أكثم صبر الزمان
الصورة: (بقايا معبد الأسود في عين دارة العام 2010 / المعرفة)
خلال زياراتنا إلى منطقة عفرين في ريف حلب الشمالي الغربي الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة المدعومة من تركيا، بدت التغيرات واضحة على المواقع الأثرية وما يحيطها من تلال وجبال، إذ برز تغير كبير في طبيعة المواقع الأثرية قياساً بالعام السابق، ما يدل على أن عمليات التنقيب عن الآثار مستمرة في المناطق الأثرية والتلال المحيطة بها.
في الطريق إلى منطقة النبي هوري، كانت كتل الأتربة قرب المدرج الروماني، والتلال وسفوح الجبال المحيطة ومجرى النهر تتغير بين فينة وأخرى نتيجة الحفر بالمعدات الثقيلة بحثاً عن الآثار، فتظهر آثار الحفر والردم واختلاف طبيعة الأرض. مشهدٌ يؤكد أن عمليات التنقيب عن الآثار برعاية فصائل عسكرية أو أشخاص يتلقون الحماية منها.
تنقيب منظم؟
كمال (اسم مستعار) هو أحد قاطني المنطقة، ويفيد بأن عمليات التنقيب عن الآثار متواصلة عبر آليات ثقيلة تحفر سفوح الجبال بالقرب من النهر والمدرج الروماني، وهذا النشاط يكثر خلال الصيف عندما تكون التربة غير متأثرة بالعوامل الجوية. ويضيف: «لا يستطيع أحد أن يسأل من يحفرون لأن معظمهم يحصلون على الحماية من الفصائل التي قسمت المنطقة إلى قطاعات عسكرية». وينسجم هذا الواقع مع الفوضى العارمة التي تعيشها منطقة عفرين في مختلف المجالات.
من بين المواقع التي طاولتها عمليات تنقيب وتجريف كبيرة تبرز تلتا دير صوان في ناحية شران، وجنديرس، جنوبي البلدة التي تحمل الاسم نفسه، وشهدت التلتان أعمال حفر وتجريف وتخريب بالجرافات والآليات الثقيلة بحثاً عن اللقى والمقتنيات الأثرية.
وتشير معظم المصادر التي تحدثنا معها إلى أن فرقاً فنية تجري التنقيب ويبدو أن لديها خبرة طويلة يعكسها اختيار مواقع محددة للحفر، مثل المقابر القديمة التي تعود إلى عصور سابقة، والتركيز على مداخلها والبوابات الداخلية لها، ما يؤكد أن عمليات التنقيب هنا منظَّمة.
سبق أن نشرت صفحة «كنوز ودفائن الماضي» مقاطع تكشف عمليات التنقيب عن الآثار في عفرين بعد سيطرة «الجيش الوطني» المدعوم من تركيا عليها. وتظهر المشاهد عمليات البحث عن الآثار والكشف عن المدافن القديمة في التلال الأثرية بعفرين، فيما تُبين لهجة المتحدث أن العمليات تجري في الشمال السوري.
لكن مدير مركز آثار إدلب، أيمن نابو، يقول لـ«صوت سوري» إن العمليات في تلك المواقع الأثرية عشوائية. ويضيف: «لا أعتقد أنها منظمة وإنما استغلال الواقع الحالي من فوضى وغياب القوانين التي تجرم هذه الانتهاكات هو ما أدى إلى تفاقمها».
ويرى نابو أن الفقر والحاجة إلى المال زاد من عدد المنقبين عن الآثار بحثاً عن الثراء السريع، وهي «ظاهرة قديمة تفاقمت حديثاً في المواقع الأثرية بسبب ضيق المساحة الجغرافية الأمر الذي عرضها للتدمير والتخريب وإضافات عمرانية جديدة خلال سكن النازحين فيها».
وعشوائي بغية «الاسترزاق»
بالتوازي مع التنقيب المنظم، نشطت خلال السنوات الماضية عمليات البحث بهدف كسب الرزق على يد مدنيين غير مرتبطين بجهات عسكرية في المنطقة، لأن إيجاد الآثار يوفر لهم مردوداً مالياً لا بأس به.
أبو إسماعيل، أحد الذين يمتهنون التنقيب عن الآثار، سبق أن هُجّر إلى ريف حلب الشمالي قبل عامين. يقول من مركز إقامته في ريف إدلب الجنوبي إن عفرين تحوي مواقع أثرية عدة، وخلال عمله مع «زملائه في التنقيب» يجدون قطعاً من الذهب والعملات النقدية والمجسمات الأثرية والقطع الفخارية.
ويضيف: «اشتريت جهاز الكشف عن الآثار قبل خمسة أعوام وكنت أعمل به في ريف إدلب الجنوبي، وبعد انتقالي إلى ريف حلب توجهت إلى عفرين لأنها تحتوي على أماكن أثرية ومنطقة معمورة منذ مئات السنوات».
تجري التنقيبَ فرقٌ فنية يبدو أن لديها خبرة طويلة يعكسها اختيار مواقع الحفر، مثل المقابر القديمة التي تعود إلى عصور سابقة
رغم محاولات الحفاظ على المواقع الأثرية من السلطات والمجالس المحلية، لا تزال دون المستوى المطلوب، فهي لا تملك سلطة تنفيذية لإحكام قبضتها وردع المنقبين. هنا يقول نابو: «على السلطات حماية الآثار إضافة إلى رفع الوعي الثقافي لدى الأجيال للحفاظ على الأماكن الأثرية والثقافية التي تشكل مورداً اقتصادياً وحضارياً مهماً».
في المقابل، يفيد الصحافي المختص بالتراث والآثار عمر البنية بأن هذه المواقع تأثرت بفعل المعارك والأعمال العسكرية والفوضى العامة، محملاً المسؤولية لـ«جميع قوات الأمر الواقع: النظام وقسد والمعارضة».
يقول البنية: «صارت الآثار سلعة للمتاجرة ومصدر دخل لبعض أمراء الحرب وحتى مافيات دولية متخصصة، ولم يلقَ ملف الآثار أي أهمية من الجهات المحلية والحكومة المؤقتة والائتلاف رغم مطالبتنا لهم أكثر من مرة بالتحرك وحماية الآثار وإعطائها الأولوية».
وتشتهر عفرين بعدد جيد من المواقع الأثرية ومن أبرزها «عين دارة» المعروف بمعبد الأُسود ويعود إلى 1200 عام قبل الميلاد، ومنطقة النبي هوري التي تحتوي على معبد ومسرح روماني وتعرف باسم يوناني (سيروس)، ويمر إلى الشرق منها نهر سابون.
أيضاً هناك قرية براد الأثرية على جبل ليلون جنوبي شرقي عفرين بمسافة لا تقل عن 15 كلم، وتعد من أكبر القرى الأثرية في المنطقة. فضلاً عن قلعة باسوطة، إلى جانب عدد من التلال والكهوف الأثرية المهمة، ومن أبرزها تل جنديرس وتل كفروم وكهف الدودرية.
لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها
This work
by
SOT SY
is licensed under
CC BY-ND 4.0