× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

«خمرة الصالحين» لم تعد حاضرة في جميع بيوت السوريين

عقل بارد - أوراقنا 12-05-2022

يكاد يكون فنجان القهوة الصباحي العادة المشتركة الأكثر شيوعاً بين الناس في سوريا والمحيط، فهل تعرفون كيف وصلت القهوة إلينا، وهل تعلم يا من تعشق القهوة أنك لو عشت في القرن السابع عشر، لكان رأسك معرضاً للقطع بسببها؟ ما قصة «خمرة الصالحين» التي صارت تشحّ من موائدنا بسبب الغلاء؟

الاستماع إلى المقال

صوت سوري · خمرة الصالحين

الصورة: (مقهى النوفرة في دمشق القديمة  / Alessandro Accorsi - فليكر)

من إثيوبيا جاءت، ومن اليمن انطلقت. شُبّهت بالخمرة، وارتبطت بالشعائرِ الدينية. تعالوا إلى رحلة مع فنجان من القهوة. 

تؤكد معظم الروايات أن إثيوبيا، أو ما كان يُعرف بالحبشة، هي أول من عرف البن، في قرية تدعى كافا وقد اشتق اسم القهوة بالإنكليزية من اسمِها، فيما تتحدث مصادر أخرى عن اشتقاق الكلمة من اللفظ العثماني kahve المشتق أصلاً من الاسم العربي «قهوة»، من الفعل «قَهِيَ» الذي يعني «لم يشتهِ الطعام»، في إشارةٍ إلى أثر هذا المشروب في سد الشهية.

عموماً، يتفق معظم من كتبوا عن القهوة على أن الصوفيين اليمنيين كانوا أول من جاء بها من إثيوبيا في القرن الخامس عشر الميلادي، ثم انتشر المشروب الذي أطلقوا عليه اسم «خمرة الصالحين» في مجالسهم، واستخدموه لمساعدتهم على التركيز وصفاء الذهن، وإبقائهم متأهبين في الحضراتِ والأذكار الليلية.

انتقلت القهوة إلى مكة والحجاز، ثم إلى مصر عبر الطلاب اليمنيين الذين كانوا يدرسون في الأزهر خلال عهد الدولة المملوكية، لتصل أخيراً إلى دمشق على يد الشيخ أبي بكر بن عبد الله العدَني، المعروف بالعيدروس أو العيدروسي. 

نشبت الخلافات بين مؤيد للقهوة ومُعارض لها، ما أدى إلى تحريمها وتحليلها مرات عدة تبعاً للقاضي الذي يُعيّن في دمشق.

هكذا، بات وصول القهوة إلى سوريا من الأحداث المهمة في تاريخها الحضاري وسط الانقسام الذي خلفته بين الفقهاء والشعراء، ما أدى إلى بروز نتاج فقهي وشعري مثير، قبل أن تنتقل إلى حلب ثم إلى إسطنبول عبر شاب حلبي وآخر دمشقي افتتحا مقهيين هناك.

أطلق الصوفيون على القهوة اسم «خمرة الصالحين» - الرسم: صوت سوري

لم يكن انتشار المشروب الأسمر أمراً يسيراً آنذاك، فقد لاقى رفضاً قاطعاً من عدد من المشايخ ورجال الدين بسبب دلالة الاسم الذي يُعد أحد أسماء الخمر، وبحجة أن القهوة أشدُّ خطراً من المُسْكرات، وبدعةٌ تبعد الناس عن صلاة الفجر بما تسببه من سهر. 

تكرر الأمر في مكة والقاهرة ودمشق، ونشبت معارك فقهية حقيقية.

اتكأ السلاطين العثمانيون على فتاوى المشايخ للتشدد في منع رواج القهوة، مع احتمال وجود أسباب سياسية خلف ذلك، خاصة بعد انتشار المقاهي وتجمع المثقفين فيها ممن يتبنون الأفكار المعارضة. وبلغ القمع أشُدّه في القرن السابع عشر في عهد السلطان مراد الرابع الذي أمر بقطع رأس شاربها، ويقال إنه كان شخصيّاً يجوب المدينة ليلاً للبحث عن مخالفي أمره.

لكن عشاق القهوة لم يستسلموا وناضلوا في سبيلها مدفوعين بأغراض مختلفة خاصة ما يتعلق بمردودها الاقتصادي. 

أما كأس الماء الذي درجت العادة على أن يكون مرافقاً لفنجان القهوة، فلم يكن لإرواء العطش فقط، بل لمعرفة هل الضيفُ جائعٌ أم لا، فإذا شرب الماء أولاً عرف صاحب البيت أن ضيفه جائع فأوعز بإعداد الطعام.

ثمة رواية ثانية تربط بين هذه العادة وبين الخطوبة والزواج، إذ كان الشاب يزور منزل الفتاة التي ينوي خطبتها ويراها لأول مرة عندما تقدم إليه القهوة، فإذا نالت إعجابه شرب الماء أولاً وبدأ حديث الخطبة، وإلا صارت زيارة عادية.

أشهر فناجين القهوة السورية هو ذاك الذي قد «تدعوك» إليه جهة أمنية ما، وتطول مدة شربه أمداً غير معلوم

لكن ما أصل توزيع القهوة المرة في مراسم العزاء؟ يعود الأمر إلى مصر، وتحديداً بعد فتوى أصدرها الفقيه الشافعي أحمد بن عبد الحق السنباطي بتحريمها، فوقف التجار في المقلب الآخر وحاولوا إقناعه بالعدول عن فتواه دون فائدة، ثم اندلعت اشتباكات بين مؤيدي الطرفين خلّفت قتيلاً من الجهة المؤيدة.

في النتيجة، لجأ السنباطي مع صحبه إلى أحد المساجد حيث حاصرهم أهل القتيل وأقاموا في الليل صيواناً بأعمدة خشبية ليقيهم البرد، ووزعوا القهوة على المجتمعين لإغاظة الشيخ وأتباعه وقد كانت مصادفة بلا سُكّر، قبل أن يتدخل السلطان مراد الثاني لحل المشكلة بتعيين مفتٍ جديد أباح شرب القهوة، ما جعل التجار يشعرون بالنصر، فصار توزيع القهوة السّادة عادة في مراسم العزاء منذ ذلك الوقت. 

فماذا عن أول مقهى في العالم؟ أين افتُتح؟ ومتى؟

وفق كثير من المؤرخين شهدت دمشق ظهور أول مقهى في العالم، وكان ذلك في العام 1568، عندما افتتح الشيخ محمد اليتيم العاتكي الشافعي الصوفي أولَ «بيت للقهوة» في محلة السويقة، ليتوالى بعدها افتتاح بيوت القهوة تباعاً، وأشهرها الدرويشية، والمرادية، والسنانية. 

مع اتساع هذه التجارة، تجاوز عدد مقاهي دمشق المئة في القرن التاسع عشر، بين كبير وصغير، دون أن يخطر في بال أصحابها ما ستلعبه هذه المقاهي من دور اجتماعي وسياسي في حياة المدينة لاحقاً.

ومن بين الوجهات المفضلة عند كثرٍ من زوّار دمشق يبرز مقهى «النوفرة» الواقع عند تقاطع الباب الشرقي للجامع الأموي مع حي القيمرية، وعمره أكثر من 300 سنة (ويقول البعض 500 سنة). اكتسب المقهى اسمه من بركة ماء عرفت باسم الفوارة، وكانت فيها نافورة تندفع المياه منها، جفت النافورة مع الزمن وبقي المقهى يضجّ برواده. 

أيضاً تبرز أسماء مقاهٍ أخرى مثل «الهافانا» الذي تأسس في العام 1945 وشهد المؤتمر التأسيسي لحزب البعث العام 1947 عندما كان اسمه مقهى الرشيد، ويقابله مقهى البرازيل الذي كانت ترتاده جماعة أكرم الحوراني التي كانت على خلاف مع «البعث» في ذلك الوقت.

ولا تقلّ شهرة مقهى الروضة الواقع في شارع العابد، وكثيراً ما احتضن جلسات نقاش حادة بين أصحاب مختلف التوجهات السياسية والأدبية والثقافية، ليُسمّيه البعض «البرلمان الثاني» حين كان هناك متسع لوجهات مختلفة في الخمسينيات والستينيات، كما ارتبط اسمه بكثير من المثقفين والأدباء.

تنتهي غالبية «صبحيات القهوة» بالتبصير قصد التسلية- الرسم: صوت سوري

كل هذا قبل أن تتحول أدوار المقاهي اليوم وتكاد تقتصر على التسلية ومشاهدة المباريات الرياضية. ولعل فنجان القهوة وصوت فيروز هما أبرز ما يميز صباحات السوريين والسوريات منذ مدة طويلة، خاصة في جلسات النسوة التي تعرف بـ«الصبحيات» حيث يتناقلن الأخبار والحكايات، لتنتهي غالبية تلك الجلسات بقلب فنجان القهوة و«استشراف المستقبل» بالتبصير. 

ولا شكّ في أن معظمنا يعرف قصيدة الشاعر الراحل نزار قباني «قارئة الفنجان»، التي لحّنها محمد الموجي، وكانت من أواخر أغنيات عبد الحليم حافظ في العام 1976.

فيما يروي الشاعر المصري مأمون الشناوي كيف أنقذه فنجان القهوة الذي قدمه إلى المطربة السوريّة أسمهان بغية تهدئتها، عندما جاءته في حالة غضب تستعجله لكتابة أغنيات فيلم «غرام وانتقام»، بعدما جافاه الوحي أياماً طويلة، لتخرج كلمات أغنية «قهوة»، وتليها أغنية «إيمتى حتعرف إيمتى» الشهيرة، ويتمكن الشاعر من كتابة جميع الأغنيات المتفق عليها في الموعد المحدد. 

هكذا عاشت القهوة رحلة طويلة من قطع الرؤوس إلى رفيقة الصباحات، قبل أن تتغير الحال في السنوات الماضية على وقع التردي الاقتصادي، وتصبح القهوة «سلعةً عزيزة» قد لا توجد في كثير من البيوت بعدما ارتفعت أسعار البن بجنون.

أما فنجان القهوة الذي قد يكون أشهر الفناجين السورية على الإطلاق، فذلك الذي «يُدعى» إليه كثير من الصحافيين والصحافيات، والناشطين والناشطات، وغيرهم لدى «جهةٍ» ما، وقد تطول مدة «شربه» أمداً غير معلوم، حتى إن البعض دُعي إليه منذ سنوات طويلة ولم يعد بعد.


Share!

لا يتبنى «صوت سوري» أي توجه مسيس للملف السوري ولا تقف وراءه أي جهة سياسية.
نحن نراهن على دعمك لنا في الوصول إلى جميع السوريين والسوريات.

إذا رأيت أن خطابنا يستحق الوصول انشري / انشر هذا المقال من فضلك

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها