× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

الدردري والحلَّاق.. «نكتة» سوريّة معاصرة

عقل بارد - على الطاولة 18-08-2023

يبدو الحديث عن «حقبة الدردري» في قيادة الاقتصاد السوري، مغرياً، لما تحتويه من اضطراب - مقصود أو غير مقصود- وتراجع في جميع المؤشرات الاقتصادية، سواء كان متعمداً أو غير متعمد، ولكن المؤكد، وما لا يمكن إنكاره، أن هذه الحقبة شكّلت منعرجاً في اقتصاد البلاد، تساقطت بعده مقومات الاقتصاد السوري بشكل متدرج

الصورة: (tagitit - فليكر)

 تقول نكتة - غير مضحكة ربما لكنها تحوي عبرة قيّمة - إنّ حلاقاً استقبل زبونه بجملته المعتادة «مين الغشيم اللي عامل بشعرك هيك؟»، فالتفت إليه الزبون مبتسماً، وقال:«أنت حلاقي»...

 هل تذكرون عبد الله الدردري؟ الرجل الذي قاد مرحلة التحول من الاقتصاد الاشتراكي، إلى ما سُمي «اقتصاد السوق الاجتماعي» في العقد الذي سبق الحرب في سوريا؟ 

خلال السنوات الماضية، غاب ذكر الدردري عن وسائل الإعلام، أو كاد، برغم توليه مناصب مختلفة في المنظمات الأممية، قبل أن يصبح مساعداً للأمين العام للأمم المتحدة، رغم ذلك، لم يغب ذكره عن ألسن كثير من السوريين الذين عاشوا «عصر التحول الاقتصادي» الذي لعب الرجل فيه دوراً محوريّاً، فهو مهندس «الخطة الخمسية العاشرة». 

أخيراً، أطل الدردري عبر حوار أجرته معه مجلة «المجلة»، أطلق فيه سلسلة طويلة من التصريحات تتعلق بمجالات عمله «الإنمائية» التي تشمل مناطق مختلفة من العالم العربي، بما فيها سوريا التي خصص لها بعضاً من وقته، للعمل على «مشروعات تنموية» في البلد الذي دُمر في الحرب ما بقي من اقتصاده، وشُرد الملايين من سكانه الذين يُعدون «أهم مصدر للتنمية الاقتصادية»، وفق ما يؤكده، ولا خلاف عليه بالطبع.

خلال حديثه عن المشروعات الإنمائية في سوريا، يرفع الرجل شعار «الزراعة أولاً»، ويقول مستفيضاً «سوريا بلد نجح عبر التاريخ وصمد عبر الأزمات لأنه بلد ناجح زراعياً. نريد أن نعود إلى دعم الملكية الصغيرة، والفلاح الصغير، الذي لم يعد يملك إمكانية دفع ثمن المازوت والمواد الزراعية، ومثل ذلك الدعم قيمته منخفضة نسبياً، ولكن أثره على المستوى الأفقي يمكن أن يكون واسعاً جداً. الزراعة أولاً». 

يتابع الدردري، الذي من المفترض أنه يعرف الاقتصاد السوري جيداً «سوريا بلد تجاري وبالتالي إحياء القطاع التجاري الصغير أمر مهم للغاية لنجاح التعافي، فمع الإحياء الجزئي للقطاع الزراعي، لا بد من إعادة الحياة إلى جزء من القطاع التجاري الصغير الحجم، وتعزيز الصناعات الغذائية الزراعية الصغيرة الحجم، لأنه لا بد من تطوير سلاسل القيمة، فالمزارع إذا زرع، وكان غير قادر على التسويق وغير قادر على التصنيع، يبقى منتجه الزراعي في مكانه. وقد يكون غير قادر على التسويق لأنه ليس لديه مازوت لتشغيل شاحنته لنقل بضاعته... لذلك نحن ندخل في التفاصيل التي قد تبدو صغيرة لكننا نعرف أن الريف السوري يعتمد على سلاسل قيمة قائمة على الثقة، إذ يمكن للمزارع طلب كمية معينة من السماد وتصله على أن يدفع ثمنها لاحقاً. سلاسل القيمة تلك القائمة على الثقة هي اليوم مقطعة ومهشمة، فهل بالإمكان إعادتها؟ هنا السؤال، ولكن إعادتها يمثل أحد أهداف هذا التوجه الذي نناقشه».

أثناء تسلمه دفة الاقتصاد السوري قاد الدردري عمليات رفع الدعم بمختلف أشكاله عن المزارعين، برغم الأزمة المناخية وموجة الجفاف الشديدة التي ضربت البلاد حينها

جميع ما سبق يبدو منطقياً، ويتوافق إلى حد كبير مع طبيعة الاقتصاد السوري قبل الحرب، وربما خلالها، لكنّ الأسئلة المهمة التي تستوجب التوقف عندها عديدة، وتدور بمجملها حول سبب تجاهل الدردري هذا المنطق خلال فترة توليه مسؤولية «الانتقال الاقتصادي» سواء حين كان رئيساً لـ «هيئة تخطيط الدولة»، أو بعد انتقاله إلى منصب نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية، بصلاحيات أوسع.

على امتداد تلك الحقبة، قاد الرجل وبكل إصرار عمليات رفع الدعم بمختلف أشكاله عن المزارعين، برغم الأزمة المناخية الشديدة وموجة الجفاف التي ضربت البلاد حينها، ما أدى في النهاية إلى تضرر القطاع الزراعي الذي يتحدث عن إنعاشه الآن، وأفرز موجات نزوج جماعية من القرى والمجتمعات الزراعية إلى المدن الكبيرة التي كانت تضج بالمشاريع الخدمية، غير الإنتاجية، (وفقاً لما أكده الدردري نفسه في  جلسة استماع في مجلس الشعب العام 2010  «بين العامين 2001 و2009 انتقل نحو 600 ألف عامل من القطاع الزراعي إلى قطاعات أخرى»، ليتحول الاقتصاد السوري بشكل متدرج من اقتصاد منتج، إلى اقتصاد ذي طابع خدمي، انهار مع أول امتحان حقيقي.

 يمكن سرد صفحات، وربما كتب، للحديث عن التناقضات بين تصريحات الدردري الأحدث، وما قاد تنفيذه على أرض الواقع قبل عقدين، أو للحديث عن نتائج سياسته الاقتصادية، غير أن نظرة سريعة على مخرجات تقرير أعده قبل سنوات طويلة الدكتور تيسير الرداوي، الذي تولى رئاسة «هيئة تخطيط الدولة» خلفاً للدردري، يمكن أن تشرح الواقع الاقتصادي حينها

يشير الدردري في تصريحاته الجديدة إلى أهمية الموارد البشرية في الاقتصاد الوطني، وفي عمليات التنمية، وهي نقطة أثبتت دراسات عدة، بما فيها تقرير «هيئة تخطيط الدولة»، أنها تدهورت بشكل واضح بين العامين 2006 - 2008، إذ ارتفع مستوى البطالة المعلن من نحو 9 بالمئة، إلى 10.9 بالمئة، وارتفع التضخم أيضاً من 9.9 بالمئة إلى أكثر من 15 بالمئة.

التقرير ذاته، يعيد أسباب تراجع المؤشرات الاقتصادية، بما فيها معدلات النمو، إلى تحول الاقتصاد السوري إلى اقتصاد استهلاكي لا استثماري، ما يعني بلغة مبسطة أن السوريين تحولوا إلى مستهلكين بشكل متسارع، على حساب الإنتاج بمختلف أشكاله، سواء الزراعة، أو الصناعات التحويلية التي يتحدث عن إنعاشها الدردري الآن.

بشكل عام، يبدو الحديث عن حقبة الدردري في قيادة الاقتصاد السوري وما شابها من أزمات تراكمية، دفعت بشكل أو بآخر، إلى الانهيار المتسارع للاقتصاد السوري مع اندلاع الحرب في البلاد، مغرياً، لما تحتويه من اضطراب - مقصود أو غير مقصود- وتراجع في جميع المؤشرات الاقتصادية، سواء كان متعمداً أو غير متعمد، ولكن المؤكد، وما لا يمكن إنكاره، أن هذه الحقبة شكّلت منعرجاً في اقتصاد البلاد، تساقطت بعده مقومات الاقتصاد السوري بشكل متدرج، لتأتي الحرب، وتهدم ما بقي من ملامح هذه المقومات، فلم يعد ثمة إنتاج زراعي كاف، أو ممكن، أو حتى مجد في ظل أزمات الوقود والسماد والماء في الوقت الحالي، ولا إنتاج تحويلي، ولا تجارة، ولا حتى مشاريع صغيرة قادرة على سد رمق من يعمل فيها.

في مسلسلات البيئة الشامية، يحتل الحلاق مركزاً مرموقاً في المجتمع، فهو الحلاق، والمطهّر، والطبيب، يشذب الشعر، ويحف الشوارب، ويعالج الجرب، والصلع، والنقرزان.. ويخلط اليانسون بالميرمية بالمردكوش ويقدمها علاجاً للسرطان.. والأعمار بيد الله.

ما سبق ليس نكتة.. للأسف.