× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

جولة في عوالم تدوير النفايات في جبلة واللاذقيّة

حكاياتنا - خبز 27-05-2023

العمل في إعادة تدوير النفايات، وإنما من الأسفل حيث تجمع القمامة بأصول للفرز والاستخدام، أو لإعادة البيع ضمن حلقة من حلقات سلسلة عملية التدوير، هو ما نراه يتسع في ظل استمرار الأزمة الاقتصادية الخانقة

يستوقف كثيرين مشهد أطفال ورجال، وفي بعض الأحيان نساء، يسبرون ما في حاويات القمامة في الشوارع، ويأخذون منها بعض الأغراض. لكن ما قد لا يعرفه كثرٌ هو أن ما يمارسه هؤلاء هو مهنة شبه منظمة في مناطق كثيرة من سوريا، وأنهم يعملون في مناطق معيّنة ويبحثون عن مواد محددة.

تتبع كثير من دول العالم لوائح صارمة في ما يتعلق بإعادة تدوير النفايات، لأنها تُعتبر تهديداً للبيئة وللمجتمع، وفي الوقت ذاته توفر عملية إعادة التدوير مليارات الدولارات ضمن القطاع الصناعي. ولكن هذا الأمر غير رائج في الدول ذات الدخل المنخفض مثل سوريا.

رغم ذلك وفي السنوات الأخيرة، بدأ جمع النفايات يصبح مهنة رائجة في كثير من المناطق السورية، وعلى اختلاف السيطرات.

في مدينة جبلة الساحلية الصغيرة نسبياً، أصبحت هذه المهنة منظمة على نطاق محدود. ومن خلال التواصل مع عائلة تمتهن الأمر، قال لنا أبو محمد - رأس العائلة - إنهم يجمعون الخبز اليابس وبقايا الخضار والفواكه من الحاويات لإطعامها لمواشيهم، إذ يعملون على جمعها من الحاويات بالاستعانة بدراجة ذات ثلاث عجلات (موتور)، ويمرّون بالحاويات كل ثلاث ساعات على الأكثر، كي لا تتراكم طبقات جديدة فوق القديمة، ويصعب العمل، وبالطبع كي لا يسبقهم أحد إليها، فهم ليسوا الوحيدين الذين يمارسون هذا العمل في المدينة. 

مع غلاء سعر الأعلاف، كان ذلك الحل الأسهل والأوفر لهم، ويقول أبو محمد إنه الآن في موسم المونة يجمع كل يوم أكثر من عشرين كيساً كبيراً (شوالاً) من مخلفات البازلاء وحدها، ويتابع أن الناس ينظرون إليها على أنها مخلفات، «وأنا أنظر إليها كثروة، لأنها توفّر الكثير من المال». وعند سؤاله عما يواجهون من صعوبات، يشتكي من سعر البنزين، ومن عدم احترام زملاء المهنة لمناطق عمل كل منهم، فقد تقاسموا الأحياء بينهم، ولا يُسمح لهم بجمع القمامة إلا في مناطق محددة ومن نوع محدد، ولكن الخلافات غالباً ما تشب بينهم بسبب محاولة البعض التعدي على مناطق أخرى حسب قوله.

يقول أبو محمد إنه الآن في موسم المونة يجمع كل يوم أكثر من عشرين شوالاً من مخلفات البازلاء وحدها، و«أنا أنظر إليها كثروة»

عائلة أبو محمد لا تجمع الكرتون والزجاج والأمور الأخرى، بل يجمعها عمال آخرون يختصون بذلك. وقد دلّنا بالفعل على مجموعة أخرى تقوم بهذا الأمر، وبالتواصل مع أحد أفرادها ويدعى أيمن، أخبرنا بأنه يجمع الكرتون والبلاستيك من حيّين، ويفصلهما لتعبئتهما في أكياس كبيرة، وعندما تتجمع لديه حمولة سيارة، يتصل بمتعهد أكبر يمر ليفحص البضاعة، ثم تُباع بالكيلو. 

لم يفصح لنا أيمن عن السعر الذي يبيع به ما يجمعه، مؤكداً أنه متغيّر حسب سعر صرف الدولار ويختلف من مادة لأخرى. وافق أيمن على إعطائنا رقم هاتف المتعهد، تواصلنا مع الأخير بغية الاجتماع به، وبعد طول تمنّع حصل اللقاء واشترط عدم ذكر اسمه. سألته عما يحدث بعد استلامه البضاعة، فأجاب أن لكل نوع تصريف مختلف، فالأنواع البلاستيكية تُباع لمعامل تفرمها وتُعيد إنتاجها في شكل حبيبات معاد تدويرها، تمهيداً لبيعها لمعامل التصنيع مباشرة، أما المخلفات الورقية والكرتون فتباع لتاجر أكبر، يعمل على تجميعها وبيعها لمعامل مختلفة كمعامل الكرتون والمحارم وغيرها.

في اللاذقية (المدينة الأكبر حجماً والأكثر سكاناً)، العمل منظم أكثر، إذ توجد ورش كبيرة تختص بالأحياء، فتجد ورشة تعمل في المشروع العاشر، وأخرى في منطقة الزراعة، وهكذا. 

تعمل ورشة منطقة الزراعة على مدار اليوم، اعتماداً على ورديّتين: الأولى منذ الصباح حتى العصر، والثانية من العصر حتى صباح اليوم التالي. 

يجري الفرز بطريقة منظمة: كراتين البيض تُجمع وحدها، أكواب القهوة والشاي وحدها، مروراً بمخلفات البيوت، ويصل الأمر إلى كراسي الخشب والبلاستيك وغيرها. في هذا الوقت، تتولى سيارة أخذ النواتج إلى مستودعات كبيرة على طرف المدينة، ليجري تجميع كل صنف منها وترحيله إلى المعامل من دون وسيط. وتتألف الورشة من سيارة ودراجة نارية ثلاثية العجلات، ودراجة هوائية للحاويات القريبة، وستة عمال صباحاً بينهم طفلان، وثلاثة عمال للّيل.

في حي الأميركان الأمر مماثل، ولكن الورشة نهارية فقط، والترحيل سريع لأن الحي «راقٍ»، والبلدية تسبب لهم المشكلات إذا تجمعت أكوام النفايات المفروزة. هناك ورش غير مستقرة كورشة ضاحية بوقا، ويقول صاحب الورشة إنه يجمع المخلفات المطلوبة من الحاويات سريعاً بواسطة سيارته، ثم يفرزها أمام مستودعه في الضاحية ثم يكون البيع تباعاً، وعند سؤاله عن الأنواع الأكثر طلباً من قبل التجار، أجاب أن علب التنك هي الأكثر ربحية.

عند سؤال أصحاب الورش إذا كان يُفرض عليهم دفع أي مبلغ من المال إلى البلدية، كان الرد بالإيجاب، والدفع شهري، وطبعاً بطريقة غير رسمية، ومن دون الدفع سيتعرّضون للإيقاف ومصادرة ما جمعوه كون مهنتهم غير قانونية. 

قد تبدو هذه المهنة غريبة لكثيرين، وربما غير ملائمة، ويزيد على ذلك ما تحمله أيضاً من أضرار صحية، ولكن في الظروف الاقتصادية، لا يجد العديد من الناس فرصاً مناسبة لعمل يؤمّن لهم معيشة الكفاف، فتتفتق أذهان السوريين عما قد ينتشلهم من العوز.


Share!

لا يتبنى «صوت سوري» أي توجه مسيس للملف السوري ولا تقف وراءه أي جهة سياسية.
نحن نراهن على دعمك لنا في الوصول إلى جميع السوريين والسوريات.

إذا رأيت أن خطابنا يستحق الوصول انشري / انشر هذا المقال من فضلك

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها