× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

دور الجيش في إندونيسيا: وظائف على أهواء الحاكم

عقل بارد - شعوب وحروب 12-07-2022

استغلّ سوهارتو القوات المسلحة الإندونيسية خدمةً لأهدافه الديكتاتورية، فامتدت أذرع الجيش إلى مفاصل الدولة كافة، واستولى العسكر على المناصب الحساسة مستفيدين من إطار قانوني شرّع نفوذهم فيما غاب عن الحالة السورية مثل هذا القانون دون أن يمنع ذلك تغلغل العسكر والأمن في مختلف القطاعات

الصورة: (من مظاهرات 1998 في إندونيسيا / D Lumenta - فليكر)

تولى حاجي محمد سوهارتو (Haji Muhammad Soeharto) رئاسة أركان الجيش في الأول من تشرين الأول/أكتوبر 1965 عقب موجةٍ من أعمال العنف السياسي، وخلال عامين تحول إلى الرقم الأصعب في البلاد، وصولاً إلى انتخابه رئيساً في العام 1968.

أنشأ سوهارتو قاعدة هرمية سيطر من خلالها على أزِمّة السلطة، بخاصة الأمن والجيش الذي صار يحمل اسم القوات المسلحة الإندونيسية واستخدمه سوهارتو في بناء ديكتاتورية على مقاسه.

يشير الكاتب والمحلل الإندونيسي-الأميركي ديفيد جنكينز (David Jenkins) إلى أنّ «سوهارتو أمضى سنوات بعد بلوغه السلطة وهو يوسّع قاعدة سلطته ويدافع عنها»، وقد «وقف على قمة الهرم، فيما تربّع المعيّنون من قبله في جميع الفروع التنفيذية والتشريعية والقضائية الرئيسية للحكومة، وهيمن على مجلس الوزراء وبيروقراطية الدولة».

هكذا سيطر سوهارتو على القوات المسلحة، واختار وزير دفاعه وقائد قوات الأمن لتعزير قدرة القيادة العملياتية على استعادة الأمن والنظام، كما أنّه أمسك بمجلس شورى الشعب الذي أعاد انتخابه مراراً، واختار زميلاً عسكرياً موثوقاً به لرئاسة مداولاته. (جنكينز، 1997: سوهارتو وجنرالاته، جامعة كورنيل، نيويورك).

إلى جانب ذلك، أسّس سوهارتو هيكلاً موازياً للسلطتين العسكرية والمدنية من أجل السيطرة على أجهزة الدولة البيروقراطية. (يُتّبع هذا النهج في كثير من دول العالم الثالث، ففي سوريا مثلاً لا تزال القوى الأمنية بمختلف مسمياتها، تسيطر على مفاصل الدولة ومؤسساتها وأجهزتها وتلعب دوراً رئيساً في عمليات التعيين واﻹقالة).

يؤكد الكاتب الأسترالي هارولد كراوتش (Harold Crouch) أنّ السيطرة على القوات المسلحة الإندونيسية «شكّلت أولوية سوهارتو في السنوات الأربع الأولى التي تخلّص خلالها أيضاً من بقايا نظام سلفه سوكارنو، ومن العناصر المتطرفة المناهضة لحكمه». كما أنّه قلّل من استقلالية الركائز الثلاث للقوات المسلحة، أي البحرية والجوية والشرطة الوطنية، وهي وقائع تشبه الحالة السورية في مرحلة ما بعد السبعينيات.

اكتمل طموح سوهارتو في نهاية 1969 عبر دمجه القوات المسلحة الإندونيسية تحت قيادة واحدة يتحكم فيها بنفسه. ولم يكن مستغرباً في ذلك الوقت أن يوّثق الجيش الإندونيسي صلاته بأعضاء «حزب المجموعة الوظيفية» (Golkar بالملاوية) وهو الحزب الرئيسي في البلاد بين العامين 1971، 1999.

غطاء تشريعي لسيطرة الجيش

حققت إندونيسيا في عهد سوهارتو ما لم يتحقق في سوريا مع إضفاء سلطاتها طابعاً شرعياً على الوظيفة المزدوجة للجيش بصفته قوة دفاع تشارك في السياسة المدنية وفي الحكم، بموجب القانون رقم 20/1982 المتعلّق بأنظمة دفاع الدولة، فيما بقيت القوة العسكرية في سوريا في مقام الدولة العميقة.

نظمت المادتان 26 و28 من القانون المذكور الأدوارَ غير العسكرية لـ«القوات المسلحة الوطنية»، إذ نصّت الأولى على أنّ القوات المسلحة «قوة دفاع، وقوة اجتماعية»، فيما استعرضت الثانية الدور الاجتماعي المنوط بها كونها محركاً و«عامل استقرار» يتحمل بمساعدة القوى الاجتماعية الأخرى «مسؤولية تأمين وتعزيز نضال الأمة من أجل الاستقلال وازدهار الشعب». وأشار البند الثاني من المادة 28 إلى تكليف القوات المسلحة بـ«المشاركة النشطة في التنمية وتعزيز الدفاع الوطني» عبر المساهمة في صنع القرارات المتعلقة بشؤون الدولة والحكومة. وفي العام 1988 أعاد قانون آخر حول عناصر القوات المسلحة التأكيد أنّ الجندي يؤدي وظيفته المزدوجة.

يلقي جنكينز الضوء على المساحة السياسية التي حازتها القوات المسلحة تحت قيادة سوهارتو، فيقول: «كانت وزارة الشؤون الداخلية - المعقل الكبير الآخر لسوهارتو - ذات أهمية متساوية مع منظومة القوى السياسية الحزبية والبيروقراطية، إذ وصل التأثير إلى مستويات دنيا مثل القرى والمدن الصغيرة».

ويشير أيضاً إلى أنّ العسكريين في المناصب الوظيفية للدولة سيطروا على مشهد الشؤون الداخلية بنسبة تقارب 90%، وفي العام 1977 مثلاً كان 21 من أصل 27 من حكّام المقاطعات من رجال الجيش. هذا التقليد موجود في «سوريا البعث»، حيث كثير من المحافظين من رجالات الجيش (البعثيين بالضرورة)، ومن المتقاعدين ذوي الفعالية المنخفضة، ولم يجرِ انتخاب أيّ محافظ منذ العام 1977.

شغل أعضاء الجيش الإندونيسي مناصب عدّة في مجلس الوزراء والسفارات، ومقاعد في مجلس النواب والمجلس الاستشاري الشعبي، وكذلك في برلمانات المقاطعات، كما عُيّن عدد منهم في مناصب العُمد والمحافظين. وفي أول حكومة لسوهارتو، كان ثمانية من أعضاء مجلس الوزراء الـ23 ينتمون إلى القوات المسلحة. 

تواصل حضور العسكر في المشهد إلى نهاية عهد سوهارتو، ولكن كان عدد النواب العسكريين في مجلس النواب مئة عضو في انتخابات العام 1992، ثم انخفض إلى 75 في العام 1998، وإلى 35 في العام التالي، وخسرت القوات المسلحة مقاعدها في البرلمان منذ 2004.

جعلت سياسات سوهارتو الجيش الإندونيسي أقلّ حرفية في دوره الدفاعي، في الوقت الذي بدا فيه محترفاً في قطاعي الأعمال والسياسة، ما خلق إشكالات برزت خلال أزمة التسعينيات المالية على وجه الخصوص، فيما أثارت المطالب بإلغاء الدور الاجتماعي والسياسي للقوات المسلحة أزمة مركّبة في أعقاب سقوط نظام سوهارتو.

جاكرتا 1998 / من مجموعة صور نشرتها الحكومة الإندونيسية

الأزمة المالية وسقوط سوهارتو

يمكن الافتراض أنّه لولا الأزمة المالية العارمة التي ضربت إندونيسيا وشرق آسيا، لما تغيّر النظام السياسي، بخاصة أنّ حدّة الأزمة أطاحت بطرفة عين بالنموذج الاقتصادي في المنطقة.

انفجرت الأزمة المالية الآسيوية في النصف الثاني من العام 1997، حين شهدت أسواق «النمور الآسيوية» انهياراً كبيراً بدأ في تايلاند وطاول بقية دول المنطقة سريعاً، انخفضت أسعار الأسهم، واهتزّت الثقة بالسوق.

كانت البصمة الأكبر للمضاربين الدوليين إذ كانت أموالهم بالدولار سلعةً يعطونها السعر الذي يريدون، وعندما وجدت الدول الآسيوية أنّ هذه المضاربات تؤثر في قيمة عملاتها، بدأت برفع أسعار الفائدة لوقف التحويل من العملات الوطنية إلى الأجنبية. أدى ذلك إلى تحوّل المستثمرين من الأسواق المالية نحو إيداع أموالهم في البنوك، في عمليات نجم عنها ارتفاع في بيع الأوراق المحلية لوضع ثمنها بالدولار في البنوك، وهو ما خفّض من قيمة هذه العملات في الأسواق المالية.

نتيجة لذلك، ارتفعت في أقلّ من ثلاثة أعوام (1993 حتى 1996) نسبة الديون الأجنبية قياساً بالناتج المحلي الإجمالي من 100% إلى 167% في اقتصادات جنوب شرق آسيا، واجتازت عتبة 180% في ذروة الأزمة.

دارت في السوق حرب مشابهة لتلك التي استعرت في البنوك والبورصات، إذ تحوّل التضخم بين عشية وضحاها إلى وحش يلتهم مدّخرات الناس التي استحالت أكواماً بلا قيمة من العملات المحلية.

نشبت شرارة أعمال العنف في 10/1997 على إثر مقتل أربعة طلاب، وانتهت بعدد ضحايا قدّر بـ 1200. برز في حينها دور «الإصلاحيين» الذين طالبوا بإخراج القوات المسلحة من المشهد السياسي، وهو ما تقاطع مع خطاب مجموعات الطلاب الذي حظي بدعم من الطبقة الوسطى، فيما اضطر سوهارتو إلى الاستقالة في 21/5/1998 مسلّماً السلطة إلى نائبه بحر الدين يوسف حبيبي (B. J. Habibie).

B. J. Habibie يؤدي اليمين الدستورية عام 1998 بعد سقوط سوهارتو / الحكومة الإندونيسية

انتهج الحكم المدني، وبخاصة الرئيس حبيبي والفرع التشريعي، نهج التغيير التدريجي طبقاً لـ«النموذج الجديد» للقوات المسلحة الذي أصدره رئيس أركانها الجنرال ويرانتو (Wiranto) وأسهم في تقليل الحضور ضمن المشهدين الحكومي والسياسي.

أثمرت خطابات التغيير في 2/10/1998 مع إصدار قيادة القوات المسلحة ورقة بيضاء بعنوان «في القرن الحادي والعشرين: إعادة تعريف، وإعادة تحديد، وإعادة صياغة دور القوات المسلحة الإندونيسية في الحياة الوطنية»، حلّلت عبرها أدوارها السابقة وتقييمها في ظلّ السعي إلى تحديد الدور المستقبلي في الحياة الوطنية. لم يشارك الجيش في انتخابات العام 1999، وتقلّص دوره السياسي تدريجاً.

حمل 1/4/1999 تطوراً كبيراً، إذ جرى فصل الشرطة الوطنية عن القوات المسلحة، وتغيّر اسم الأخيرة من (ABRI) إلى «الجيش الوطني الإندونيسي» (TNI)، فيما أخذ التخلّص من مجموعات القوات المسلحة الإندونيسية في البرلمانات الوطنية والإقليمية والمقاطعات مساراً تدريجياً.

أخيراً، قُطِعت العلاقات التنظيمية بين الجيش وحزب جولكار، والتزم الجيش البقاء على الحياد في الانتخابات العامة، وأخذ مسافة واحدة من كافة الأطراف السياسية.

دعم «عصر الإصلاح» والحركة الطالبية التغييرات التي أنهت الدور الاجتماعي للقوات المسلحة في إندونيسيا، ولكن بعض النقّاد يصرّون على أنّ دور الجيش في قطاع الأعمال لم ينتهِ بعد.

ثمة مشكلة إندونيسية أخرى تتمثل في القيادة الإقليمية للمقاطعات والمناطق، إذ شكّلت هذه المنظومة واحدة من أبرز أدوات سوهارتو التي استخدمها طوال عقود لترسيخ حكومة عسكرية تتخفى وراء ثوب مدني. ولقد قاومت القوات المسلحة جهود الإصلاح على هذا الصعيد، ورفضت تقويض المنظومة المتقادمة، مكتفية بالموافقة على التخلي عن الاستشارات المحلية التي سلّمت إدارتها إلى الحكومات المدنية.

تذرّع الجيش بأنّ القيادات الإقليمية هي الضامن لوحدة إندونيسيا التي يعتبرها خارج التفاوض، بخاصة أنّ الوحدة كانت محطّ جدل واسع خلال حقبة الإصلاح في ظلّ بروز بدائل أخرى على غرار الفيدرالية والكونفدرالية ونظام اللامركزية.

لم تكن المشكلة في الخطابات الرسمية أو الموازية فقط، إذ في الواقع لم تطرأ تغييرات على شكل الدولة ونظامها، فيما ساهمت قوة الجيش في رفض التغييرات رغم جولات التعديل المتعددة على دستور 1945. وقد صدّر ذلك جنرالاً من الجيش للفوز في الانتخابات الرئاسية العام 2004 (سوسيلو بامبانغ يودهويونو/Susilo Bambang Yudhoyono)، فرفض بدوره فكرة إلغاء الأوامر الإقليمية للقوات المسلحة الإندونيسية، معتبراً إياها جزءاً من نظام الدفاع والأمن.

في العموم، بقي الجيش حاضراً عبر سيطرته العسكرية على أجزاء رئيسية من النظام الجديد، ولكنه أقرّ خطوات هدفت إلى التخلص من مهامه السياسية بالتدريج.

يتبع


Share!

لا يتبنى «صوت سوري» أي توجه مسيس للملف السوري ولا تقف وراءه أي جهة سياسية.
نحن نراهن على دعمك لنا في الوصول إلى جميع السوريين والسوريات.

إذا رأيت أن خطابنا يستحق الوصول انشري / انشر هذا المقال من فضلك

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها