× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

المثلية و«الميم عين» في سوريا: «مجتمع خفي» يفتح نوافذه

عقل بارد - على الطاولة 18-05-2022

العوائق القانونية وتفاوت التقبّل الاجتماعي لمسألة المثلية في سوريا لا ينفيان حضورها المجتمعي معزّزةً بتطور المفاهيم حولها دولياً، مع تبلور مفهوم «مجتمع الكوير» (أحرار الجنس) ذي البعد النضاليّ على حساب مفردة «المثليّة» المندرجة في إطار التعريف الهوياتي، و«مجتمع الميم» الذي يقتصر تعريفه على كونه «مجتمع المثليات والمثليين ومزدوجي الميول الجنسية»

الرسم: (mvitagiulia - فليكر)

تحدٍّ كبير أقدم عليه شاب مثلي الجنس وآخر عابر (متحوّل) جنسياً عندما قررا تنظيم حفل زفافهما في صالة أفراح نادي حطين باللاذقية في كانون الثاني/يناير 2022، ولكنّ الحدث لم يكتمل بسبب اقتحام الشرطة المكان لتعتقل أحدهما ويفر الآخر، وصولاً إلى ختم الصالة بالشمع الأحمر لاعتبار الحدث مخالفاً للقانون السوريّ.

وقتذاك؛ نفى النادي علمه المسبق بالأمر، وألقى بالمسؤولية على عاتق مستثمر الصالة، فيما بقي اسما «العروسين» مجهولين، وكذلك الآلية التي يُفترض أنهما تزوجا بها، وهو ما اعتبره البعض «مقصوداً وفضيحة للمحاكم والقانون».

لم تكن تلك الحادثة الأولى من نوعها في سوريا، إذ اعتُقل شابان مثليان العام 2017 بعد نشر صور قيل إنها لعقد قرانهما في إحدى كنائس دمشق على «فايسبوك».

الهويات..

أخذت المصطلحات الكثيرة شكلَها مع الوقت. فمثلاً صار استخدام كلّ من «جنس» و«جندر» مستقلاً ومختلفاً في المعنى والتصنيف بعدما كانا متقاربين إلى حد ما، ولكن لا تزال العديد من التسميات التي تتناول هذه الجوانب مبهمة بالنسبة إلى كثرٍ في الوطن العربي عامةً وفي سوريا خاصةً، بسبب الافتقار إلى ترجمات دقيقة، وقلّة الدراسات في المكتبات والمحتوى العربي بشكل عام.

إنّ عدم فهم تكوين الهوية تماماً وتحديدها بين العوامل الفطرية (البيولوجية) والعوامل البيئية (التنشئة الاجتماعية)، أو العاملين معاً، هو نقاش مستمر في علم النفس يُعرف باسم «الطبيعة مقابل التنشئة أو التطبع».

يتفق بعض العلماء على أنّ تشكل الهوية الجندرية يجري خلال أربع مراحل تبدأ في الطفولة المبكرة مع ميول الطفل إلى ألعاب وأنماط لباس محددة تتوافق أو تختلف مع جنسه الذي يولد عليه، ثمّ يأتي تنميطها وتوجيهها من الوالدين والأدوار المحددة اجتماعياً، وصولاً إلى مراحل متتالية باتفاق الشخص مع ما وجد نفسه عليه أو اختلافه معه، ليبدأ تشكيل هويته الجندرية.

اختلفت أيضاً النظريات والدراسات العلمية حول أسباب المثلية الجنسية منذ عقود في أميركا وأوروبا، بين إرجاعها إلى أسباب جينيّة بالكامل أو اعتبارها اضطراباً نفسياً، ثم نفي السببين حديثاً بالاستناد إلى عدم وجود جين بعينه للمثلية. أزالت الجمعية الأميركية للطب النفسي التصنيف ضمن الأمراض العقلية والنفسية في العام 1973 بالتزامن مع نشاط المجتمعات المدنية لحقوق المثليين والتغييرات الثقافية المهمة التي أحدثتها حركات الاحتجاج الاجتماعي من الخمسينيات إلى السبعينيات، وتبعها في ذلك «مجلس ممثلي جمعية علم النفس »الأميركية، والمؤسسات الصحية الكبرى، بما يشمل «منظمة الصحة العالمية».

في مراحل لاحقة، أعلنت دول غربية تغيير قوانينها لمنح «مجتمع الميم/كوير» الحقوق، وإنْ باختلاف نسبي بينها، وكانت هولندا أوّل من شرع زواج المثليين في العام 2001.

الوجود السرّي في سوريا

وجود المثليات/ين في عدد من المدن السورية أقدم مما يتوقع، ولكنّه ظل وجوداً خفياً، ومحصوراً بلقاءات في أحياء وحدائق وحمامات ومقاهٍ وصالونات حلاقة محددة، كما ابتكروا كلمات خاصة تداولوها في ما بينهم لسهولة الدلالة والتعارف. 

في العام 2005، نظمت شركة «بيرثو» جولة لمثليين إلى سوريا كانت الوحيدة في الشرق الأوسط، وقد اختيرت دمشق وحلب لتكونا وجهتين رئيستين لها، ووصفهما أحدهم بقوله: «كانت المدينتان جنة للمثليين» بعد زيارات إلى «حمامات عدة في المدينتين كانت مخصصة للمثليين»، وفقاً له. 

أما بعد انتشار الإنترنت ومواقع التواصل، فقد تقلّصت «السرّية» وظهر جزء إلى العلن، إذ تنوعت الصفحات على «فايسبوك» التي تضم آلاف المتابعين بأسماء ترمز إلى مثليات/مثليي المدن السورية، وهي كانت مخصصة للتعارف واللقاء من المنشورات التي تتضمن طلبات ومواصفات محددة. 

وجود «مجتمع» للمثليات/ين في عدد من المدن السورية أقدم مما يتوقع ولكنّه أخذ طابع الوجود الخفي أو المستتر

كان العالم الافتراضي مسرحاً للمطالبة بالحقوق من خلال حملات أطلِقت من محافظات سوريّة متعددة، كحملة تحت وسم «#الحب-ينتصر» العام 2017، و«#ابتسامتي-أقوى-من-كراهيتكم» العام 2019، وغيرهما، إذ نشرت المشاركات/ون صوراً لأوراق من أمام معالم معروفة كُتبِت عليها جمل متداولة مع ألوان علم القوس القزح، ما كان يثير ردود فعل أدرجت المسألة في خانة «الانحلال الأخلاقي».

كان للدعارة أيضاً وجود في «المجتمع المثلي السوري» بوصفها وسيلة سهلة وسريعة لكسب المال، خاصة بسبب وجود «زبائن» من سكان البلد والعرب والأجانب السياح الوافدين.

رهاب المثليّة

كثيراً ما ترددت على مسامعنا تسميات مثل «طنط» و«شاذ» و«مخنث» و«فوفو» و«سوسو»، مرفقةً غالباً بـ«الله لا يبلينا» و«العياذ بالله».

وينال الذكور نصيباً أوسع من الرفض، والسخرية، وحتى الهجوم. أما الإناث فتبدو بعض المجتمعات أكثر تساهلاً معنّ، وعلى سبيل المثال اشتُهرت في حلب العديد من المطربات الشعبيات اللواتي كنّ مثليات (يُسمين في حلب «بنات عشرة»)، ولم يكن ذلك يمنع عائلات كثيرة من الاتفاق مع تلك المطربات على إحياء حفلات وأعراس نسائية.

وعلى العموم، في حال كشفت عائلة فرداً مثليّ الجنس فغالباً ما يتعرض للعنف والاضطهاد والإرغام على العلاج النفسي والهرموني بغية تعزيز الجنس الذي هو عليه، كأنثى أو ذكر، وسط تعليل المسألة بمرض نفسي تعود أسبابه إلى الاغتصاب في الطفولة، أو التربية في منزل غاب أحد الأبوين عنه، أو خلل فيسيولوجي.

يجرم القانون السوري المثلية ويعاقب حبساً حتى ثلاث سنوات كل من يثبت قيامه بـ«مجامعة على خلاف الطبيعة»

كما عززت إنتاجات في الأدب السوري والأعمال الدرامية - تناولت المثلية عبر مراحل زمنية مختلفة - تلك المفاهيم عبر التنميط التقليدي، أو الإساءة في كثير من الأحيان، ولكن ثمّة استثناءات على هذين الصعيدين على غرار مسلسل «قلم حمرة»، ومسرحية «طقوس الإشارات والتحولات» لسعد الله ونّوس.

القانون (الذي يلعب دوراً في تكوين المجتمع وثقافته) جرّم المثلية بالعقاب حبساً حتى ثلاث سنوات لكل من يثبت قيامه بـ«مجامعة على خلاف الطبيعة» وفقاً للمادة 520 من قانون العقوبات السوري، مع عدم وجود مادة قانونية تنصّ على أنّ المثلية عمل منافٍ للطبيعة، وكذلك الحال بخصوص العبور/التحوّل الجنسي. لكنّ الأمر يفرض نفسه في حالة الخنوثة وفقاً للدكتور فواز صالح الذي نشر بحثاً في مجلة جامعة دمشق (العدد الثاني للعام 2003)، أوضح فيه أنّ «عمليات جراحة الخنوثة ازدادت في سوريا منذ منتصف تسعينات القرن العشرين».

نتيجة لذلك، تواجه العابرات/ون جنسياً إشكالات في سجلات الأحوال المدنية والحقوق والواجبات المترتبة كالميراث والخدمة الإلزامية وغيرها.

أما بعد سيطرة تنظيم «داعش» وفصائل مسلّحة على مساحات واسعة في سوريا، فـ«سُجّلت فظائع بحق المثليين»، وفق مجلس الأمن الدولي الذي عقد في العام 2015 جلسة خاصة بهذا الملف وُصفت بـ«التاريخية».

نحو دول تمنح الحقوق

كسب المثليّون الذين غادروا سوريا مساحة أكبر في الدول التي لجؤوا إليها، ولكن بنسب متفاوتة إذ كانت في لبنان وتركيا أكبر من باقي الدول المجاورة. واتسعت المساحة في الكثير من بلدان أوروبا وأميركا، حيث الحملات والمسيرات والنشاطات المدنية، بل أيضاً الأعمال الثقافية والفنية التي تُعنى بشؤونهم وتوثق تجاربهم على غرار رواية «أرجوحة الياسمين» لمؤلفها أحمد داني رمضان، ومجلة «موالح» الإلكترونية لمؤسسها محمود حسينو الذي كان في العام 2017 بطلاً في الفيلم الوثائقي «Mr. Gay Syria» الحاصل على جوائز في مهرجانات دولية مختلفة، كما أنجزت أفلام قصيرة أخرى تعالج الموضوع نفسه من زوايا مختلفة، كفيلم «ماركو» و«حكاية مِثلية».

ورغم أن العيش في تلك الدول سهّل لعديدين المجاهرة بميولهم والزواج، فإنّ كثراً لا يزالون يعيشون حياة مزدوجة بين الحقوق على أرض الواقع في مكان إقامتهم، وبين عائلاتهم البعيدة كلّ البعد عن فكرة وجود «مجتمع الميم/ كوير» أصلاً في المجتمع، فيخفون ما هم عليه ويقعون تحت ضغوط الأمنيات.

قد يرى البعض أن الخوض في هذا الأمر لا أهمية له، أو أنّ وقته لم يحن بعد، خاصة بالقياس بما يجري في سوريا منذ أكثر من عقد، لكنّ كثراً من أفراد «مجتمع الميم/كوير» يدعون إلى العمل على منظومة حقوقية إنسانية شاملة لمكوّنات المجتمع السوري بدءاً من الآن.


Share!

لا يتبنى «صوت سوري» أي توجه مسيس للملف السوري ولا تقف وراءه أي جهة سياسية.
نحن نراهن على دعمك لنا في الوصول إلى جميع السوريين والسوريات.

إذا رأيت أن خطابنا يستحق الوصول انشري / انشر هذا المقال من فضلك

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها