× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

حكايةٌ سوريّة من كواليس كأس الأمم الأوروبية

عقل بارد - على الطاولة 31-07-2021

أنهيت منذ فترة واحدة من أفضل التجارب التي مررت بها منذ سفري خارج البلاد، إذ عملت متطوعة في تنظيم بعض مباريات كرة القدم ضمن مسابقة كأس الأمم الأوروبية التي اختُتمت قبل أسابيع

الصورة: (Gustave Deghilage - فليكر)

تمهيد ضروري

«سأحكي لكِ نكتة»، تقول لي صديقتي في نهاية حديثنا عبر «ماسنجر»، وتضيف: «لقد عدنا إلى البابور». 

لم أصدق عيني وأنا أقرأ الجملة، لتعاجلني بأنها تتجادل مع أختها على ملكيته، وتفكر في طريقة لاسترداده منها من دون أن تزعجها. 

لا أستطيع أن أعلق بأي جملة. أنتظر منها أن تنهي الحديث، وأنا ألعن كل شيء في سري. 

ليس الأمر متعلقاً بحدث معين، فقد اعتاد السوريون والسوريات تحمل ما لا يحتمل، لكن الموجع في هذه الشهور الماضية أن تفقد النسبة العظمى الأمل في تحسن أي شيء.

أقلب صفحات أصدقائي كل يوم:

شباب في مقتبل العمر يطحنه اليأس، وقد أصاب الصدأ أرواحهم/ن. لا حلم إلا بالخروج من تلك البقعة نحو بلاد أخرى، يشعر المرء فيها أنه على قيد الحياة! 

اعتذار

كنت قد اتفقت مع مسؤولة التحرير على إنهاء هذا المقال منذ أكثر من أسبوعين، وها أنا أعتذر منها عن تأخري بسبب عدم قدرتي على الكتابة عن التجارب التي أعيشها في البلد الأوروبي. 

كلما هممت بإنهاء المقال تسلل إليّ شعور غريب بالذنب، خاصة عندما أتصفح ما يكتبه بعض الأصدقاء والصديقات في الداخل، أو أتلقى اتصالاً من هناك. 

أستخدم كل مهاراتي في الحديث للتحايل على الوجع القادم من الجهة الأخرى، ثم أرمي «اللابتوب» بعيداً عني. 

«هلأ وقت تجاربك»؟ أقول لنفسي كأنني أعتذر عن «اقترافي» فعل الحياة الطبيعية.

في نهاية المطاف أتممت المقال.

متن 

أنهيت منذ فترة واحدة من أفضل التجارب التي مررت بها منذ سفري خارج البلاد، إذ عملت متطوعة  في تنظيم بعض مباريات كرة القدم ضمن مسابقة كأس الأمم الأوروبية التي انتهت قبل أسابيع. 

وحده العجز يفسر تواطؤنا السري على اتخاذ الخطوة ذاتها تجاه بعضنا، كما لو أن الثنائيات السورية ستزداد واحدة لا علاقة لها بالسياسة وتصنيفاتها هذه المرة، بل بالحياة بحد ذاتها! 

أكاد أجزم أنني كنت أكثر المتطوعين والمتطوعات فرحاً، خاصة أنني من عشاق كرة القدم، وقد أتاح لي حظي الجميل أن أشاهد للمرة الأولى في حياتي واحدة من المباريات العالمية من داخل أرض الملعب، من دون أن أضطر إلى دفع ثمن بطاقة الدخول.

لم أصدق نفسي وأنا أدخل واحداً من أكبر ملاعب أوروبا، وأرى أمامي أهم نجوم كرة القدم العالميين، ما جعلني مثار حسد بعض أصدقائي في سوريا، ألتقط الصور وأنشرها على وسائل التواصل، كأنني أعيش في النعيم. 

بيت القصيد 

خلال أسبوعين من العمل، لم يكف عقلي عن المقارنات والتحليلات: لماذا لا نستطيع أن نكون على السوية ذاتها مع الدول المتطورة إلا حين يكون الحدث خاصاً بالسلطة؟ عندها فقط تستنفر كل الإمكانيات! بينما عملوا هنا بكل حرفية لإخراج صورة البلاد في أفضل ما يكون، والاستفادة من الحدث لتشجيع السياحة، وجذب السياح في «زمن كورونا» الصعب. 

كل شيء منظم ومؤتمت، منذ البداية أعلن عن برنامج التطوع الذي استقطب كثراً، سدت الجهة المشرفة النقص في كوادرها بالاعتماد على المتطوعين والمتطوعات، وحاولت تأمين كل ما من شأنه أن يريحهم/ن ويحفزهم/ن على العمل: تطبيق إلكتروني بسيط يخبرك بكل ما يتوجب عليك فعله، مجموعات تواصل اجتماعي لكل فريق، مواعيد منظمة، الدخول والخروج عبر التفقد الإلكتروني، وفحص البطاقة. كل فرد يعرف حقوقه وواجباته، أجهزة اتصال حديثة، وجهة منظِّمة تفضل سمعة بلدها على أي اعتبارات أخرى، وربما هنا بيت القصيد. 

نمد أرجلنا على طول البساط الذي يُراد لنا! 

«كم باتت أحلامنا صغيرة». أقول لنفسي ذلك بينما أرقص فرحاً عند مشاهدة كل مباراة. أرسل لأصدقائي بثا مباشراً، بينما أتعجب من ردة الفعل الباردة لبقية المتطوعين والمتطوعات. 

«مساكين ما عندهم شغف» أبرر ذلك، بينما قد يكون السبب مختلفاً تماماً، قد يكون مثلاً أنهم «ليسوا عديمين» وفي وسع من يشاء مشاهدة أي مباراة في أي وقت، وقد يسافر من بلد إلى آخر فقط كي يشجع منتخب بلاده، كما حدثتني تلك المشجعة التي جاءت لثلاثة أيام فقط، ثم ستغادر إلى بلد آخر كي تشاهد مباراة أخرى مع امتعاضها الشديد من صعوبات السفر بسبب كورونا، وعدم قدرتها على البقاء أكثر. 

أومئ براسي موافقة كلامها، وأكتم ضحكة استهزاء في قلبي. 

هنا يعمل بجد كثير من السوريين والسوريات حتى ولو لم يكن المقابل المادي مناسباً. جلّ ما يهمنا الحصول على قليل من المال يؤمن لنا حياة مقبولة. يبدو أنها الجينات، وأن البلاد قد أورثتنا الرضا بالفتات

أترانا كنا نعيش في قوقعة طوال السنوات الماضية؟ هل كانت بلادنا «أجمل البلدان»؟ أم أننا كنا فقط لا نعرف كيف هي الحياة خارج تلك الأسوار؟ 

هل كنا جميعاً كذلك؟ أم فقط ذلك «الشعب العنيد» الذي كان مطلوباً منه أن «يصمد»، وأن «يدافع عن القضية»؟ 

لقد أورثونا الفتات  

بينما يتحدث قسم كبير من المتطوعين عن ضرورة دفع بدل مادي لقاء الجهد المبذول، أشعر بالفرح الغامر في داخلي، فقد حصلت على حقيبة كاملة من الألبسة الرياضية، ماركة «أديداس». أقول في نفسي: «شو طماعين.. ألا يكفي ما حصلنا عليه؟ حقيبة من الثياب، وجبات طعام على مدار اليوم، وتنقل مجاني في المدينة، شو بدهم أكتر من هيك»؟  

يبدو أننا اعتدنا القبول بأقل الأشياء. اعتدنا انتظار ما سيقدم لنا من «مكرمات»! 

خلال العمل لفتني حرص كثير من المتطوعين والمتطوعات على تقنين الجهد، وأخذ استراحات بين الفينة والأخرى هرباً من أشعة الشمس، أما أنا فلم أكن أفكر في الأمر إلا بعد مضي ساعات طويلة وأنا تحت أشعة الشمس، وأشعر بالخجل عند طلب استراحة ما!

ليس الأمر متعلقاً بي وحدي، فهنا يعمل بجد كثير من السوريين والسوريات، في أي مكان، وأي نوع من الأعمال، حتى ولو لم يكن المقابل المادي مناسباً. جلّ ما يهمنا الحصول على قليل من المال يؤمن لنا حياة مقبولة. يبدو أنها الجينات، وأن البلاد قد أورثتنا الرضا بالفتات، إذ علينا أن تؤدي جميع واجباتنا، ونرضى بما يعرض علينا، وهو ما أصبح أرباب العمل يعونه جيداً: يعمل السوري/ة يعمل بشكل جيد، وسيقبل بأي أجر يعرض عليه/ـا. 

«إنتو السوريين بتشتغلوا كتير منيح»، يقول مشرف العمل في أحد معامل البلاستيك لصديقي بعد أن يعرف جنسيته. 

«قفلة»

قبل أن أرسل المقال إلى مسؤولة التحرير قررتُ أنني سأكف عن متابعة وسائل التواصل الاجتماعي. 

قلت: فلأتصفح فايسبوك للمرة الأخيرة قبل ذلك، ليطالعني كلام لصديقة عشرينية أخذت قراراً مشابهاً. 

تكتب: «لقد قررت أن ألغي متابعتي لكل حسابات أصدقائي في الخارج، ليس لأنني أحسدهم، بل بالعكس أتمنى لهم الخير، لكنني لم أعد أستطيع ان أشاهد مظاهر الحياة هنا وهناك، فيما أنا واقفة في مكاني». 

وحده العجز يفسر تواطؤنا السري على اتخاذ الخطوة ذاتها تجاه بعضنا، كما لو أن الثنائيات السورية ستزداد واحدة لا علاقة لها بالسياسة وتصنيفاتها هذه المرة، بل بالحياة بحد ذاتها! 


Share!

لا يتبنى «صوت سوري» أي توجه مسيس للملف السوري ولا تقف وراءه أي جهة سياسية.
نحن نراهن على دعمك لنا في الوصول إلى جميع السوريين والسوريات.

إذا رأيت أن خطابنا يستحق الوصول انشري / انشر هذا المقال من فضلك

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها