× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

النساء وما قاله «أهل أوّل».. البداية مَثَل والنهاية جريمة!

حكاياتنا 19-10-2022

المتمعن في الكثير من الأمثال الشعبية وكلام «أهل أوّل» الذين «ما تركوا شي ما قالوه» سيلاحظ الكم الهائل من خطاب الكراهية الطافح منها، سواء كان مستتراً أو ظاهراً على رؤوس الحروف والكلمات، ونراه لا يتوقف عند استهداف المرأة فحسب، بل يمتد على أسس مناطقية أو طبقية أو غيرها

الصورة: (Jaime de la Cruz-فليكر)

إنها الثانية بعد منتصف الليل، أوصل الليل أصواتهم الضائعة بين النوافذ المضيئة والمظلمة، فكما يقال بين الناس «صوت الليل بودي». 

بلغ الصراخ آذان الجميع، سمعتُه واضحاً، كان صوتاً ذكورياً ينخر جدران النائمين من حوله: «سكري تمك.. اخرسي»، وغيرها من ألفاظ قاسية، يقابلها ترجٍّ مع بكاء وشهقات. الحوار غير لطيف والخلاف عنيف، تختلف التسميات ولكن لن يختلف اثنان من السامعين في الحي على حقه في ضربها والصراخ عليها، فهي «مُلك يمينه»، و«نصفه الثاني»، و«ضلعه القاصر»، و«حَرفه الناقص».. هَمُّها سيبقى حتى الممات، ولسانها كما شعرها كلما طال وجب أن يُقص.. ولا داعي لتدخل أحد ليفك «المضروبة»، فهي كما الزيتون «لا تحلو إلا بالرص».

ليست هذه جملاً منتقاة، أو عابرة تُقال لتبرر ما يحدث في كثير من البيوت السورية، بل هي أمثال شعبية، خلقت شرعية ما، لتجعل المرأة ضحية تعنيف الرجل، بعادة توارثتها الأجيال كما لون العينين وزمرة الدم، أو حتى وثيقة دين ومعتقد يستلمها الابن من أبيه.

المرأة في الأمثال الشعبية 

«الأمثال الشعبية معتقدات نتناقلها منذ الطفولة، وتكرار استخدامها وترديدها أدى إلى ترسيخها في عقول الناس وحياتهم»، بحسب ما تقول الاختصاصية النفسية منار عبد الله. 

بعض تلك الأمثال «يعكس قناعات وتربية خاطئة تُلحق بالأنثى وصمة غير عادلة، وقد تسبب خلافات تصل للعنف كونها جزءاً من معتقدات يتمسك البعض بها ويتصرف بهديها»، تضيف.

تبرّر بعض الأمثال العنف ضد المرأة، بل وتشجّع عليه - الرسم: DIY abuse - كارتون موفمينت

لا يتطلب الأمر كثيراً من البحث في مضمون هذه الأمثال، لنرى نصيب المرأة من الاستهداف والتصغير وحتى الإهانة واضحاً، وكبيراً. وقد لعب تكرارها في الدراما السورية دوراً في تكريسها، والتصاقها بعقول الصغار والكبار، لتستمر الأحاديث اليومية حافلةً بفيض من الكراهية والتنميط الموجهة ضد النساء، فـ «عقربتين ع الحيط ولا كنتين بالبيت»، و«حَطوا المرة وإبليس بالكيس طلع إبليس من الكيس عم يستغيث»، و«لو طلعت البنت عالمريخ آخرتا عالطبيخ». وينصحك المثل قائلاً: «اضرب مرتك كل يوم إذا أنت ما بتعرف ليش هي بتعرف ليش»، فـ«المرأة متل السجادة كل فترة بدها نفض»، و«إذا بدك مرتك تلين عليك بحطب التين»، إلى آخر القائمة التي تتضمن دعوات صريحة للعنف الجسدي، تُكرر بتلقائية، وببساطة شرب كأس من الماء. 

تؤكد الدكتورة رهف قصار بني المرجة، المحاضرة في كلية الإعلام بدمشق أن هذه الأمثال تلعب دوراً في ترسيخ خطاب الكراهية والعنف ضد المرأة. 

تقول: «(هذه) الأمثال الشعبية تبرر للرجل مسبقاً همجيته العضلية أو اللفظية، وتجعلها وسيلة لضبط سلوك الأسرة. يجب الحذر من ترديدها سواء بالمزاح أو السرد الدرامي القصصي لأنها تعزز ثقافة العنف التي تودي بحياة المئات سنوياً».

مناطقية.. وعنصرية.. وتمييز

المتمعن في الكثير من الأمثال الشعبية وكلام «أهل أوّل» الذين «ما تركوا شي ما قالوه» سيلاحظ الكم الهائل من خطاب الكراهية الطافح منها، سواء كان مستتراً أو ظاهراً على رؤوس الحروف والكلمات، ونراه لا يتوقف عند استهداف المرأة فحسب، بل يمتد على أسس مناطقية أو طبقية أو غيرها. حيناً يهاجم ابن الريف، أو البادية (بحسب حاجة المتكلم)، لنسمع: «الريفي» (أو الفلاح، أو البدوي) إذا تمدن متل الجحش إذا تكدن». ويهاجم حيناً المعوّقين والمعوّقات تحت ستار «الحكمة»، فـ«إذا شفت الأعمى طبو مانك أرحم من ربو»، و«خود البنت المستورة، ولو كانت فكحة وعورة» «أعطي الخرسا سر، بتصير بلبل»، و«لكل قمحة مسوسة كيال أعور»، إلخ. 

التغيير مسؤولية

رغم انطواء عقود طويلة، وربما قرون على الحكايات والقصص التي وُلد منها كثير من الأمثال الشعبية، وامّحاء ذكر قائليها المجهولين، ورغم التطور، والتغيرات الهائلة على مختلف الصعد بالمقارنة بين زمننا الحاضر وأزمنة غابرة، ما زال الموروث الشعبي يتنفس بين ركام ما حطمه العلم والتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، حاملاً العنصرية على منبر جزء غير قليل من المنطوق الشفوي المتوارث. ما يُحتّم على الجميع وخاصة العاملين في الدراما والوسائل الإعلامية والمنابر التي توازيها تكثيف الجهود لتفكيك تلك الأمثال ذات المضامين المؤذية، ومحتواها المتخلف، والعمل على حذف الخطابات المنتقصة من حقوق وكرامة بعض الفئات الاجتماعية، والعمل على إبدالها بأفكار وقيم تعزز تقبل الآخر، واحترامه والاقتناع بأن لا مكان للون الواحد في هذا العالم.

كُتب هذا المقال لصالح مؤسسة «مَوج»، ويُنشر في إطار شراكة بين الموقعين لمواجهة خطاب الكراهية.


Share!

لا يتبنى «صوت سوري» أي توجه مسيس للملف السوري ولا تقف وراءه أي جهة سياسية.
نحن نراهن على دعمك لنا في الوصول إلى جميع السوريين والسوريات.

إذا رأيت أن خطابنا يستحق الوصول انشري / انشر هذا المقال من فضلك

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها