× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

ريف حلب: الأسمدة العضوية ضيف مؤقّت؟

حكاياتنا - خبز 31-12-2022

يشهد ريفا حلب الشمالي والشرقي اهتماماً من المزارعين باستخدام الأسمدة العضوية، بدلاً من الكيميائية، مع ما يعنيه هذا من آثار إيجابية على التربة، والزراعة، والنظام البيئي، علاوة على الحفاظ على صحة الإنسان، والحيوان، والنبات على حدّ سواء. غير أن هذا التحول يبدو حتى الآن محكوماً بارتفاع أسعار الأسمدة الكيميائية، ولم يتحوّل إلى نهج مُستدام بعد

الصورة: (حسين الخطيب)

يشكو كثير من مزارعي ريف حلب انخفاض مردود المواسم الزراعية الأخيرة بشكل مطّرد، ما تسبب في تحول الزراعة إلى عمل خاسر، بعدما كانت مصدر رزق رئيسياً لنسبة كبيرة من السكان.

مع بداية الموسم الزراعي الحالي قرر عدد من مزارعي الريفين الشمالي والشرقي، التحوّل نحو استخدام الأسمدة العضوية، في خطوة فَرضت نفسها نتيجة الضغوط الاقتصادية والمعيشية، تزامناً مع شح الهطولات المطرية وانخفاض منسوب المياه الجوفية، فضلاً عن الاستخدام المفرط للأسمدة الكيميائية لسنوات طويلة، ما انعكس آثاراً كارثية على التربة التي لم تستطع تعويض عناصرها بشكل دوري، بسبب عدم مراعاة المزارعين الخطط الزراعية التي تسهم في استمرار الإنتاج دون الإضرار بالعناصر الطبيعية.

وشهدت الأسمدة الكيميائية خلال الموسم الزراعي الحالي 2022/ 2023، ارتفاعاً ملحوظاً لأسعارها، فبات سعر الطن الواحد يراوح من 1000 إلى 1200 دولار أميركي. يحتاج العديد من المزارعين إلى طنّين اثنين سنوياً من الأسمدة لكلّ منهم، تبعاً لمساحة أراضيهم، ما يعني تكبد نحو 2500 دولار في كل موسم زراعي، بحسب المزارع عبد الله الرجب.

صوت سوري · صوت عبدالله الرجب

يقول الرجب: «أسعار الأسمدة الكيميائية ترتفع بشكل كبير، وأصبحت أمراً مرهقاً لي، لذلك اخترت الأسمدة العضوية لأنها ذات فعالية تستفيد منها التربة لأكثر من ثلاثة سنوات. هكذا تنخفض الكلفة، وأحقق إنتاجية مستدامة في آن». ويضيف: «سعر المتر المكعب من الأسمدة العضوية نحو 100 دولار أميركي. تبلغ مساحة أرضي 10 هكتارات، وتحتاج نحو 15 متراً مكعباً، ما يعني أنني وفرت مبلغاً قدره 1000 دولار لهذا الموسم».

مزايا مؤقتة.. وأخطار مُستدامة

تتمتع الأسمدة الكيميائية ببعض المزايا، أولها المردود السريع، كونها تتحلل بفعالية آنية وتحتوي على نسب معروفة من العناصر الغذائية، ولها دور في تعويض نقص بعض العناصر المغذية في التربة التي تخضع لزراعات مكثفة على مدار أعوام متتالية، فضلاً عن المساهمة في رفع إنتاجية المحاصيل الزراعية، لمواكبة زيادة الطلب على الغذاء.

رغم تلك الإيجابيات فإن سلبياتها مضاعفة، ويوصف الإفراط في الاعتماد عليها بـ«الزراعة العدوانية التسخيرية»، وهو نمط يتوخى جني محصول وفير في وقت قصير، بدون الاهتمام بأمر التربة والماء، ولا حتى المحافظة على استدامتها، بحسب ما أكدت العديد من الدراسات التي تشير إلى الإفراط العشوائي في استخدام الأسمدة الكيميائية، وما يحدثه من تأثيرات كارثية على النظام الحيوي والبيئي عامة، ويشمل ذلك صحة الإنسان والحيوان والنبات نفسه.

المشكلة الأخطر هي استخدام الأسمدة من دون دراسات وافية للتربة، والظروف المحيطة، بغية تحديد قواعد التسميد الأنسب التي تختلف من بقعة جغرافية إلى أخرى، وقد تختلف بين فترة زمنية وسواها

أيضاً، ثمة علاقة وثيقة بين الإفراط في التسميد الكيميائي، وتلوث مياه الشرب بمشتقات نتروجينية تزيد مخاطر الإصابة بالعديد من السرطانات (مثل المعثكلة، والمعي الغليظ، والبنكرياس، والمثانة، والغدة الدرقية)، إذ تتسرب النترات من الأسمدة الكيميائية إلى المياه الجوفية التي تكون في كثير من المناطق مصدراً أساسياً للشرب. 

كما ترتبط الخطورة الأكبر بمركبات النترات التي يتحول جزء منها عن طريق الاختزال إلى أيون النتريت، الذي يسبب أضراراً لصحة الإنسان، إذ يغير طبيعة الدم ويمنعه من القيام بوظيفته الرئيسية في نقل الأكسجين إلى جميع خلايا الجسم، فيما أثبتت بعض الدراسات أن الخطورة الأكبر تتركز على الأطفال. 

«العضوية».. منافع بطيئة

يعد استخدام المواد العضوية في التربة أمراً مهماً للغاية، وهي مواد ناتج عن جزئيات وكليّات المخلفات الحيوانية والنباتية المتحللة، وتسهم في إنتاج غذاء آمن صحياً، فضلاً عن زيادة في إنتاجية الأبصال ووزن المادة الجافة، وعناصر النتروجين والفوسفور والبوتاسيوم للنبات عند إضافة مخلفات الدواجن ومخلفات الأبقار. 

يوضح المزارع عمر نعسان، أن الأسمدة العضوية تستخدم من قبل المزارعين في ريف حلب الشمالي منذ عقود، لكن بشكل محدود، لأنها تأخذ وقتاً في التحلل واستفادة التربة منها على مراحل، إضافة إلى ارتفاع أكلاف نقلها، وتحضيرها، ما يدفع المزارع إلى الاستغناء عنها حين تتوافر الأسمدة الكيميائية بيُسر.

صوت سوري · صوت عمر نعسان

يقول نعسان «عملياً، الأسمدة العضوية لا تغني التربة بشكل فوري، وإنما تسهم في تحسين الإنتاج، وتعوض نقص عناصر تكوّن التربة، وكلما طالت فترة وجودها في التربة استطاعت دعم التربة بشكل أفضل، بفضل التخمير».

اشترى الرجل قبل أيام حمولة سيارة من الأسمدة العضوية الناتجة عن فضلات الدجاج والأبقار، قادمةً من تركيا عبر معبر باب السلامة، لكنه حتى الآن لم يقتنع بالاستغناء عن الأسمدة الكيميائية بالكامل، ويعلل ذلك بأن «الأسمدة العضوية لا تغطي كل العناصر المفقودة من التربة».

من جهته المهندس الزراعي موسى البكر، يرى أنه «لا يمكن الاعتماد على الأسمدة العضوية وحدها، كونها تحتوي على عناصر مغذية ذات تركيز خفيف لا تغطي حاجة التربة، خلافاً لما توفره الأسمدة الكيميائية كاليوريا والبوتاسيوم والكالسيوم والفوسفور، فلذلك يمكن استخدام كلا النوعين معاً (بنسب مدروسة)، مع مراعاة استخدام العضوية لأنها مفيدة للبيئة».

تتحلل الأسمدة العضوية على مراحل، وتمكن الاستفادة منها لثلاث سنوات بشكل كامل في حال كانت عملية التخمير قائمة، وتستخدم لحفظ خصوبة التربة والرطوبة والمياه. أما الأسمدة الكيميائية فذات تركيزٍ مرتفع يحقق إنتاجية لمدة عامين، جيدة في العام الأول، وضعيفة في الثاني.

صوت سوري · صوت موسى البكر

ويرفع السماد العضوي محتوى التربة من المادة العضوية التي تحوي العديد من المغذيات، وتحسن خصائصها الفيزيائية والكيميائية والبيولوجية، باعتبار التربة كائناً حياً يجب الحفاظ على خصوبته وزيادتها على المدى الطويل.

يشرح المهندس البكر: «تتحلل الأسمدة العضوية في التربة وتصبح جزءاً منها، وتحافظ على طعم الخضار والفاكهة، بينما الكيميائية عكس ذلك، ورغم تحللها السريع ونتائجها الآنية، فهي غير صحية».

من جهته الصحافي المختص بالصحافة البيئية، حسان فاضل، يوضح أن «السماد العضوي يحوي كل العناصر والمركبات التي يحتاجها النبات، لكنه يحتاج إلى تخمير حتى يكون أكثر فائدة، ومن مزاياه المهمة أنه متوافر على مدار العام بشكل مقبول، ويتحلل بشكل بطيء».

ويضيف: «الهدف الأساسي من الزراعة العضوية هو الحصول على إنتاج صحي عن طريق حماية التربة، والماء، والتنوع البيولوجي، والمناخ، ما يعني ضمان أن الأجيال القادمة ستستهلك أغذية صحية، ومن الضروري ألا يلحق أي ضرر بالدورة البيئية الطبيعية خلال الإنتاج، واستغلال الموارد الطبيعية».

في المحصلة، تتمثل المشكلة الأخطر في استخدام الأسمدة بمختلف أنواعها، وبشكل خاص الكيميائية، من دون دراسات وافية للتربة، والظروف المحيطة، بغية تحديد قواعد التسميد الأنسب التي تختلف من بقعة جغرافية إلى أخرى، وقد تختلف بين فترة زمنية وسواها، ولذلك أقرّ المؤتمر العام لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو) في روما العام 2019 «مدوّنة السلوك الدولية بشأن استخدام الأسمدة وإدارتها على نحو مستدام». غير أن التزام هذه المدونة في سوريا لا يبدو أولويةً حتى الآن.

أُنجز هذا المقال في إطار برنامج تدريبي لموقع صوت سوري


Share!

لا يتبنى «صوت سوري» أي توجه مسيس للملف السوري ولا تقف وراءه أي جهة سياسية.
نحن نراهن على دعمك لنا في الوصول إلى جميع السوريين والسوريات.

إذا رأيت أن خطابنا يستحق الوصول انشري / انشر هذا المقال من فضلك

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها