× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

من الحمّام إلى فراش الزوجيّة: سكان المخيمات بلا خصوصية

حكاياتنا - خبز 16-11-2021

تكاد كلمة «خصوصية» تكون محذوفة تماماً من يوميات سكان مخيمات الشمال السوري. فبفعل الكثافة العالية، وطبيعة السكن داخل الخيام، تغدو كل تفاصيل الحياة اليومية عرضةً للفت انتباه الجميع، من دخول المراحيض، إلى الاستحمام، إلى العلاقة الزوجية، وغير ذلك. ويشكل نمط الحياة هذا عبئاً مضاعفاً على السيدات والفتيات بشكل خاص

الصورة: (Syrian Revolution Memory - فليكر)

تنتظر ابتسام (اسم مستعار) دورها للاستحمام أمام خيمة صغيرة في أحد مخيمات الشمال السوري.

حُولت تلك الخيمة إلى حمّام بتجهيزات بدائية تستخدمه السيدات والفتيات في ستّ خيام متجاورة.

بعد دخول ابتسام إلى الحمام، تقف طفلتها ذات العشر سنوات أمام باب الخيمة لـ«تحرسه»، وتمنح الحدّ الأدنى من الخصوصية لوالدتها أثناء استحمامها الذي يُفترض به أن يكون سريعاً لإتاحة الفرصة أمام الأخريات الراغبات في الاستحمام، قبل أن ينهي الرجال أعمالهم ويعودوا إلى الخيام، فيزدحم المكان بهم.

على بعد نحو عشرة أمتار خيمة مشابهة حُوّلت إلى مرحاض للسيدات، وتفصل بين الخيمتين «جورة فنيّة» مغطاة بلوح من الصاج، وتفيض من حولها المياه التي يخلفها الاستحمام، و«قضاء الحاجة».

القاعدة الأساسية الإجبارية هي السرعة القصوى في استخدام الخيمتين، فالعدد كبير، والوقت ضيّق، وأي تأخير سيقابل بنداءات من الخارج: «استعجلي، في غيرك بدا تفوت».

تؤكد ابتسام أن تلك الأمور «من أكثر الأشياء التي تسبب إحراجاً، كما أنها محكومة بضيق الوقت إذ تحاول النساء والفتيات استغلال غيبة الرجال في العمل، أو في صلاة الجمعة لدخول الحمامات، كما يضطر بعضنا في كثير من الأحيان إلى الدخول على مرأى عشرات الرجال الذين يجلسون في أنحاء المخيم، ما يشكل إحراجاً كبيراً».

«في بداية نزوحنا كنا نحاول اختيار زاوية مهملة داخل الخيمة لنشر الملابس الداخلية، مع امتداد فترة النزوح باتت كغيرها من قطع الألبسة تُنشر أمام الخيمة»

هذه التفاصيل تعكس جانباً واحداً فقط من جوانب انتهاك خصوصية النساء في المخيمات، وتمتد بقية الجوانب لتشمل كل تفاصيل الحياة تقريباً. 

هنا تبدو كلمة «الخصوصية» مجرد تعبير مجازي لا وجود له على أرض الواقع، حتى داخل الخيم (المنازل) التي يظل ما يدور فيها مكشوفاً أمام أنظار الجميع من جهات عديدة، خاصة في أيام الصيف حين تُرفع «جدران» الخيمة لتسهيل عبور الهواء، وتخفيف الحر الشديد، ما يفرض على النسوة قضاء النهار مرتديات اللباس الكامل، ومتحجباتٍ كأنهنّ في الخارج. 

تقول جيهان، وهي نازحة من ريف حماة: «كتير منتمنى ناخد راحتنا، سواء من خلال ارتداء لباس خفيف، أو حتى الكشف عن رؤوسنا فحسب، وخاصة في أيام الحر». 

وتضيف: «بس هاد الشي مستحيل، لأنو الرايح والراجع بيتطلّع، وقلب الخيمة مكشوف للكل. نسينا حتى الماكياج والقعدة قدام المراية».

حبال الغسيل «معارض في الهواء الطلق»

الأمر ذاته ينطبق على حبال الغسيل داخل المخيم. ومن المعتاد حرص النساء على نشر الملابس الداخلية بعيداً عن الأنظار قدر الممكن، لكنّ هذا الأمر في المخيم ضربٌ من المستحيل، فالحبال منصوبة خارج الخيام، والغسيل المنشور معروضٌ أمام الجميع، والتفكير في حلول هو ضربٌ من الترف الذي يستحيل تحقيقه.

تقول ابتسام: «كانت تلك الأمور تسبب لنا إحراجاً كبيراً في بداية نزوحنا، وكنا نحاول اختيار زاوية مهملة داخل الخيمة (لنشر الملابس الداخلية) لكن ذلك يؤدي إلى تلفها سريعاً، نتيجة تأخر جفافها وخاصة في الشتاء، وعدم تعرضها لأشعة الشمس».

وتضيف: «مع امتداد فترة النزوح باتت كغيرها من قطع الألبسة التي تُنشر في الخارج».

العلاقة الزوجية الحميمة: «الإحراج الأكبر»

ما ينطبق على تفاصيل الحياة اليومية ينطبق أيضاً على فراش الزوجية والعلاقة الحميمة، في ظل إقامة جميع أفراد الأسرة في خيمة واحدة تجمع الكبير والصغير والبنت والولد، فضلاً عن أن الاستحمام بعد العلاقة الزوجية يعدّ في حد ذاته مسألة شائكة بسبب طول المسافة التي تفصل خيم الاستحمام عن خيم الإقامة، ما يسبب إرباكاً للسيدات على وجه الخصوص.

«نكون وسط حديث أنا وعائلتي، وما إن ترتفع الأصوات قليلاً حتى يقحم أحد من خارج الخيمة نفسه في الموضوع، وأحياناً قد يدخل الخيمة ويشارك في الحديث»

ورغم التحفظ الذي يرافق الخوض في أحاديث كهذه عادة، تتقاطع الآراء التي استمعنا إليها على أن كل التفاصيل المرتبطة بالعلاقة الزوجية في المخيمات معقدة ومحرجة، وفي كثير من الأحيان قد يسمع أحد الزوجين أو كلاهما تعليقات وجملاً مُخجلة من سكان الخيم المجاورة.

يقول أبو عمار، وهو أب لثلاثة أطفال: «تعتبر العلاقات الزوجية من أكثر الأشياء المحرجة التي نتعرض لها منذ بداية نزوحنا، فلا مكان لممارستها داخل الخيمة التي باتت مأوى لجميع أفراد العائلة، كذلك الأمر بالنسبة لاستخدام الحمامات التي تبعد عشرات الأمتار عن الخيمة، وما يتطلبه الاستحمام من تسخين المياه في خيمتنا، ونقلها إلى خيمة الاستحمام».

والأحاديث الأسرية «مشاع»

لا يقتصر فقدان الخصوصية الأسرية على العلاقة بين الزوج والزوجة، فالحال ذاته بالنسبة للأبناء والبنات، إذ لا مجال لخوض أحاديث الاخوات الخاصة بأريحية، والأمر ذاته ينطبق على الإخوة.

يضاف إلى ذلك أنه لا وجود في قاموس المخيمات لشيء اسمه حصول أي مراهق أو مراهقة على مساحة خاصة في الخيمة، فغالباً ما تكون المساحة مُشتركة بين الجميع للمأكل، والمشرب، والنوم، والدراسة، وكل شيء. 

أما حديث أفراد الأسرة فإن لم يدر همساً فهو على الأرجح سيجد طريقه إلى آذان الجيران ببساطة، فالخيام قماشية والمسافة بين خيمة وأخرى لا تتجاوز متراً ونصف المتر.

تقول أم محمد، وهي نازحة من معرة النعمان: «في كثير من الأحيان نكون وسط حديث أنا وعائلتي، وما إن ترتفع الأصوات قليلاً حتى يقحم أحد من خارج الخيمة نفسه في الموضوع، وأحياناً قد يدخل الخيمة ويشارك في الحديث».

ويبلغ عدد المخيمات شمال غرب سوريا 1789 مخيماً، يقطنها أكثر من مليون ونصف المليون (1512764 نسمة)، ومن بينها 452 مخيماً عشوائياً أُقيمت في أراضٍ زراعية، يقطنها 233671 نسمة، بحسب فريق «منسقو استجابة سوريا». 

وبفعل الكثافة العالية في المخيمات، وغياب الخصوصية لجأ بعض السكان إلى إجراءات ضمن الإمكانات المتاحة، مثل إشادة جدران من البلوك تسوّر الخيمة على ارتفاع معقول، أو تقسيم الخيام برغم ضيق المكان إلى أجزاء، منها ما هو مخصص للنوم، ومنها ما هو مخصص لاستضافة الزوار وتناول الطعام.


Share!

لا يتبنى «صوت سوري» أي توجه مسيس للملف السوري ولا تقف وراءه أي جهة سياسية.
نحن نراهن على دعمك لنا في الوصول إلى جميع السوريين والسوريات.

إذا رأيت أن خطابنا يستحق الوصول انشري / انشر هذا المقال من فضلك

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها