× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

اغتيال المالكي وما بعده: هكذا تلاعبت إذاعة دمشق بوقائع المحاكمة

عقل بارد - أوراقنا 26-06-2021

نواصل استعراض مذكرات الإعلامي الشهير عبد الهادي البكار، وتحديداً ما يرويه عن اغتيال عدنان المالكي. البكار، يعبر عن اقتناعه التام بأن الجريمة استثمرت سياسياً، كما يعترف بممارسات فاسدة لإذاعة دمشق في نقل وقائع محاكمة عدد من كبار الشخصيات السياسية في تلك الحقبة

بعد ساعات من اغتيال عدنان المالكي، أُعلن أن رقيباً في الشرطة العسكرية يدعى يونس عبد الرحيم¹ هو الذي أطلق الرصاص عليه، ثم أعلن أنّ عبد الرحيم انتحر بإطلاق الرصاص على نفسه بعد اغتياله المالكي.

يقول الإعلامي الشهير عبد الهادي البكّار في مذكراته إنّ ما حدث بعد ذلك، هو اندفاع رجال الشرطة العسكرية إلى مقر قيادة وبيوت منتسبي الحزب السوري القومي، ليعتقلوا العشرات من دون أي تفويض قانوني من أي جهة، وليس في دمشق فقط، بل وفي المحافظات كافة. 

في 29 تموز/يوليو 1955 نشرت الحكومة السورية قرار الاتهام متضمناً حلّ الحزب، وتسريح كل الموظفين المنتمين إليه، مع تقديم 140 من قادته إلى المحاكمة من دون أي دليل، مع طلب اﻹعدام لثلاثين منهم، ومن بينهم جورج عبد المسيح زعيم الحزب، وجولييت المر زوجة أنطون سعادة، وعصام المحايري رئيس تحرير جريدة الحزب (البناء) التي أحرقتها الجماهير الغاضبة في دمشق، والدكتور سامي الخوري، والمقدّم غسان جديد.

في المحاكمة، اتٌّهم القوميون بأنهم زودوا مكتب المعلومات اﻷميركي في دمشق بمعلومات عن جماعة اﻹخوان المسلمين، وكذلك بمعلومات عن نشاط الحزب الشيوعي في سوريا ولبنان منذ بداية العام 1955. (ص 96).

يقول البكّار إن اﻷحكام التي صدرت بحق القوميين جاءت إثر محاكمات صورية. سارعت محكمة الاستئناف السورية إلى نسخ أحكام المحكمة العسكرية بسبب عدم إتمام استجواب المتهمين ضمن الأصول القانونية، لكن، وبعد تقديم المتهمين الحاضرين إلى المحاكمة أمام دائرة عسكرية أخرى أصدرت المحكمة العسكرية الثانية حكمها المشابه لحكم المحكمة اﻷولى.

لم تكتف السلطات بهذه التصفية للحزب في سوريا، بل إن المخابرات السورية بدأت بملاحقة الضباط العسكريين، والقادة المدنيين للحزب السوري القومي الاجتماعي. هرب هؤلاء إلى لبنان، وعلى رأسهم العقيد غسان جديد (شقيق صلاح جديد الذي سيصبح اﻷمين القطري للبعث بعد العام 1963).

الإعلام يتلاعب بالوقائع

يكشف البكّار مثالاً عن بعض الممارسات الفاسدة في واحد من أخطر القطاعات، وهو قطاع الإعلام، وتحديداً الرسمي.

تكتسب اعترافات البكار أهميتها بشكل أساسي من كونه جزءاً من تلك الممارسات في مرحلة حساسة.

يتحدث الرجل عن كيفية تشويه الإذاعة السورية في كانون الثاني 1957 لمحاكمة الوزير السابق منير العجلاني، وغيره من الشخصيات السورية التي اتهمت بالتآمر ضد البلاد، وكان من بينها شخصيات متعاطفة مع الحزب السوري القومي الاجتماعي، ويربط بين ما آلت إليه تلك المحاكمة، وبين اغتيال المالكي، وتصفية وجود الحزب السوري القومي.

«ما كان يسمعه المواطنون في تلك الأيام بصوتي وبأصوات المتهمين لم يكن هو حقيقةً كل ما كان يجري في قاعة المحاكمة»

يقول في الصفحات 114 - 116 من مذكراته إنه بدءاً من 8 كانون الثاني 1956 كان عليه أن يكون حاضراً (بصفته مذيعاً في إذاعة دمشق) في قاعة مدرج جامعة دمشق، لتسجيل جلسات المحاكمات وما يدور فيها، ثم يعود بشرائط التسجيل إلى الإذاعة السورية ليسلمها الى المحامي نجاة قصاب حسن، الذي كان يجري عمليات المونتاج عليها، ثم يطلب من البكار أن يقرأ بصوته الهادر ما يكتبه هو عن تلك المحاكمة.

يقول البكّار إن «رئيس المحكمة كان العقيد عفيف البزرة ـ شيوعي أو ماركسي ـ والنائب العام كان محمد جراج ـ ناصري ـ وكان المقدّم عبد الحميد السرّاج يحضر كل الجلسات بصفته كاشفاً للمؤامرة».

ويؤكد أن «نجاة قصاب حسن كان يعمل بتعليمات من عبد الحميد السراج، وكان عبر المونتاج يسعى إلى كل ما كان شأنه الإيحاء بأن المتهمين مدانون، بل ويعترفون بأن أحداً منهم غير بريء من التهمة الموجهة إليه». (ص 158).

يقول البكار: «أشهد اليوم بعد مرور حوالى ستة وأربعين عاماً على إذاعة تلك التسجيلات عبر موجات الإذاعة السورية، أن ما كان يسمعه المواطنون في تلك الأيام بصوتي وبأصوات المتهمين لم يكن هو حقيقةً كل ما كان يجري في قاعة المحاكمة التي كانت تهدف الى إطلاق الرصاصة الأخيرة على الحزب القومي» (ص 158). 

ويضيف: «كنت أنفرد وحيداً في أي غرفة كان يمكنني الانفراد فيها، كي أداري خجلي والحزن العميق وعذاب الضمير، فقد كان ما يفعله الأستاذ نجاة قصاب حسن بالأشرطة في لعبة المونتاج يخلق في نفسي حزناً عميقاً». (ص159).

لماذا لم تتحد سوريا مع العراق؟

مذكرات أو «ذكريات» البكار، كما يسميها هو، عن تلك السنوات العاصفة في تاريخ سوريا تأتي متأخرة حوالى نصف قرن، لكنها تسجل له جرأته وصراحته حتى في الانقلاب على ما كان عليه. 

من الأسئلة اﻷخرى التي يطرحها البكّار، ولا يجد لها تفسيراً منطقياً، الاعتراض البعثي السوري على الاتحاد مع العراق، أو حتى مع بقية أجزاء بلاد الشام اﻷخرى، مثل الأردن أو لبنان، على عكس الاستماتة لتحقيق الوحدة مع مصر البعيدة جغرافياً عن الشام.

يقول: «لم ينتبه كثيرون بل جميع المشاركين بقيادة التجربة الوحدوية بين مصر وسوريا، من موقع أو آخر، إلى ما كان يجب التنبه إليه، وهو أن هوية المزاج المصري الجغرافي تختلف عن هوية المزاج السوري، أي أن كلاً من الطرفين كان يجهل هوية مزاج الآخر. ولقد كنت أحد هؤلاء الذين عانوا كثيراً من "تفرعن" الذين تسيدوا علينا خلال سنوات الوحدة السورية المصرية» (ص79).

يعود البكّار في أكثر من مناسبة في كتابه إلى مراجعة ذكرياته عن طفولته، ونشأته، وعمله في الإذاعة السورية، وتبنيه للقومية العربية منذ العام 1954، واندفاعه نحو الرؤية الناصرية، بعد أن تحوّلت السفارة المصرية في دمشق مع وجود السفير محمود رياض - العسكري المخضرم - والملحق العسكري جمال حماد ـ الذي كان حاضراً اغتيال المالكي ـ إلى واحدة من أقوى مراكز القوى السياسية الخارجية في سوريا التي قادت انسحار البعثيين بشخصية عبد الناصر.

كان البكار يرافق الرئيس عبد الناصر في جولاته، وينقلها عبر أثير اﻹذاعة المصرية منذ العام 1962، وكان صوته يصدح تمجيداً لـ«الزعيم الخالد»، و«الرئيس المفدّى»، و«الرجل الذي لا يتكرر» والذي «لم، ولن تنجب مثله البطون مرة ثانية»، إلى آخر ما هناك من أوصاف بتنا بعد السبعينيات نسمعها في مختلف إذاعات العالم العربي.

وينسب إلى البكّار كذلك مصطلح «القائد الضرورة» الذي استخدمه الرئيس العراقي صدّام حسين منذ انقلابه على أحمد حسن البكر، ولكنه لا يذكر ذلك في مذكراته.

¹من قضاء صافيتا في طرطوس، وكان متزوّجاً وله طفلان، وبقيت عائلته محرومة من حقوقها السياسية والمدنية حتى العام 1970

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها

This work by SOT SY is licensed under CC BY-ND 4.0