× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

..ويا وطن البطانيات تكامَل!

حكاياتنا - حشيش 12-01-2022

لله در البطانيات التي لم تستطع الحكومة أن تضعها على قائمة بطاقتها الذكية! هل هنالك شعب في العالم يعي الأهمية الاستراتيجية للبطانية مثلما يعيها السوريون والسوريات؟ البطانيات جزء أساسي من تقاليد حياتنا، فهي تُهدى إلى كبار المسؤولين إذا اقتضى الأمر، وكل عروس تخرج من بيت أهلها عليها أن تحمل في جهازها عدداً من البطانيات.. إلخ

الرسم: (Alfredo Martirena - كارتون موفمينت)

قبل يوم من احتفال سكان العالم العظيم باختتام الأرض جولة دورانها حول الشمس، و«خردقة» الغلاف الجوي بالمفرقعات، والرصاص، والقذائف، وسقوط ضحايا وجرحى، وبعد نحو خمسة أشهر من تقديم الطلب، وصلتني رسالة بكلمات مختصرة على هاتفي: «الرجاء إعادة تقديم طلب مازوت التدفئة». عددت حوالى مئة وخمسين ألف خروف قبل أن أعيد تقديم الطلب مع ابتسامة هوليوود الثلجية. 

قبل ذلك بأسبوع كنت قد بدأت مفاوضاتي الماراثونية مع جاري أبو حسين لشراء الخمسين لتراً من المازوت المدعوم، التي سبق أن حصل عليها بفضل بطاقة «تكامُل» الذكية، فعبأها في «بيدونين»، و«طرش الفايسبوك بالسيلفي معها»، وكأنه قد حصل على جائزة نوبل للتدفئة. 

فشلت المفاوضات لأن جاري أبو حسين - موظف الجمارك السابق - رفض أن يبيع مازوتاته المدعومة بربح أقل من مئة ألف ليرة سورية، يضاف إليها مبلغ 26 ألف لام سين هو ثمنها الذي دفعه للحكومة.

شتمته وشتمت المازوت والدعم والداعم والمدعوم، وقررت بشجاعة أن أقضي شتائي بأكمله تحت البطانيات، ولو تطلب الأمر أن أستهلك كل إجازاتي من الوظيفة. 

انطلقت من فوري لدراسة إمكاناتي اللوجستية والتعبوية. 

«نكوشت» كل البطانيات التي لدي، فوجدت أنني أمتلك أكثر مما يمتلك بيل غيتس منها، فلدي ثلاث عشرة بطانية، وكل واحدة أفضل من أختها. 

من على تلة البطانيات فوق الحصير البلاستيك بجوار مدفأة المازوت الشبحية، أعلنت لجمهوري العظيم أنني سأنتقل إلى سباتي الشتوي، وأن أي محاولة لجري خارج هذا العالم الدافئ ستواجه بأشد العبارات وأشنعها، وقد يتطور الأمر إلى رسالتين متطابقتين.

حسناً عزيزاتي البطانيات، كيف سنتقاسم المكان؟ 

سنضع اثنتين منكن بجوار النافذة: بطانية النمر، ومعها البطانية العسكرية التي لا يكاد يخلو بيت سوري من واحدة مثلها. بطانية النمر سميكة وتتحمل «جعلكة»، أما العسكرية ومع أنها تخرش لكنها تُدفئ. أعدت التدقيق في مشهد البطانيات وأنا أتذكر: كان المرحوم أبي كلما غادر فرد من العائلة البيت إلى جهات الله الواسعة أعطاه بطانيه عسكرية، وزوده برقم مساعد صاحبه في قطعة من قطع الجيش لتبديل البطانية في حال الضرورة. 

بطانية المعونة تشبه كثيراً البطانية العسكرية، حتى ختم الأمم المتحدة يشبه ختم مؤسسة معامل الدفاع، ولأنها الأقل سمكاً يجب أن تكون الأقرب إلى المدفأة الكهربائية التي نادراً ما تعمل، فإذا أصابتها حروق لا سمح الله ستكون الخسارة قليلة. 

أما بطانية «الصبّاغ» هذه، فيجب أن تكون من جهة الحائط الشمالي الذي «ينشّ» في الأيام المطيرة، فهي مغلفة من إحدى جهاتها بالنايلون. 
نعم نعم؛ لكل بطانية في سوريا مزية خاصة لا يدركها إلا «الراسخون في العلم». 

نظرت إلى الميدان، فوجدت بطانياتي تغطي أرض المعركة تقريباً، مع وجود بعض الثغرات الدفاعية الواجب تحصينها. عملت من اثنتين من البطانيات المتبقية مسنداً قرب الحائط الملاصق للجيران تحت الشباك، ثم وضعت شاحن الموبايل في «فيش الكهربا» تحسباً لثوانٍ قد تلمع فيها عيون كهرباء حكومتنا العظيمة، جهّزتُ علب المتة، والسكر، والزهورات، وقنينة الماء. 

لحظة.. كأنني نسيت شيئاً ما؟ أجل، جهاز التحكم بالتلفاز، هههههههه معلش، من يدري، فقد تنورني الكهرباء ربع ساعة كاملة وأحتاجه. 

حان الآن موعد الانزلاق تحت البطانية الأحب إلى قلبي: بطانية الفرو الزرقاء التي اشتريتها ذات يوم بألف وخمسمئة لام سين، وبالتقسيط المريح. هذه البطانية تحبس الدفء، وتحيل الطقس تحتها صيفيّاً!

والآن لدي أربع ساعات ونصف الساعة من الدفء، وقائمة طويلة من الأعمال التي يتوجب علي القيام بها من تحت البطانية وفي جوارها، وفي حال وقعت معجزة و«أجت الكهربا» فأنا لها بالمرصاد من دون أن أتزحزح من موقعي. 

لله در البطانيات التي لم تستطع الحكومة أن تضعها على قائمة بطاقتها الذكية! 

ترى هل هنالك شعب في العالم يعي الأهمية الاستراتيجية للبطانية مثلما يعيها السوريون والسوريات؟ البطانيات جزء أساسي من تقاليد حياتنا، فهي تُهدى إلى كبار المسؤولين إذا اقتضى الأمر، وكل عروس تخرج من بيت أهلها عليها أن تحمل في جهازها عدداً من البطانيات، وإلخ...

ليس هذا فقط، فللبطانيات دور كبير في كثير من مفاصل تاريخ بلادنا المعاصر، وأكاد أجزم أن كثيراً من المؤامرات، والحركات السياسية انطلقت من تحت البطانيات.

ملأني الاعتزاز بالبطانيات إلى حد أنني رحت بلا وعيٍ مني أُحرّف قصيدة درويش كرمى لها، وأردد مستعيرة ألحان مارسيل خليفة: «يا وطن البطانياتِ تكامَل».. المشكلة أنني بعد تكرارين وقعتُ في شرّ أعمالي، وقفزت الضمة لتحتلّ مكان الفتحة فوق ميم «تكامُل».

أنهيت العديد من أعمالي وأنا منغمسة في الدفء الأزرق، ولم أشعر بالوقت وهو يمضي حتى لمعت الكهرباء و«الموبايل» معاً، بعد أكثر من خمس ساعات من الحياة على ضوء «الليد» العظيم. 

لمعة الموبايل كانت بسبب رسالة تقول إن حصتي من المازوت وهي خمسون ليتراً صارت مع السائق فلان. 

حسناً، على من سنعرضها كي يشتريها بربح قدره 90 ألف لام سين؟


Share!

لا يتبنى «صوت سوري» أي توجه مسيس للملف السوري ولا تقف وراءه أي جهة سياسية.
نحن نراهن على دعمك لنا في الوصول إلى جميع السوريين والسوريات.

إذا رأيت أن خطابنا يستحق الوصول انشري / انشر هذا المقال من فضلك

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها