× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

الزراعة السورية والأسمدة: «أزمة صامتة» باستثمار روسي

عقل بارد - على الطاولة 31-12-2022

يسهم الارتفاع المستمر في أسعار الأسمدة المصنّعة في تعميق أزمات الزراعة في سوريا. وبرغم أن كثيراً من هذه الأسمدة تُصنع داخل البلاد، يتحكم المستثمر الروسي بأسعارها التي تُباع بما يفوق الأسعار العالمية، ما أسهم في خفض الإنتاج الزراعي، خاصة بعدما رُفع الدعم الحكومي عن قطاع الأسمدة

الصورة: (حسين الخطيب)

يُعزى تراجع إنتاج المحاصيل الزراعية في سوريا إلى أسباب عديدة، من أهمها التغير المناخي، وانخفاض استخدام الأسمدة. وعلى امتداد الأراضي السورية من القامشلي إلى درعا إلى إدلب يبدو نقص العناصر جلياً على النباتات، سواء كانت أشجاراً أو محاصيل حقلية.

قد لا تُدرك أذهان غير المشتغلين في الزراعة دور الأسمدة في إنتاج المحاصيل، لكن المؤكد أن الإنتاجية الزراعية تنخفض بشكل كبير من دون استخدامها، إذ يماثل دور الأسمدة عند النبات الغذاء عند الإنسان، فكلاهما مهم للنمو والصحة والاستمرارية. 

كما هو معروف تنقسم الأسمدة إلى قسمين أساسيين: عضوية، وصناعية (كيميائية).

بشكل عام، لا يمكن توفير الغذاء لهذا العدد الهائل من البشر على سطح الكرة الأرضية من دون الاستعانة بالأسمدة الصناعية، فكل طعام نباتي تقريباً يتناوله البشر يأتي بمساعدة الأسمدة، وهذا ينطبق على أعلاف الحيوانات التي يربيها الإنسان من أجل لحومها ومنتجاتها. 

تستنزف الزراعة المستمرة للأراضي العناصر المغذية في التربة، وهذا هو السبب في استخدام المخصبات الزراعية والأسمدة الكيميائية لتعويض التربة بالفاقد منها، وتأمين حاجة المحاصيل. وللدلالة فإن استخدام الأسمدة بالكميات المدروسة لكل محصول يرفع الإنتاجية الزراعية بمعدل 35%، بينما تكلفة الأسمدة الزراعية (عالمياً) تمثل نحو 15% تقريباً من تكلفة إنتاج المحاصيل، لذا يُعتبر السماد حجر الأساس في ربحية المزارع واستمرار الزراعة.

تُشير المعطيات إلى أن العامل الحاسم للمزارع السوري في استخدام الأسمدة هو سعرها. وبحكم توزع مناطق السيطرة في سوريا، فإن محافظة إدلب، والأراضي التي تسيطر عليها تركيا في الشمال السوري عادة ما يكون مصدر أسمدتها تركيا، حيث الأسعار مرتفعة ومتغيرة بسبب تدهور الليرة التركية. بينما قسم كبير من الأسمدة التي تُستخدم في مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية يأتي من مناطق سيطرة دمشق، ما يجعل الحكومة السورية هي المتحكم بسعر الأسمدة لأغلب أراضي سوريا الزراعية، وهي مستمرّة في رفع أسعارها.

يتيح عقد الشركة الروسية تصدير السماد في حال اكتفاء السوق الداخلية فقط، لذلك تضغط باستمرار لكي تباع الأسمدة داخلياً بالسعر العالمي، وبطبيعة الحال يثمر ضغط أي جهة روسية

في تشرين الثاني/نوفمبر من العام 2018، وقّعت دمشق عقداً مع شركة «ستروي ترانس غاز»  يقضي باستثمار الشركة الروسية مدة 40 عاماً قابلة للتجديد للشركة العامة للأسمدة، التي تتبع لها ثلاث معامل للأسمدة الزراعية، هي: معمل الأسمدة الفوسفاتية، ومعمل الأمونيا يوريا، ومعمل السماد الآزوتي، ويُباع إنتاجها عبر المصرف الزراعي.

مع توقيع العقد برزت مخاوف حول رفع الدعم عن الأسمدة الزراعية، وهذا ما تحقق بالفعل مع توقف المصرف الزراعي في حزيران/يونيو 2021 عن بيع السماد للفلاحين بالسعر المدعوم بناءً على توصية اللجنة الاقتصادية في مجلس الوزراء، وقرر المصرف أنها «ستباع بسعر التكلفة».

يتيح عقد الشركة الروسية تصدير السماد في حال اكتفاء السوق الداخلية فقط، لذلك تضغط باستمرار لكي تباع الأسمدة داخلياً بالسعر العالمي، وبطبيعة الحال يثمر ضغط أي جهة روسية! وقتَ إعداد هذا المقال، كان سعر طن اليوريا 3 ملايين ليرة سورية (545 دولاراً) بينما كان السعر العالمي 515 دولاراً، أي أقل من السعر الذي يُفرض على المزارع السوري، مع أن الإنتاج داخلي، ولا يحتاج شركات تأمين، أو أجور نقل مرتفعة، ولا حتى تخزين، فالسوق بحاجة ماسة إلى الأسمدة، وأسعار الأسمدة المصدرة من روسيا نفسها أقل من السعر العالمي بـنحو30% بسبب الحرب في أوكرانيا.

نعود للتذكير بأن هذه الأسعار هي للأسمدة التي يبيعها المصرف الزراعي، وهو عادة لا يوفر سوى نسبة صغيرة من احتياج السوق السورية. على سبيل المثال، في العام 2021 كانت حاجة المحاصيل الاستراتيجية فقط (القمح والشوندر والقطن والتبغ) من اليوريا والفوسفات 300 ألف طن، بينما توافر في المصرف الزراعي من سماد اليوريا 29.5 ألف طن، ومن الفوسفات الممتاز نحو 38 ألف طن فقط.

أما الأسعار خارج المصرف، فهي أعلى بكثير، وقد تصل إلى الضعف، فمثلاً سعر كيس اليوريا (50 كغ) من المصرف مباشرة 150 ألف ليرة، أما خارجه فمن 250 إلى 300 ألف ليرة. بطبيعة الحال، سيؤدي قانون العرض والطلب في حال ندرة المعروض إلى رفع السعر أكثر، والسوق السوداء للأسمدة ليست نتاجاً عرضياً للفساد، بل هي أقرب إلى كونها ممنهجة بشكل مدروس، والكميات المتوافرة من معامل السماد خارج المصرف تفوق ما يوفره المصرف بأضعاف، وطبعاً عبر أشخاص محددين.

شهدت أسعار السوق السوداء ارتفاعات جنونية في فترات معينة، وخصوصاً بعد الحرب في أوكرانيا، فمثلاً ارتفع سعر كيس اليوريا إلى 250 ألفاً، ثم وصل إلى 500 ألف، وهذا يفسر  كثيراً من أسباب تحول الزراعة إلى نشاط اقتصادي خاسر. 

وهذا رسم يبين تغيرات سعر الأسمدة في العامين الأخيرين

أما في العام 2011 فكان طن اليوريا يباع بـ 4 آلاف ليرة سورية، أي أنه تضاعف 750 مرة بحساب الليرة السورية، بينما تضاعف سعر الدولار مقابل الليرة 110 مرات، ليبلغ الارتفاع الفعلي بحساب الدولار نحو 7 أضعاف.

علاوة على ما تقدّم، يشكو كثير من المزارعين من نوعية الأسمدة المباعة عبر المصرف الزراعي، وخصوصاً الآزوتية (اليوريا والأمونيا)، ومردّ ذلك بحسب مصادر من داخل الشركة العامة للأسمدة إلى أن «إنتاج الأسمدة الآزوتية يحتاج طاقة كبيرة مستمدة من الغاز، ولتوفير التكلفة تختزل عمليات ومراحل التصنيع، والناتج النهائي سيكون أقل جودة». 

في المحصلة، تنعكس هذه المعطيات سلباً على إنتاج المحاصيل في سوريا، ومع ازدياد التكلفة صار المزارع أكثر انتقائية في زراعته، ولجأ إلى تقليل المساحات المزروعة، أو قرر التوقف عن الزراعة، وبالتالي انخفض الإنتاج، وتراجعت النوعية بشكل كبير، ليسهم ذلك في تزايد أسعار السلع الغذائية، بما في ذلك أسعار اللحوم.

أُنجز هذا المقال في إطار برنامج تدريبي لموقع صوت سوري


Share!

لا يتبنى «صوت سوري» أي توجه مسيس للملف السوري ولا تقف وراءه أي جهة سياسية.
نحن نراهن على دعمك لنا في الوصول إلى جميع السوريين والسوريات.

إذا رأيت أن خطابنا يستحق الوصول انشري / انشر هذا المقال من فضلك

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها