم إلى أرقام على لوائح الـ«بدون». يحدث ذلك نتيجة جملة تعقيدات، تطاول في الدرجة الأولى السوريين في مخيمات الداخل، وفي دول الجوار

الصورة: (مفوضية شؤون اللاجئين)

«لا وثائق رسميّة تثبت وجود هؤلاء الأطفال، لدينا بطاقة حماية مؤقتة من تركيا فقط، ولا تعد هذه البطاقة وثيقة يمكن الاعتماد عليها»، بهذه الكلمات يصف قصي وضع أطفاله الأربعة الذين ولدوا خلال السنوات التسع الماضية، أكبرهم ولد في ريف حلب، والثلاثة الباقون ولدوا في تركيا.

يبرر قصي عدم تسجيل أطفاله بعدم توافر المال اللازم لذلك، إذ تكلّف عملية تسجيل الطفل الواحد عبر القنصلية السورية حوالى 600 دولار، وهو «مبلغ كبير لا يمكن لعامل مثلي تأمينه»، يقول، ويتابع شارحاً: «حجز موعد في القنصلية السورية فقط يكلف 200 ليرة تركية (حوالى 26 دولاراً، ما يعادل 75 ألف ليرة سورية)، الازدحام شديد دائماً، وحتى لو توافر المال فالعملية شاقة وتستغرق وقتاً طويلاً».

عائلة قصي، ليست سوى واحدة من آلاف العائلات السورية الغارقة في هذه الدوامة، فقضيّة عدم تسجيل الأطفال ليست حديثة أو مستجدة، بل هي واحدة من أكثر المشكلات تعقيداً، نمت - ولا تزال - مع استمرار الصراع، في ظل الانقسامات الشديدة التي تعاني منها البلاد، وعدم تحييد أي ملف عن التسييس.

زواج وأولاد فطلاق... بلا وثائق

قبل نحو عامين، تزوج أحمد ابنة جيرانه، وقام بتسجيل زواجه لدى الحكومة التركية (البلدية) من دون أن يسجّل هذا الزواج لدى الحكومة السورية، ظناً منه أن هذا الإجراء كافٍ. 

بعد عام من زواجه رزق بطفل، وقام بإبلاغ البلدية عن الواقعة أيضاً، قبل أن يكتشف أن جميع الوثائق التي حصل عليها من تركيا غير معترف بها.
يشرح أحمد أنه بعد مشكلة وقع فيها، اكتشف أن الوثائق التي يملكها هي مجرد مستندات يمكنه أن يقدمها للحكومة السورية عن طريق القنصلية، للحصول على وثائق معترف بها. وتنحصر إمكانية تسجيل المواليد رسميّاً بالحكومة المركزية، باعتبارها الممثل الوحيد للدولة السورية المعترف به دولياً، الأمر الذي ينطبق على كل الوثائق الرسمية. 

يقول أحمد: «الأوراق التي حصلت عليها عبارة عن عملية تنظيمية داخلية لوجودنا نحن اللاجئين في تركيا، لا أكثر».

بعد سنوات قليلة يغدو قسم من الجيل الذي ولد خلال الحرب شاباً، ما يعني أن نسبة كبيرة من الأطفال الفاقدي الجنسية، سيتزوجون، وينجبون أطفالاً بلا جنسية أيضاً!

قرر أحمد تسجيل زواجه وفق الأسس المعترف بها، لكن المبالغ الكبيرة التي طلبها أحد مسيري المعاملات دفعته إلى عدم إتمام المعاملة، خصوصاً بعد أن أقنعه عدد من أصدقائه بأن حالته ليست فريدة من نوعها، وأنهم جميعاً لم يقوموا بتسجيل واقعات الزواج، ولا حتى تسجيل أطفالهم.

يقول الشاب «أحد أصدقائي تزوج قبل ثلاث سنوات وأنجبت زوجته طفلاً، قبل أن تقع مشكلة بينهما ويقوم بتطليقها والزواج من امرأة أخرى، من دون أن يسجل زواجه الأول وابنه، ولا حتى زواجه الثاني».

تسجيل التفافي!

في العام 2017 استغلّت أماني فرصة عيد الفطر، ومنح الحكومة التركية فرصة للسوريين لدخول سوريا من دون فقدانهم وثيقة الحماية المؤقتة، في إجراء يتكرر بشكل شبه دوري في المناسبات والأعياد. 

اصطحبت السيدة طفلها البالغ من العمر عاماً ونصف العام، وعبرت الحدود لتتجه إلى مدينة حلب، وتقوم بتسجيل الطفل بعد انقضاء عطلة العيد.

تشرح أماني أنها تمكّنت من تسجيل ابنها بسهولة بعد أن أبرزت شهادة ميلاده التركية. قبلت دائرة السجلات المدنية (النفوس) بالوثيقة، وقامت بتسجيل الطفل في دفتر العائلة، تقول السيدة: «لم تكلفني العملية إلا أجرة التنقل من ريف حلب إلى حلب، فقد قامت حافلات تركية بنقلنا إلى الداخل السوري، ثم نقلونا إلى القرى بواسطة ميكروباصات وحافلات مجانية، لنقوم بزيارة عائلاتنا».

تقول السيدة إنّ كثيراً من النساء يدخلن من تركيا، ويقمن بتسجيل أطفالهن في سوريا بالطريقة ذاتها، في ظل عدم تمكن أزواجهن من القيام بتلك المهمة داخل سوريا لمخاوف أمنية، وفي ظل التكاليف الباهظة التي يتوجب دفعها في حال قررت العائلة تسجيل الأطفال عن طريق القنصلية السورية.

تعتبر أماني نفسها محظوظة لأنها تزوجت في سوريا، وقامت بتسجيل زواجها قبل أن تسافر إلى تركيا، فقد وفر عليها هذا الأمر عناء طويلاً، ومكنها من تسجيل ابنها بنفسها.

في بعض الحالات تلجأ بعض النساء للحصول على شهادة ولادة من طبيب مختص بالتوليد في مناطق سيطرة دمشق، خصوصاً بالنسبة لحالات الولادة في المخيمات قرب المناطق الحدودية، التي تشرف عليها منظمات قد لا تعترف الحكومة السورية بها. وتكلّف عملية الحصول على شهادة ولادة من طبيب مختص بالتوليد في بعض الأحيان مبالغ طائلة، فهي قانونياً عملية غير شرعية، وقد تعرّض الطبيب للمساءلة القانونية.

تعقيدات متراكمة

في العام 2014 أطلقت مفوضية شؤون اللاجئين حملة دولية بعنوان «أنا أنتمي» تهدف إلى وضع حد لمشكلة انعدام الجنسية، خاصة لدى السوريين، ضمن جدول زمني يمتد إلى عشر سنوات. وتقول المفوضية إن «هناك 10 ملايين شخص عديم الجنسية على الأقل حول العالم، وهم محرومون من حقوقهم الأساسية ويعيشون على هامش المجتمع».

تنحصر إمكانية تسجيل المواليد رسميّاً بالحكومة المركزية، باعتبارها الممثل الوحيد للدولة السورية المعترف به دولياً، الأمر الذي ينطبق على كل الوثائق الرسمية

في شهر تموز من العام 2019، صدر في دمشق مرسوم يقضي بـ«إعفاء المواطنين السوريين الذين تأخروا في تسجيل واقعات الأحوال المدنية، أو في الحصول على البطاقة الشخصية أو الأسرية، من الرسوم والغرامات».

شمل الإعفاء أبناء المناطق التي عادت إلى سيطرة دمشق بعد خروجها عنها سنوات طويلة، كما شملت المهجرين داخل وخارج سوريا، بشرط أن تتم عملية التسجيل خلال عام واحد فقط من تاريخ صدور المرسوم، ما يعني أن مفعوله قد انتهى في شهر تموز الماضي.

عقب صدور المرسوم كثّفت منظمات دولية نشاطاتها التوعوية بضرورة تسجيل الأطفال، والحصول على وثائق رسمية لمنع نمو جيل كامل بلا جنسية، كما قامت بطباعة وتوزيع كتيبات ومنشورات توعويّة تشرح خطوات الحصول على هذه الوثائق.

لا تتوافر إحصاءات دقيقة منشورة حول عدد الأطفال المحرومين من حقهم في الجنسية السورية، وتشير المعطيات الحالية إلى أن الغاية المنشودة من حملات التوعية، ومرسوم الإعفاء من الغرامات، لم تتحقق، فلا يزال قسم كبير من السوريين الموجودين في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، والموجودين في دول الجوار (لبنان وتركيا والأردن على وجه الخصوص) خارج الوثائق الحكومية، ولا يملكون ما يثبت جنسيتهم.

بعد سنوات قليلة يغدو قسم من الجيل الذي ولد خلال هذه الحرب شاباً، ما يعني أن نسبة كبيرة من الأطفال الفاقدي الجنسية، سيتزوجون، وينجبون أطفالاً بلا جنسية أيضاً، الأمر الذي سيزيد من تعقيد المشكلة.

لا يتعلق الأمر بأطفال «مجهولي النسب» ولدوا لآباء أجانب مجهولي الهوية، أو بأطفال وُلدوا من دون زواج، المشكلة هنا تضع وزرها على أطفال جاء واحدهم إلى هذه الدنيا بموجب زواج بين أب معروف وأم معروفة، يحمل كلاهما الجنسيّة السوريّة، لكن الأطفال رغم ذلك لا يملكون أيّ جنسية، ولا يعترف بهم أحد! ما يعني باختصار أنهم على قيد الحياة، ولكنهم يعيشون وكأنهم لم يولدوا أصلاً!


Share!

لا يتبنى «صوت سوري» أي توجه مسيس للملف السوري ولا تقف وراءه أي جهة سياسية.
نحن نراهن على دعمك لنا في الوصول إلى جميع السوريين والسوريات.

إذا رأيت أن خطابنا يستحق الوصول انشري / انشر هذا المقال من فضلك

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها