× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

هربن من عباءة الذكورية إلى تنميط أوروبي.. «الاندماج الجنسي» مستحيل؟

حكاياتنا - خبز 21-05-2023

يقال إن العلاقات الجنسية تعدُّ أحد ميادين صراع الثقافات، ومعتركاً يخوض غماره السوريون في الاغتراب، وتحديداً الفتيات اللواتي عليهن خلع «تابوهات» غرسها المجتمع الأصل، ومحاولة التغلب على المعوقات التي تحول بينهن وبين إقامة علاقات جنسية بصورة سلسة داخل الزواج أو خارجه. فهل يكون الأمر سهلاً، وإلى أي حد يلعب تباين الثقافات دوراً في تعقيده؟

لا يقتصر ماراثون الاندماج الذي يخوضه السوريون في أوروبا على تعلم اللغات والانخراط في سوق العمل وتأمين الحياة الاجتماعية بعلاقات تكفل العبور إلى المجتمع الجديد عوضاً عن التقوقع في مجتمعات المهاجرين، وإنما يحتاجون مرغمين إلى تقديم ما يثبت نزع شرقيتهم، والتخلي عن عادات وأنماط سلوكية لن تجد لها طريقاً إلى الثقافات الأوروبية.

عَدْوُ السوري في هذا الماراثون يختلف بين شخص وآخر، فإلى جانب من يبقي نفسه في الصفوف الأخيرة صارفاً نظره عن امتيازات ذلك الاندماج، ثمة آخرون يلهثون نحو مهر جميع تفاصيل الحياة بالصبغة الأوروبية، وينصب اهتمامهم في السنوات الأولى على السعي وراء أي وسائل تسرّع الاحتضان من المجتمع الجديد. 

لعل أبرز أنصار التوجه الثاني هم(ن) من يرتبطون عاطفياً بشريك أوروبي، لكن مهما قطع هؤلاء أشواطاً في تقبل الآخر، فقد يبقى الأخير يتعامل بفوقية اجتماعية مع الشريك القادم من بيئة عربية، ما يجعل الجانب السوري في حالة سعي دؤوب نحو إثبات أهليته ليكون طرفاً في علاقة ناجحة.

سيرة جنسية... فقيرة

مايا (اسم مستعار، 25 عاماً) هي سورية تدرس في المجر، بدأت علاقتها العاطفية مع المجري أتيلا (29 عاماً) بعدما تعرفت إليه في جامعة ديبرتسن الهنغارية، وبعد مرور أسابيع قليلة على العلاقة بدأت الخلافات تحوم حول السرير.

تقول طالبة الصحة العامة: «جرت العلاقة في الأسابيع الأولى في سياقها الطبيعي، وعندما حان موعد التعبير عن المشاعر جسدياً طبقاً لتقويم زمني أوروبي لم يتجاوز أسبوعين، بدأ يطلب مني أن أمارس الجنس معه»، مضيفة: «في البداية صرت أتهرب بالمراوغة ودلع النساء إلى أن سئم الأسلوب الرومانسي وانتقل إلى المواجهة الصريحة».

استسلم أتيلا بعدما علم أن مانيا لا تزال عذراء، ورفض خوض غمار امتحان الهوة الثقافية والاجتماعية بينه وبين الفتاة التي أحبها. تروي مانا: «صار يريد التملص من العلاقة، ورغم محاولتي البدء معه في علاقة جسدية بسيطة، أراد العلاقة كاملةً منذ البداية، وهذا ما أعجز عن تلبيته قبل الزواج الرسمي»، مشيرة إلى أنه "حتى لو اقتنعتُ بإقامة العلاقة كاملة معه، فأنا أحتاج إلى الوقت والتدرج، لكنه فضل الهرب منهياً علاقتنا فجأة».

قد تعيش الفتاة السورية في أوروبا حالة من التمرد على سنوات من السطوة الذكورية أجبرتها على مراعاة رغبات الرجل، لتصدم بشريك أوروبي يضعها في امتحان الطاعة نفسه

لمست مايا صدق مشاعر أتيلا، غير أنه قطع العلاقة نهائياً بعدما نعتها بنعوت أهانت أنوثتها وكبرياءها، ملتزماً في النتيجة قاعدة تنميط الملتزمين دينياً واجتماعياً بصفتهم «بشر من الدرجة الثانية» في تصنيف التحرر والانفتاح.

«هل هكذا يكون التحرر؟»

تروي زهرة (31 عاماً) تفاصيل قصتها مع شريكها الألماني بيتروس (40 عاماً): «لطالما كان غريب الأطوار في السرير ويحاول اختلاق أساليب وطرق غريبة في العلاقة تحت مبرر كسر الرتابة في العلاقة الجنسية، ولم أعترض يوماً رغم أنه طلب أشياء غريبة».

تضيف الشابة التي وصلت إلى دوسلدورف الألمانية قبل خمسة أعوام: «إحدى العادات الغريبة حضور أفلام البورنو ثم تقليدنا أبطالها، كنت أفعل ذلك وقوفاً عند رغبته إلى أن بدأ يستخدم أفلاماً مريعة، مثل أفلام الثلاثيات التي يكون أبطالها ثلاثة يمارسون الجنس معاً، وبدأت المشكلة عندما اقترح عليّ ممازحاً تجربة هذا النوع».

تشاجرا بعد اقتراحه وتطورت المشكلة التي بدأت على شكل دعابة إلى أزمة تهددت العلاقة، لكنه عاد بعد مدة ليقترح عليها أمراً أكثر غرابة حين دعاها إلى حضور حفلة «سوينغرس» القائمة على ممارسة الجنس بعد تبادل الشركاء.

تقول: «راسلني بالدعوة التي وصلته عبر واتساب، وعندما وصل إلى المنزل تجاهلتُ الأمر ليعود ويسألني مرة أخرى، وهنا صرخت في وجهه: هل تريد مقايضة جسدي! أنت بلا كرامة»، قبل أن يتطور الأمر إلى اعتدائه عليها بالضرب وتركها المنزل.

«لا أندم على نهاية هذه العلاقة، ولا أحمّل المسؤولية لأصولي ومبادئي الشرقية، فهو ورفاقه مصابون بالشره الجنسي، ولديهم أنماط مختلفة من الشذوذ، ولم أتمكن حتى من مناقشة ما يفعلونه».

حتى الأوروبيات يُعنفن

تتعرض واحدة من كل عشر نساء في أوروبا لأحد أشكال العنف الجنسي منذ سن 15 عاماً، ونسبة مقاربة تتعرض لذلك قبل سن الـ15، وفق دراسة نشرتها وكالة الاتحاد الأوروبي للحقوق الأساسية عام 2014، فيما تتعرض 6% من الشريكات للإجبار على الجماع أو المشاركة في نشاط جنسي دون موافقتهن.

تتصدّر السويد القائمة في أعلى نسبة من جرائم العنف الجنسي، تليها اسكتلندا وأيرلندا الشمالية والمملكة المتحدة وبلجيكا، فيما ارتفعت النسب بصورة كبيرة في السنوات الأخيرة بحسب المفوضية الأوروبية.

«تتعدد أشكال العنف الجنسي بين الشريكين بشكل كبير، فتبدأ من التصحّر الجنسي وهو امتناع أحد الطرفين عن العلاقة، لتصل إلى العنف الناجم عن الشره والشذوذ والاضطرابات النفسية الجنسية»، وفق الباحثة في علم النفس الاجتماعي فلوك أوهميتي.

حالة هستيرية تصيب ليلى عند ملامسة حبيبها جسدها، فتحاول الهرب من أي اتصال جسدي يحمل أفكاراً أو وضعيات جسدية مرتبطة بحادثة الختان

أجرت أوهميتي عدداً من الدراسات في هذا المجال، وهي من كوسوفو وتعيش في بولندا. تقول لـ«صوت سوري» إن: «أي نوع من الكبت أو المبالغة في الحاجات الإنسانية سينتج منه شعور الطرف الآخر بأنه ضحية فتتخلخل العلاقة، حتى لو كان الطرفان ينتميان إلى الثقافة والمجتمع نفسهما»، لافتة إلى أن «المشكلة تتفاقم عندما يعجز أحد الطرفين عن خلق نقاط التقاء مشتركة، وينصرف إلى المشاحنات الناتجة من اختلاف الآراء وطرق التفكير».

قد تعيش الفتاة السورية في أوروبا، وفق أوهميتي، حالة من التمرد على سنوات من السطوة الذكورية التي أجبرتها على مراعاة رغبات الرجل الذي يفعل ما يحلو له تحت عباءة الذكورية المفرطة، وهي تظن أنها ستقلع عن هذه الممارسات بمجرد وصولها إلى أوروبا، لتصدم عند إقامة العلاقة بنموذج لشريك يبحث عن متطلبات جنسية غريبة ويضعها في امتحان الطاعة نفسه، ولكن هذه المرة للمجتمع والانفتاح وليس للرجل فحسب. 

تتابع الاختصاصية النفسية: «تباين الثقافات يؤثر كثيراً في العلاقة الجنسية، وغالباً ما يتحقق بسبب سعي الشريكة السورية إليه كانتصار على تحدي الاندماج للوصول إلى بر الأمان الأوروبي المتمثل في الشريك الأجنبي، فيكون الاندماج الجنسي تأشيرة عبور».

«أنا الضحية لكنه لم يفهم!»

هذه الأوضاع جعلت ليلى (اسم مستعار) موقنةً منذ بداية علاقتها بشاب أن نهاية العلاقة ستكون مع ابتداء مسألة الجنس. تقول ليلى (25 عاماً)، وهي سورية عاشت طفولتها في إقليم كردستان العراق وانتقلت إلى ألمانيا العام 2014: «أحببت شابي (28 عاماً) كثيراً وكنت أعرف أن نهاية العلاقة ستكون مع بداية الجانب الجنسي الذي لم أستطع تجاهله بسبب حبي له... رغم مأساتي، لم أقوَ على الامتناع عن تقبيله واحتضانه لكن المشكلة ظهرت في المرحلة التالية».

ولدت ليلى لأب سوري وأم عراقية في محافظة السيلمانية في كردستان العراق حيث لا تزال عادة ختان الإناث منتشرة، وبالطبع اختتنت الفتاة عندما كانت في الخامسة لتواجه مشكلة عدم الاندماج الجنسي عندما وصلت إلى ألمانيا وأحبت شابي وارتبطت به. 

حالة هستيرية تصيب ليلى عند ملامسة حبيبها جسدها، فتحاول الهرب من أي اتصال جسدي يحمل أفكاراً أو مشاعر أو وضعيات جسدية مرتبطة بحادثة الختان، إضافة إلى أنها تعاني من سهولة استثارة الفزع عند ملامسة المهبل أو الاقتراب منه، والنزق وعدم القدرة على الاسترخاء والتوتر والارتعاش الشديد في حال استحضار حادثة الختان والمشاهد والأشخاص المشاركين فيها.

عن علاقتها الجنسية، تقول: «حاول شابي التعامل مع الحالة النفسية التي تصيبني عندما يقترب أحدنا من الآخر ظناً منه أن هذا التوتر نتيجة قلة تجاربي الجنسية، وبعد أشهر صارت المسألة تثير غضبه لاعتقاده أن سبب المشكلة هو رفضي له».

لم تصارح ليلى حبيبها تفادياً للحرج ولعدم تكريس «أسطوانة» جارحة صدّع بها رأسها مفادها أنها قادمة من بيئة غير متحضرة وفيها من التخلف والجهل ما فيها. 

«للأسف هو محق، ولكن لا أريد أن أرسخ هذا الاعتقاد داخله، لذلك أخفي حقيقة ختاني»، هكذا تبرر ليلى إبقاءها الأمر طي الكتمان. وتضيف: «ليس لديه أدنى فكرة عن هذا النوع من الجرائم، وعقله لن يدرك ذلك، ولا أعلم ماذا سيكون رد فعله، إضافة إلى مخاوفي من إحجامه عن الزواج بعدما يعلم حقيقة ذلك، فهو كثيراً ما يرى في تلك الهوة الثقافية عائقاً أمام زواجنا».

«اندماج مفخخ»

هي معركة مضنية، فالختان والرهاب الجنسي، والحرام والحلال، كلها اعتبارات قد لا تجد طريقاً إلى قاموس شاب أوروبي عاش طفولته في بيئة منفتحة لا ترى الجنس «تابوهاً» إلا في حالة الاضطراب النفسي، إضافة إلى أن كثيراً من العلاقات بين شريكين أحدهما أجنبي في أوروبا قد لا تخلو من تنميط يحتضن سلوكات أو ظنوناً عنصرية إقصائية للبيئة العربية أو السورية. وغالباً ما تطفو هذه السلوكات على السطح عند أي مشاحنة أو سجال يحمل طابعاً اجتماعياً أو جنسياً.


Share!

لا يتبنى «صوت سوري» أي توجه مسيس للملف السوري ولا تقف وراءه أي جهة سياسية.
نحن نراهن على دعمك لنا في الوصول إلى جميع السوريين والسوريات.

إذا رأيت أن خطابنا يستحق الوصول انشري / انشر هذا المقال من فضلك

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها