× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

فوازير حكومية: لعبة الأصفار!

حكاياتنا - حشيش 15-03-2021

اخترع العرب الصفر، وابتكرت الحكومة طرقاً لا تنتهي لاستثماره. «يا لها من حكومة ذكية!» قلت لنفسي، قبل أن أستدرك: «مهلاً هل خططت الحكومة لهذا الأمر فعلاً؟» أم أن الأمر صدفة والحكومة «مبروكة»؟

الرسم: (حسان بليبل - كارتون موفمينت)

كنت أظن أن جارنا مغرم بفايسبوك وإنستغرام، فهو دائماً يحمل هاتفه بين يديه، ويبحلق في شاشة هاتفه حتى أثناء سيره في الشارع.

في أحد الأيام، خطر لي أن أحسب تكاليف طبخة اليوم خلال عودتي من السوق، أخرجت هاتفي وبدأت العمليات الحسابية، لم أكن أشعر بما حولي، فجأة اصطدمت بجاري المغرم بهاتفه، فسقط هاتفانا على الأرض. نظر إلى هاتفي والآلة الحاسبة الظاهرة على شاشته، نظرت إلى هاتفه فوجدت الآلة الحاسبة أيضاً، لم يصب هاتفانا بأي أذى، تبادلنا ابتسامة سريعة، حمل كل منا هاتفه ومضى يتابع عملياته الحسابية.

بعد هذا الموقف، بدأت أراقب جيراني، أصدقائي، معارفي، صرت أنتبه إلى الأحاديث اليومية التي تدور في مجالسنا، في المقاهي، قبل النوم: عمليات حسابية مستمرة مع استمرار انهيار الليرة السورية، والارتفاع المستمر للأسعار، الارتفاع الوهمي طبعاً!

قبل يومين، وبعد أن انتهيت من إجراء عمليات ما قبل النوم الحسابية، انتابتني حالة من «الأوفرثينكينغ» استمرت حتى ساعات الفجر. حاولت أن أفهم كيف يستطيع ملايين السوريين الاستمرار في الحياة، كيف تكفيهم رواتبهم التي تنقص قيمتها يومياً، ماذا يأكلون؟

قبل عامين كانت النكتة السائدة في الشارع السوري أن الموظف يقبض راتبه لكي يتمكن من دفع تكاليف وصوله إلى عمله فقط، اليوم حتى هذا الأمر تغير، ولم يعد الراتب كافياً للوصول!

فكرت في الحكومة المسكينة أيضاً: كيف تستطيع تأمين متطلبات هذا الشعب؟ 

فتحت محرك غوغل وبحثت عن موازنة العام 2021، فوجدتها 8500 مليار ليرة سورية، بينها 7000 مليار ليرة سورية كتلة الرواتب والأجور. «ياه! كل هذه المبالغ تدفعها الحكومة»!؟ قلت في نفسي، قبل أن أبحث عن موازنة العام الماضي. لم تكن تتجاوز 4000 مليار ليرة سورية، تضاعفت الموازنة وزادت كتلة الرواتب، رغم ذلك نقصت!

نهضت من فراشي، أحضرت بضع أوراق، وآلة حاسبة بشاشة كبيرة، وجلست أحاول فهم عدد الأصفار في كل هذه الأرقام.

خلال العمليات الحسابية، فوجئت بأن الموازنة العامة للدولة انخفضت رغم زيادة عدد الأصفار، انخفضت وفق السعر الرسمي للدولار وليس سعر السوق السوداء الذي تجاوز الثلاثة أضعاف، فموازنة العام الماضي كان تساوي بحسب السعر الرسمي أكثر من 9 مليارات دولار، بينما موازنة هذا العام تبلغ نحو 6.5 مليار دولار فقط.

بعد أن تهت في دوامة الأرقام، قررت أن أجري حسابات من نوع آخر: متوسط راتب الموظف الشهري في سوريا قبل 10 سنوات كان يعادل نحو 250 دولاراً، العام الماضي 2020 كان يعادل نحو 65 دولاراً (إذا افترضنا أن متوسط الرواتب 65 ألف ليرة سورية، علماً أن سعر الصرف كان العام الماضي في مثل هذه الأيام نحو 1000 ليرة سورية).

هذه المقارنة تعني أن الموظف يقبض حالياً أقل من ربع راتبه العام الماضي، أضف إلى ذلك ارتفاع أسعار السلع، ورفع الدعم الذي يجري بشكل تدريجي عن السلع والخدمات التي كانت «تمننا» بها الحكومة، رغم أن معظمها حبر على ورق وكلام في وسائل الإعلام فقط، ولا يصل المواطن منها شيء!

«يا لها من حكومة ذكية!» قلت لنفسي، قبل أن أستدرك: «مهلاً هل خططت الحكومة لهذا الأمر فعلاً؟» هل يحمل الوزراء والمستشارون الاقتصاديون آلات حاسبة عملاقة ويجرون عمليات حسابية معقدة ويدفعون الدولار إلى الصعود، أقصد الليرة إلى مزيد من الانهيار، أم أن الأمر صدفة والحكومة «مبروكة» ييسر الله أمرها؟

تذكرت أحد الألغاز التي كان معلمنا في المرحلة الابتدائية يطرحها علينا باستمرار: «شيء كلما زاد نقص، ما هو»؟ كان الجواب حينها: عمرنا، الآن يمكن تعديل الجواب: عمرنا ورواتب الحكومة وميزانياتها ذات الأصفار التي لا تنتهي. 

اخترع العرب الصفر، وابتكرت الحكومة طرقاً لا تنتهي لاستثماره.

رنّ جرس المنبه، ما يعني أن الوقت حان لارتداء الثياب والذهاب إلى العمل، ألقيت نظرة على محفظتي، لأعرف كم معي من نقود، رأيت ورقة الخمسة آلاف الجديدة، وبجانبها ورقة الـ 2000 ليرة، وبضع ورقات من فئة الـ 500. ضحكت بصوت مرتفع: «يا لغبائي، هل كان عليّ أن أسهر كل هذا الوقت، وأن أفوت على نفسي النوم والأحلام من أجل كل هذا الهراء»؟!

خرجت من المنزل مسرعاً، فتحت تطبيق الآلة الحاسبة على هاتفي، وبدأت أحسب ما يمكنني شراؤه اليوم، وكيف سأستطيع تأمين الطعام لعائلتي، مررت بجانب جاري الذي كان في طريقه إلى العمل أيضاً، أومأ كل منا للآخر من خلف آلته الحاسبة.


Share!

لا يتبنى «صوت سوري» أي توجه مسيس للملف السوري ولا تقف وراءه أي جهة سياسية.
نحن نراهن على دعمك لنا في الوصول إلى جميع السوريين والسوريات.

إذا رأيت أن خطابنا يستحق الوصول انشري / انشر هذا المقال من فضلك

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها