× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

المُشتركات السورية بعد أحد عشر عاماً: الخسارة سيدة الموقف

حكاياتنا - خبز 24-03-2022

قد يبدو السؤال عن المشتركات والروابط بين السوريين والسوريات بعد كل هذه السنوات من الاقتتال، والتباين في المواقف والاصطفافات ضرباً من العبث. لكن، على أرض الواقع تبقى المشتركات قائمة، ولو كانت صبغتها العامة سلبية، خاصة أن معظمنا دفع أثماناً فادحة على امتداد السنوات الماضية، وأن كل من قد يخرج من هذه الحرب، سيخرج خاسراً على الأرجح

أُعدّ هذا التقرير بمساهمة من: مالك الحزين، وجورجي بحري

ما هو حال المشتركات بين السوريين والسوريات اليوم؟ هل تكفلت الإحدى عشرة سنة الماضية بتفكيك الروابط، وهدم المشتركات تبعاً للمواقف السياسية؟ أم أن الصورة مختلفة، والروابط والمشتركات ما زالت قائمة بيننا؟ قد يخيل إلى الذهن أن الإجابة محسومة، غير أن الواقع المعقّد يفرض نفسه على معظم السوريين والسوريات في مختلف مناطق السيطرة، ويخلق قوانينه الخاصة العابرة للانتماءات.

مأمون الأحمد ناشط إعلامي في إدلب، يقول لـ«صوت سوري» إن «الشيء المشترك الأكبر بين السوريين والسوريات على مختلف الانتماءات هو سوء الوضع الاقتصادي للجميع من تدهور الدخل، إلى انعدام الأمن الغذائي، وانتشار البطالة، وارتفاع معدلات الجريمة، وتراجع الزراعة والإنتاج الزراعي والحيواني». 

يرى مأمون أن: «هناك متغيرات اجتماعية، وانقسامات لطبقات المجتمع تغاير ما كان سائداً، الطبقة الوسطى اختفت تقريباً، وظهرت طبقة جديدة في كل الجغرافيات على اختلاف الجهات المسيطرة هي طبقة أمراء الحرب والمستفيدين المباشرين منها، الذين كونوا في فترة قصيرة ثروات ضخمة، وأصبحوا من أصحاب رؤوس الأموال».

ويضيف: «بعد كل هذه السنوات يشاهد الجميع أن المتضرر الأول والأكبر في مختلف المناطق هم السكان، وخاصة الطبقة التي كانت متوسطة وباتت مُعدمة، هذه الطبقة التي نسيت كل شيء وصار همها الوحيد تأمين قوت أطفالها، وحل أزمات المياه والمحروقات وغيرها. هذا هو المشترك الأكبر بين السوريين والسوريات من جميع الأطياف، وفي كل الجغرافيات».

بين مد وجزر

يعتقد خالد عبد الرحمن، أن «الروابط المشتركة بين السوريين (والسوريات) ازدادت في مناسبات، وتبعثرت في مناسبات أخرى». 

يقول الشاب، وهو طالب في «جامعة حلب الحرة» في مدينة أعزاز: «مثلاً السوريون اجتمعوا في كثير من المناسبات على وحدة المشاعر الإنسانية، فنجدهم متحدين في قضايا رأي عام شغلت الشارع كما هو الحال في حادثة مقتل الأطفال في مخيمات أطمة شمال إدلب، إذ اتفق السوريون بمختلف أطيافهم في التفاعل مع هذه الحادثة، وعبروا بطرق مختلفة عن تضامنهم مع ذوي الطفلين».

ويضيف: «تكرر الأمر في حوادث مشابهة، فمثلاً شاهد الجميع أن كل عاقل تضامن إنسانياً مع احتياجات المخيمات خلال حملة فريق ملهم التطوعي، أو حملة أبو فلة التي هدفت إلى جمع مليون دولار لصالح اللاجئين والنازحين السوريين، ولا يخفى على أحد أن كل بيت في سوريا لا يكاد يخلو من شهيد أو مصاب، ونلمس تعاطفاً مع ذويه».

«المتضرر الأول والأكبر في مختلف المناطق هم السكان، وخاصة الطبقة التي كانت متوسطة وباتت مُعدمة وهمّها الوحيد تأمين قوت أطفالها. هذا هو المشترك الأكبر بين السوريين والسوريات من جميع الأطياف، وفي كل الجغرافيات»

في الوقت نفسه يرى عبد الرحمن أن «النزعات المناطقية عادت لتطفو على السطح من جديد، فنزعة المناطقية بين الريف والمدينة وبين محافظة وأخرى نراها صريحة في أي نزاع مجتمعي بين إحدى الفئتين، ولا أعلم إن كان مصطلح "نزاع" سليماً هنا ويصح استخدامه، لكنني أظن انه كذلك، فهو نزاع لا خاسر فيه ولا فائز، ولن يكون».

بدورها، ترى سناء الموسى، وهي صحافية مقيمة في إدلب، أن «المشتركات بين السوريين اليوم أن الحرب تسببت بانتشار الفقر والتشرد والفساد في جميع المناطق السورية باختلاف القوى المسيطرة».

وتضيف: «الجميع في المناطق الثلاث (مناطق سيطرة دمشق، والمعارضة، وقوات سوريا الديمقراطية) جرى استغلالهم من قبل القوى الإقليمية الدولية، تركيا بسطت نفوذها على شمال غرب سوريا وكان لها الدور الأكبر في نزوح مئات آلاف النازحين بسبب عمليات المبادلة التي أجرتها مع روسيا، كما أن الأخيرة فرضت سيطرتها على النظام وباتت تتحكم به، كما تقوم اليوم بنشر لغتها وثقافتها، وفي شمال شرق سوريا سيطرت أميركا على النفط وغيره من خيرات المنطقة، في حين أن الشعب يموت جوعاً ويبحث عن ليتر المازوت».

«أطفالنا ومستقبلهم»

تحتضن أحلام (اسم مستعار، صيدلانية) ابنتها صبا بقوّة، تقبل جبينها، ثم تعتدل في جلستها وتقول: «هالطفلة، ومتلها كتير أطفال، مستحيل يخطر لي جواب تاني، مو بس عن سؤالك، عن أي سؤال إلو علاقة بسوريا». 

كنا قد طرحنا سؤالاً محدداً على السيدة الأربعينية: «برأيك، ما هي أهم المشتركات التي تجمع اليوم بين السوريين والسوريات»؟

تسكن السيدة الحمصية في مدينة حلب منذ سنوات. في العام 2013 فقدت زوجها في إحدى قرى طرطوس بشكل مباغت. ذبحة صدرية فاجأت الرجل الذي كان يبلغ من العمر أربعين عاماً، ولم يمهله الموت حتى وصول المسعفين.

لا تطيل أحلام في الحديث عن زوجها الراحل، بالكاد تستطيع رسم ابتسامة وهي تقول: «كان صرلنا بوقتها شي سنة نازحين من حمص، طبعاً خسرنا كل شي وبلشنا من تحت الصفر، لأ، ما لحقنا نبلش، مات من قهره قبل ما نبلش». 

لم تُرزق أحلام أطفالاً، أما صبا، الطفلة التي تجاوزت السابعة بقليل فهي «بنت قلبي، بنتي بنتي» وفق تعبيرها المتكرر. 

بعد وفاة زوجها بعام واحد تعرفت أحلام بأسرة صبا. كانت الأسرة قد وصلت نازحةً من حلب قبل فترة قصيرة، ولم تكن صبا قد وُلدت بعد.

«لو كل حدا فينا يفكر شوي ويقرر، بدنا أولادنا يعيشوا اللي عشناه؟ بدنا ياهون يوعوا على الدم والكره والقتل؟ يمكن حكيي يبين تنظير ومثاليات، بس هي الحقيقة: نحن راحت علينا، إذا منفكر بمستقبل أولادنا بضمير أكيد رح نمسك راس الخيط»

توطدت الصداقة سريعاً بين السيدة والأسرة، وحين وُلدت صبا في أواخر ذلك العام كان وجه أحلام أول وجه شاهدته.

تسترسل في استعادة ذكريات تلك المرحلة. تقول: «كنا بالاسم جيران، بس فعليّاً عايشين مع بعض. أنا ست وحدانية، وأمها لصبا عندها أربع أولاد تانيين، وزوجها كل نهارو بالشغل. كنت أقضي كل وقتي عندها، وكتير مرات تنام صبا على إيدي، وآخدها وروح على شقتي».

قد يبدو كل ما سبق عادياً، لكن التغيير غير المألوف حصل حين أخذت أسرة صبا قراراً بالعودة إلى حلب في العام 2018. 

تقول أحلام: «ما فكرت كتير، قلت لهم بس تستقروا وتزبطوا أموركم لاقولي شقة قريبة منكن أستأجرها، وبالفعل هيك صار، ورجعنا جيران بعد كم شهر. بحمص ما عاد عندي شي، لا بيت، ولا زوج، ولا عيلة، إخوتي كل واحد حطتو الأيام ببلد، وأمي وأبي عاطينك عمرون من قبل الحرب، أكيد رح ألحق صبا وين ما راحت»!

تفكر أحلام اليوم بافتتاح صيدليتها الخاصة، بعد أن استفادت من شهادتها لسنوات في تحصيل دخل ثابت (في ما يُعرف بتأجير الشهادة)، إلى جانب عملها مندوبة لصالح أحد المستودعات الدوائية. تضحك وهي تقول: «ما بعرف لسة وين ممكن تكون الصيدلية، ولا ببالي أي شي محسوم، بس اسم الصيدلية رح يكون صبا، هي الشغلة الأكيدة».

ترى أحلام أن المشترك الأهم والأبرز الذي ينبغي أن يجمع بين كل السوريين والسوريات بلا استثناء هو الأطفال.

تقول: «بس لو كل حدا فينا يفكر شوي ويقرر، بدنا أولادنا يعيشوا اللي عشناه؟ بدنا ياهون يوعوا على الدم والكره والقتل؟ يمكن حكيي يبين تنظير، ومثاليات، بس ببساطة شديدة هي الحقيقة، نحن راحت علينا، بس إذا منفكر بمستقبل أولادنا بضمير أكيد رح نمسك راس الخيط».

صورة المقال: (UNICEF Italia - فليكر)