× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

اقتتال أهلي يدقّ أبواب السويداء.. و«الدولة» حاضرة غائبة

عقل بارد - على الطاولة 01-09-2021

في انتظار وصول «الحل السياسي» إلى الجنوب بقرار توافقي ما، تدق الحرب الطائفية والأهلية أبواب السويداء أمام أنظار الدول الفاعلة، وعلى مرأى ومسمع الجهات الحكومية التي تتغاضى عما تريد، وفقاً لمصالحها. بينما يقف الأهالي على أعصابهم في انتظار من يؤمن لهم ثمن رغيف الخبز، أو تذكرة للهجرة!

الصورة: (شبكة أخبار السويداء - فايسبوك)

في الحادي والعشرين من شهر آب المنصرم شهدت قرية الطيبة (الريف الشرقي لمحافظة السويداء) توتراً كبيراً. اجتمعت بعض عصابات الخطف والقتل والسطو المسلح، في خندق واحد مع فصائل ملونة، وأجهزة الدولة الشرطية؛ ضد عصابة مسلحة قام أعضاؤها الخارجون عن الصف بخطف عنصري أمن، بهدف فك أسر قائدهم.

يمكن اعتبار ما حدث في ذلك اليوم صورة مصغرة لما جرى طوال سنوات من عمر المحنة السورية. 

الدولة الحاضرة رغم غيابها 

بقيت الدولة بكل أجهزتها الشرطية والأمنية حاضرة بقوة في كل مفاصل الحياة المدنية في السويداء، وأسست في العام 2012 فصيلاً مسلحاً أطلقت عليه «الدفاع الوطني»، وبعد ذلك أسس حزب البعث كتائبه المسلحة. 

كان كثير من عناصر الفصيلين في الأصل شباناً عاطلين عن العمل، وبعضهم خرج من السجون بموجب مراسيم عفو متتالية صدرت في العامين اللذين سبقا. وكانت بدايات عملهم قمع بعض المظاهرات، وكمثال على ذلك قمعهم بعض العاملين في المجتمع المدني الذين تحركوا لاستقبال موجات النازحين والمهجرين.

شيئاً فشيئاً، وبفعل الشائعات، والتحريض، والتجييش، وخطاب الكراهية، وما إلى ذلك من أدوات استُخدمت لنشر الفتن، سارع كثير من الأهالي إلى شراء السلاح خوفاً من عدو مجهول المعالم.

بعدها بشهور بدأ عدّاد الخطف، وتشكلت عصابات متخصصة، تبع ذلك بدء انتشار المخدرات، لتصبح السويداء بمرور الوقت سوقاً مفتوحة لكل أنواع الحشيش والمخدرات، وممرّاً نحو الأردن الذي يعاني حتى اللحظة من ذلك.

في العام 2014 وقعت «معركة داما» بين «جبهة النصرة»، وعدد من أهالي المحافظة بمساعدة من القوات الحكومية، وانتهت بانتصار المدافعين، لكنها أسست لعداء بين المنتصرين، واتهامات بالخيانة، وولادة أول فصيل مسلح منظم وعلني غير مرتبط بدمشق، وهو حركة رجال الكرامة، التي وفرت غطاء للشبان غير الراغبين بالالتحاق بالخدمة العسكرية، ورفعت شعارات مثل «حماية الأرض والعرض»، «سوريا الموحدة»، وأعلنت أهدافاً مثل «عدم الاقتتال بين السوريين»، و«نصرة المظلومين»، و«تحرير مخطوفين»، وشكلت جسراً للتواصل بين محافظتي درعا والسويداء لـ«نبذ الكراهية وتثبيت السلم الأهلي». 

المعارضون لحركة رجال الكرامة أخذوا عليها اتباعها نهجاً دينياً، وأن معظم عناصرها متدينون، وكثرت الأقاويل عن تبعيتها، وعن أنها «أسست لحالة من الانقسام، وأخذت دور الدولة في حل المشكلات»

خاضت الحركة عدداً من المعارك، وباتت قوة ضاربة تُحسب لها حسابات كثيرة، وتميزت بأنها لا تفرق بين مؤيد ومعارض، وأعلنت عداءها لكل أشكال التغييب والسجن التعسفي والقمع، ما جعل منها هدفاً محتملاً، وبالفعل، اغتيل مؤسسها وحيد البلعوس في أيلول 2015، ومعه عدد من رفاقه بتفجير مزدوج كادت تبعاته أن تحيل السويداء بحراً من دماء. وُجهت أًصابع الاتهام إلى جهاز أمني بعينه، وهو الجهاز نفسه المتهم بـ«تشكيل عصابات ورعايتها». 

المعارضون لحركة رجال الكرامة أخذوا عليها اتباعها نهجاً دينياً، وأن معظم عناصرها متدينون، وكثرت الأقاويل عن تبعيتها، وعن أنها «أسست لحالة من الانقسام، وأخذت دور الدولة في حل المشكلات».

«عام الهجرة»

كان العام 2015 الأقسى على المحافظة، وقد أطلق عليه «عام الهجرة» بسبب موجات الرحيل الجماعية نحو الخارج. والأهم حالة الفرز والاستقطاب التي أصابت المجتمع، وبداية ظهور الفقر والحاجة، واعتماد المجتمع على المساعدات وحوالات المغتربين، فيما تجاهلت مؤسسات الدولة أدوارها: الاقتصادي، والاجتماعي، والأمني.  

تزايد تعقيد المشهد، ولم يكن خافياً على أحد أن دمشق كانت تعتبر السويداء جزءاً من نفوذها بعد أن خسرت الكثير (قبل التدخل الروسي). 

المتتبع لعمل الحكومات السورية على مدى سنوات الحرب؛ يلاحظ أن أعضاءها كانوا يعتبرون السويداء متنفسهم الدائم، ورغم كل ذلك كانت الخدمات الحكومية في أدنى درجاتها، ما جعل النقمة الشعبية تزداد كل يوم، ووصل الأمر حد «خطف مدير مراسم رئاسة الوزراء» وفق رواية تبنتها السلطات في العام 2017، وذلك رداً على الإهمال المتعمد، والوعود التي لا تنفذ بعد كل زيارة. (هناك رواية مضادة تقول إن حادثة الخطف مجرد حادثة مزعومة، اتُخذت مسوغاً لمزيد من الإهمال الحكومي).

الجزئية الهامة التي لا ينساها الأهالي، هي ظهور عصابات التهريب المتخصصة بالمحروقات، وطرقها المحمية، وتعاملها مع «داعش» عبر بادية السويداء الشرقية، وصولاً إلى درعا، وما أفرزه نشاطها من تصدير أشخاص باتوا مع الوقت «النخب الاجتماعية المسيطرة مادياً، والقادرة أمنياً» في السويداء. 

عصابات وفصائل في الواجهة الاجتماعية

التحول الأكبر عاشته المحافظة بعد أحداث 25 تموز 2018، وهجوم تنظيم «داعش» المتطرف على قرى الريفين الشرقي والشمالي، ومدينة السويداء. ولا تزال مفاعيله مستمرة حتى اليوم، وصولاً إلى الاقتتال الداخلي. 

خرجت كل الأطراف منتصرة على «داعش»، (فالنصر له ألف أب)، وكالت بعض الفصائل، وعدد كبير من أهالي المحافظة الاتهامات للدولة بالتخلي عن واجباتها، وتطورت الاتهامات حد الحديث عن وقوفها وراء الهجوم، خاصة مع انقطاع التيار الكهربائي والاتصالات فجر الهجوم الوحشي على المدنيين، فيما كان فصيل حليف للقوات الحكومية يسحب سلاحه من مقاتليه في عدد من القرى. 

بعد المعركة الشهيرة؛ انكفأت الأجهزة الأمنية على نفسها، ولم تعد تتدخل إلا في حالات خاصة جداً، وأخذت العصابات تصعد أعمال الخطف، وسرقة السيارات، والقتل، والإتجار بالمخدرات، وباتت مهمة الفصائل تحرير المخطوفين، وإقامة حواجز طيارة، والاستنفار عند كل حادثة. طالت القضاء حصة كبيرة من هذه الفوضى، فحوصر قصر العدل مرات عدة لتخليص مطلوبين. وبات الخروج من المنازل خطراً مع غياب الشمس. 

من الجزئيات الهامة ظهور عصابات تهريب المحروقات، وطرقها المحمية، وتعاملها مع «داعش»، وما أفرزه نشاطها من تصدير أشخاص باتوا مع الوقت «النخب الاجتماعية المسيطرة مادياً، والقادرة أمنياً»

كل ما تقدم، جعل من قادة الفصائل، ومتزعمي العصابات حكاماً فعليين اجتماعياً، واحتلوا الواجهة، وباتوا يدعون لحل المشكلات. حتى عندما يتعلق الأمر بمشكلة في أحد مفاصل الدولة؛ كان هؤلاء هم الواسطة للحل.

اعتقالات وتسويات

ظهرت قوة أجهزة الدولة ومعها فصائلها الحليفة في أكثر من مناسبة، كما حصل حين حشدت قواها وانقضت على المتظاهرين، واعتقلت عدداً منهم عندما نشطت احتجاجات لأسباب معيشية، وسياسية صيف العام 2020. 

كذلك حشدت قواتها وحاصرت بلدة عريقة معقل أخطر عصابات الخطف، وأنجزت مع أفرادها تسوية شاملة، ليتضح بعد مدة أنها كانت تبحث عن شخص قريب من أحد أركان السلطة، وبدا واضحاً للجميع أنها قادرة على ضبط الأمن بأي وسيلة حين تريد ذلك. 

المفارقة، أن أصواتاً عديدة من بعض الأهالي، والجهات المدنية علت في كثير من المناسبات تطالب الدولة بأخذ دورها في حفظ الأمن، ليأتي الجواب الحاسم كل مرة: «لا نريد دماء في السويداء»، وكأن ما سال على امتداد سنوات كان ماء! 

أُطلق سراح معتقلين بعد ضغط من حركة رجال الكرامة، وتابعت العصابات في عريقة وغيرها عملها بعد أن نال أفرادها تسويات مجانية، ورحلات اصطياف إلى البحر أمام أعين أهالي الضحايا، وظل السؤال المفتوح: إلى متى تبقى الفوضى وانعدام الأمن؟ ومن هي الجهة القادرة على فرضه من دون خسائر؟


Share!

لا يتبنى «صوت سوري» أي توجه مسيس للملف السوري ولا تقف وراءه أي جهة سياسية.
نحن نراهن على دعمك لنا في الوصول إلى جميع السوريين والسوريات.

إذا رأيت أن خطابنا يستحق الوصول انشري / انشر هذا المقال من فضلك

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها