× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

أطفال قتلى بأيدي الأهل.. ليست مجرد حوادث

عقل بارد - على الطاولة 26-04-2021

لم تترك الحرب السورية باباً لاضطهاد الأطفال إلا وفتحته على مصراعيه. أحدث النكبات على هذا الصعيد، تزايد الجرائم التي يرتكبها أمهات وآباء بحق الأطفال، في منحى تصاعدي يكاد يتحول إلى ظاهرة

الصورة: (Miguel - فليكر)

بعد تفكير عميق، وتخطيط مسبق، حمل بندقيته واتجه إلى حيث ينام ابنه وابنته. عشر رصاصات اخترقت جسديهما قبل أن تفرغ البندقية، ويفارق الطفلان الحياة، من دون أن يعلما حتى سبب إعدامهما على يد أبيهما الذي أصر أنه ارتكب جريمته لأن سلوكهما لا يعجبه، فابنه كان يسهر مع أصدقائه، وابنته تمسك الهاتف لأوقات طويلة!

ظاهرة «مألوفة»!

لا يكاد يمر شهر في سوريا من دون أن تضج مواقع التواصل الاجتماعي بأخبار حول جريمة قتل راح ضحيتها طفل أو طفلة بيد أحد الوالدين، أو حول تعذيب تعرض له طفل أو طفلة على يد أحد الوالدين أو كليهما، وكاد يودي بحياته /ـا.

بين أب ركل طفله الرضيع لأنه بكى، فأرداه قتيلاً! وآخر أقدم على قتل عائلته كاملة قبل أن ينتحر، وثالث قتل ابنته لأنها «لم تشطف الدرج»! علاوة على جرائم أخرى تتخللها عمليات تعذيب وحشية، تمكن ملاحظة التصاعد المطرد لهذا النوع من الجرائم في معظم الجغرافيات السورية، حتى في مخيمات اللجوء.

ورغم قسوة ووحشية هذه الجرائم، فإن تزايدها قد يكون أمراً «منطقياً» بناء على المعطيات والظروف المحيطة بها، وعدم التصدي لها بشكل جدي في ظل استمرار الحرب. 

في العام 2018 كشفت إحصاءات رسمية سوريّة أن حالات العنف الأسري ارتفعت بنسبة 25% مقارنة بالعام الذي سبقه.

في العام ذاته، شهدت محافظة إدلب التي تسيطر عليها «هيئة تحرير الشام» ارتفاعاً ملحوظاً في عدد جرائم العنف الأسري ضد الأطفال، الأمر الذي تداولت تفاصيله تقارير إعلامية عدة. 

وفي ظل عدم إمكانية الحصول على إحصاءات دقيقة حول هذا النوع من الجرائم في سوريا، سواء بسبب الحرب وما خلفته من انهيار في المنظومة الأمنية وعدم الإبلاغ عن هذه الحوادث، أو بسبب قلة الجهات المحايدة المهتمة بتقديم هذا النوع من البيانات التي دخلت لعبة السياسة وتقاذف الاتهامات بعدم القدرة على ضبط الأوضاع الأمنية، يمكن الجزم بأن ما يتم نشره وتداوله حول هذه الجرائم أقل بكثير مما يحدث على أرض الواقع.

في الأسباب

لا يمكن الجزم بسبب محدد يقف وراء هذا النوع من الجرائم، إلا أن ازديادها الملحوظ خلال الأعوام القليلة الماضية يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالأوضاع الاقتصادية المتدهورة التي تعيشها البلاد، والانتشار غير المسبوق للأمراض النفسية التي خلفتها الحرب، بالإضافة إلى عوامل أخرى تتعلق بانهيار المنظومة الأخلاقية، وتفتت البنى المجتمعية.

مثل كل الملفات المتعلقة بأطفال سوريا، دخل ملف العنف الأسري دوامة لعبة السياسة، وتقاذف الاتهامات بعدم القدرة على ضبط الأوضاع الأمنية

وتمكن ملاحظة اقتران ارتفاع عدد هذا النوع من الجرائم بالأوضاع الاقتصادية في دول أخرى أيضاً، فدولتا مصر والعراق شهدتا ارتفاعاً كبيراً لهذه الجرائم، بالتزامن مع التراجع الاقتصادي الكبير فيهما.

كذلك، تربط دراسات عدة بين ارتفاع عدد حالات العنف الأسري ضد الأطفال، وبين وباء كورونا وما رافق تفشيه من تراجع اقتصادي وإجراءات الحظر الإلزامي.

وحذرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) من تصاعد أعداد الأطفال المعنفين جسدياً حول العالم خلال المكوث لأيام طويلة في المنازل بسبب إجراءات الحد من انتشار الفايروس.

كذلك؛ ذكرت منظمة «أنقذوا الأطفال» أن نتيجة مسح أجرته في 37 دولة بيّنت أن 32 % من الأسر التي شاركت في المسح، فيها طفل أو ولي أمر تعرض للعنف في المنزل.

أشد مضاضة

من المؤكد أن الحرب التي تشهدها سوريا لم تدع باباً لإيذاء الأطفال إلا وفتحته على مصراعيه، ليقع الأطفال ضحايا القصف التجنيد، والتحرش، والاعتداء الجنسي، والتشرد، والفقر، والجوع، والحرمان من التعليم، وأخيراً التعذيب والقتل.

وفيما يفترض أن يجد الأطفال في المنازل، وبين الأسر حدّاً أدنى من الأمان، تأتي الجرائم المتصاعدة لتنسف تلك المسلّمات البديهية، وتحول البيت في مرات كثيرة إلى ساحة إعدام، ومعتقل تمارس فيه أقسى أنواع التعذيب، ما يخلق مشهداً متناقضاً بين بديهية الدفء والأمان الفطري الذي يفترض أن يؤمنه الآباء والأمهات، وصدمة الجرائم الوحشية التي يرتكبها البعض.

نشر «صوت سوري» في وقت سابق ملفّاً بعنوان «أطفال سوريا... خطايانا المركّبة»، تناولنا فيه بشكل مفصل الأوضاع التي يعيشها الأطفال في سوريا، والخسائر التراكمية من جراء سلوك الكبار، وحروبهم، وقوانينهم التي لا تحمي الأطفال. 

وبرغم قسوة المشهد الذي حاول الملف وقتها الإحاطة بتفاصيله، لم تكن جرائم القتل الأسرية أحد أركانه الرئيسية، إذ لم تكن وتيرة الجرائم مشابهة لما بات عليه الحال اليوم، ما يرسم بدوره صورة أكثر سوداوية للواقع الذي يعيشه أطفالنا، في ظل استمرار الأسباب التي أدت إلى هذا التدهور، وعدم اتخاذ أي إجراءات فعلية وحقيقية لحماية الأطفال بشكل عام، فكيف إن كان المطلوب الحماية من ظلم أشد مضاضة، يرتكبه الأهل؟!


Share!

لا يتبنى «صوت سوري» أي توجه مسيس للملف السوري ولا تقف وراءه أي جهة سياسية.
نحن نراهن على دعمك لنا في الوصول إلى جميع السوريين والسوريات.

إذا رأيت أن خطابنا يستحق الوصول انشري / انشر هذا المقال من فضلك

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها