× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

لقد كان زمن خالد العظم!

عقل بارد - أوراقنا 22-05-2020

أول إشارة إلى قصة فساد في الوظيفة العامة في عهد الدولة السورية الوليدة، كانت في العام 1925. في السابع من آذار، تم اعتقال مدير شرطة دمشق، حمدي بك الجلاد، من قبل الشرطة المحلية بتهمة الاختلاس، ليحكم عليه لاحقاً بالسجن ثلاث سنوات، مع تغريمه مبلغ ستين ليرة ذهبية، تدفع لسائقين اثنين من الشرطة قام المدير بتوقيفهما بشكل غير مشروع

في 6 حزيران من العام 1941 دخلت القوات الإنكليزية، ترافقها قوات فرنسا الحرّة التابعة للجنرال شارل ديغول، مدينة درعا السورية ومنها إلى الصنمين لمواجهة قوات فيشي الفرنسية، التي ورثت احتلال سوريا.
آنذاك كان رئيس الحكومة السورية هو خالد العظم، الذي اتخذ قراراً بعدم الانحياز إلى أي من الفريقين المتحاربين، وأصدر مرسوماً في 19 حزيران طالب جميع الأهالي بالتزام الحياد والخلود إلى السكينة. وحاول في الوقت نفسه إقناع الفرنسيين بجعل دمشق مدينة مفتوحة، بغية تجنيبها مخاطر التدمير في صراع المستعمرين.
في منتصف ليل 20 حزيران جال رئيس الحكومة على المخافر والمخابز، فلم يجد كثيراً من منتسبيها في مواقعهم، استدعاهم ولامهم على عدم اهتمامهم، وفرض عقوبة حسم أجر ثلاثة أيام لكل موظف تغيّب عن عمله. ووسط القصف الإنكليزي والرد الفرنسي طلب العظم رئيس جهاز الشرطة، تحسين العنبري، الذي زكّاه هو ليكون بديلاً من رئيس الشرطة الفرنسي فوجده نائماً. 
يتساءل العظم: كيف يمكن للمرء أن ينام وسط هذه الظروف التي تقتضي استنفاراً منه»؟ وينوّه في مذكراته إلى أن «الموظف السوري مهمل في عمله بما يخجل، ترى الموظفين يتبوؤون الكراسي والمقاعد، ويتناولون القهوة والمرطبات صيفاً، والشاي شتاء، وإن أشرت إلى كتاب عليهم عمله أهملوه للغد» (ج 2/227).

اختلاس أموال في شرطة دمشق
أول إشارة إلى قصة فساد في الوظيفة العامة في عهد الدولة السورية الوليدة، كانت في العام 1925. في السابع من آذار، تم اعتقال مدير شرطة دمشق، حمدي بك الجلاد، من قبل الشرطة المحلية بتهمة الاختلاس، ليحكم عليه لاحقاً بالسجن ثلاث سنوات، مع تغريمه مبلغ ستين ليرة ذهبية، تدفع لسائقين اثنين من الشرطة قام المدير بتوقيفهما بشكل غير مشروع.
كان ذلك الحدث جللاً ضجت به صحف دمشق وقتها، ولأهميته نقلته الوثائق الفرنسية وسجلته في وثائقها السرية (ملف رقم 4 /H85 من ملفات الاستخبارات الفرنسية). ليس في تلك الوثيقة ما يشير إلى الطريقة التي تمت بها معرفة أمر الاختلاس، ولا المبلغ المختلس.
من بين عوامل أهمية الحدث المذكور، أن جهاز الدولة القضائي قام بالإجراءات القانونية المناسبة فور تلقيه الإخبار بالاختلاس، ولم يكتف بالعقوبة المالية، بل حرم المعني - وهو ذو منصب حساس - من تولي أي وظيفة رسمية للأبد، وفق نص القرار.

تحدّي تخفيض سعر الخبز
في 5 شباط من العام 1927 نقلت صحف دمشق أن وراء ارتفاع سعر الطحين، رئيس بلدية دمشق رشدي الصفدي، الذي سرت أنباء عن قبضه مبلغ 300 ليرة من صاحب مطحنة يدعى جميل جنيع. لا يسجل التقرير نوع تلك الليرة، هل هي ذهبية أم ورقية، لكن في وقتها كانت الليرة الورقية تساوي ليرة ذهبية، وتلك كانت طريقة فرنسا في سرقة ذهب السوريين. قيل، وفق الوثيقة، إن الصفدي أكد أنه لن يحدد سعر الطحين، وإنه منح الصحافي طه المدور مبلغ 100 مجيدية عثمانية، وصاحب جريدة «الأيام» نصوح بابيل مبلغ 60 ليرة، والشيخ راتب عثمان مبلغ 70 ليرة. ذُكرت أدلة على تورط رئيس البلدية، منها أنه رفض تحديد سعر الطحين، ثم سفره المفاجئ إلى عمّان بحجة تفقد ممتلكاته (ملف رقم 4 /H85).

أول إشارة إلى قصة فساد في الوظيفة العامة في سوريا كانت في العام 1925، حين تم اعتقال مدير شرطة دمشق، بتهمة الاختلاس

في شهر آب من العام 1941، اجتاحت دمشق موجة غضب عارمة بعد ارتفاع أسعار الطحين برغم جودة الموسم الزراعي، واتُّهمت البلدية بشراء القمح الجيد بسعر عشرة قروش، والاتفاق مع مطاحن مهايني، الجلاد (أحد أفراد عائلة الجلاد كان مدير شرطة دمشق كما ذكرنا سابقاً)، على طحن الدقيق (زيرو) بعد خلطه بكميات كبيرة من النخالة، والمواد الأخرى، وقيامها ببيع الطحين المغشوش إلى الأفران بسعر عشر قروش، كما ظهرت احتجاجات أخرى على تخصيص 250 غرام فقط من الخبز يومياً للفرد، (تبلغ المخصصات اليوم 300 غرام) وهي كمية لا تكفيه. بالمثل تم اعتقال الإخوة معمار باشي، في حلب للسبب نفسه.
يذكر خالد العظم، أن جماعة من أصحاب المطاحن كانوا قد أسسوا سنديكا (تجمّعا لأصحاب المصالح)، وأغلقوا أكثر المطاحن لقاء مبلغ مقطوع، كما استولوا على بقيتها وصاروا يفرضون سعر القمح بالشراء وسعر الطحين في بيعه للمخابز، وهو ما تسبب في غلاء الخبز.
حاول الرجل إفهام القائمين على تلك السنديكا، وعلى رأسهم أنطون الجلاد ومنير المهايني، «ضرورة الحد من أطماعهم والرفق بالمساكين»، لكنه لم يفلح. يقول «فجزمت أن أية حكومة لا تستطيع فرض إرادتها على أصحاب المطاحن إن لم يكن هناك تشريع يجيز لها وضع اليد على العدد الكافي من المطاحن لتأمين حاجة البلد من الطحين بسعر معتدل، فوضعت مشروع تشريعي يجيز للحكومة وضع يدها على عدد من المطاحن لقاء أجر مقطوع تعينه لجنة من الخبراء، وأرسلت المشروع إلى مجلس الشورى لإقراره، ولما بلغ ذلك مدراء السنديكا جن جنونهم، وعملوا ما استطاعوا لعرقلة المشروع مستخدمين نفوذهم لدى الفرنسيين، ولدى الأعضاء النافذين في مجلس الشورى».
لم تنفع تلك المحاولات في ثني الرجل عن خطته لتخفيض سعر الخبز، فعمل على إصدار تشريع ثان يمنع بقاء المراسيم ذات الصفة المستعجلة في مجلس الشورى أكثر من يومين. صدر المرسوم التشريعي، فخضع أصحاب المطاحن، وأعلنوا موافقتهم على السعر الذي تحدده لجنة الخبراء التي درست الأسعار، ونفقات الطحين، وانتهت إلى تخفيض سعر الطحين وأسعار الخبز.

حكاية فساد إنشاء مرفأ اللاذقية
كان إنشاء مرفأ اللاذقية من بنات أفكار خالد العظم، وقد جاءت إثر تفكيك الارتباط الجمركي مع لبنان، إذ كانت كل صادرات سوريا تمر عبر مرفأ بيروت، ما كان يجعل بلداً بكامله تحت رحمة تجار بيروت، عدا عن ضياع ملايين الليرات السورية بسبب تحويلها إلى العملة اللبنانية، وهو ما وعاه العظم حين طرح مشروع إنشاء المرفأ.
كانت المشكلة، اﻷولى واﻷهم، هي التمويل، فلا الدولة قادرة على تمويل مشروع ضخم بهذا الحجم (25 مليون ليرة في كانون الثاني 1950)، ولا هي قادرة على إعطائه لشركة أجنبية بما يهدد استقلال البلد وسيادته، فكان التفكير بإيجاد حل وسط يقدّم خدمات على مستوى عالمي، ويحافظ على هوية المرفأ. كان الحل إحداث شركة مساهمة سورية، تشترك فيها الدولة، والقطاع الخاص، وحملة أسهم من اﻷفراد، وكان سعر السهم وقتها مئة ليرة سورية. وفي 12 شباط 1950 تم إعلان تأسيس الشركة. 
يشير خالد العظم، إلى أن فكرته بإنشاء شركة مساهمة سورية تُمنح امتياز إنشاء واستثمار مرفأ اللاذقية، جاءت «لكي نؤمّن إدارة أمور الشركة على اﻷساس التجاري المألوف، لا على أساس إدارة مؤسسات الدولة ذات التعقيد والتطويل في المعاملات». 
في زيارته إلى اللاذقية برفقة أعضاء الحكومة، تحدث العظم في خطاب شهير له بجملة قال فيها: «يقول المثل العامي هنيئاً لمن له مرقد عنزة في لبنان، واﻵن أستطيع أن أقول: هنيئاً لمن له شبر أرض في اللاذقية». في تلك الزيارة طلب رئيس البلدية الموافقة على تسمية أحد الشوارع باسم العظم، فرفض الأخير. 
يقول الرجل في مذكراته الممنوعة حتى اﻵن من التداول في سوريا: «بادرنا إلى تسمية رئيس وأعضاء مجلس إدارة مرفأ اللاذقية، فاخترنا السيد عزت الطرابلسي من خيرة الشبان الحائزين على الدكتوراه في العلوم المالية من فرنسا».

وُلدت فكرة إنشاء مرفأ اللاذقية إثر تفكيك الارتباط الجمركي مع لبنان، إذ كانت كل صادرات سوريا تمر عبر مرفأ بيروت

افتتح الاكتتاب على أسهم شركة المرفأ فلم يقبل على شرائها سوى قلة من الناس، وبقيت معظم اﻷسهم ملكاً للدولة، وتم إعلان المناقصة التي اشتركت فيها سبع شركات عالمية، ورست المناقصة على شركة فرنسية، إلا أن «الحكم في البلاد قد أصبح في أيدي أشخاص مغرورين بفهمهم، فأوقف رئيس الدولة الزعيم فوزي سلو المشروع أشهراً عديدة، ورفض التصديق على نتائج المناقصة العالمية، وألّف لجنة لدراسة دفتر الشروط من جديد، وفي الوقت نفسه تم تبديل مجلس اﻹدارة والإعلان عن مناقصة جديدة".
اشتركت في المناقصة من جديد بضع شركات، إلا أن السعر اﻷدنى المقدّم كان يزيد عن السعر الذي رست عليه المناقصة اﻷولى، وبغاية تلافي الفضيحة، تم إصدار مرسوم تشريعي أُعفيت بموجبه جميع المواد التي يستوردها الملتزم من الرسوم الجمركية، لتضيع على الخزينة ملايين الليرات السورية من جديد.
يكمل العظم الرواية: «حاولت الحكومة الحصول على ملتزم جديد يقبل بسعر أدنى، فوجدت شركة يوغسلافية ـ هي في الحقيقة ملك للدولة ـ  واتفقت معها على القيام بإنشاء المرفأ لقاء مبلغ 25 مليون ليرة سورية، أي أعلى من مبلغ المناقصة السابقة، والغريب أن هذه الشركة لم يكن قد سبق لها إنشاء أي مرفأ، واﻷغرب، أن اتفاقية اﻹنشاء التي عقدتها الحكومة معها لم تنشر في الجريدة الرسمية كما يقتضي القانون».
كان السبب الرئيس في فسخ المناقصة اﻷولى أحد أقرباء الزعيم فوزي سلو، الذي فشل كذلك في الفوز بالمناقصة الثانية لارتفاع سعره، غير أن عمله هذا أنزل بالمرفأ خسارة فادحة، بسبب زيادة التكلفة، وإطالة أمد افتتاح المرفأ.
يختم الرجل حديثه عن قصة المرفأ وفساده بالقول: «تشجيعاً للاكتتاب في أسهم المرفأ سجلت لنفسي مئة سهم، دفعت منها القسطين اﻷولين، أي أربعة آلاف ليرة سورية، وعندما طلبت الشركة تسديد ثمن الأقساط الثلاثة اﻷخرى كنتُ في عسر مالي حال دون تسديد المطلوب مني، فما كان من القائمين على الشركة إلا أن باعوا أسهمي بسعر أقل من قيمتها الاسمية، فضاع عليّ القسطان اﻷولان، وهكذا كانت مكافأتي لقيامي بتأسيس هذا المشروع: خسارة أربعة آلاف ليرة سورية». ويضيف «لم يكن لي حاشية كحاشية القوتلي أو كحاشية مردم، لا يكتفون بملء جيوبهم باﻷموال بل يتسلطون على الناس ويسرحون ويمرحون في دوائر الدولة، وقد استشرى أمرهم حتى صاروا يسيّرون المظاهرات، ويهاجمون المخازن والدور، ويضربون الناس ويشتمونهم حتى وصل بهم اﻷمر إلى القتل والتعذيب».

تنويه ومراجع

المعلومات المذكورة أعلاه، والتي يرد ذكرها في جميع أجزاء السلسلة موثقة، حتى إننا في بعض اﻷحيان نقلنا بالحرف من دون تغيير يذكر، وللراغبين بالعودة إلى تلك اﻷحداث وقراءتها بالتفصيل الممل العودة  إلى الكتب والصحف التالية:

مذكرات خالد العظم في ثلاثة أجزاء ـ صدرت عن الدار المتحدة للنشر ـ الطبعة الثانية ـ 1972  ـ بيروت.

مذكرات أكرم الحوراني ـ صدرت عن مكتبة مدبولي ـ في القاهرة ـ في أربعة اجزاء من دون تاريخ نشر، لكنها وفق المقدمة كتبت آواخر العام 1972.

ما كتبه أحمد عبد الكريم في كتابه أضواء على تجربة الوحدة ـ وقد صدر في دمشق عن دار اﻷهالي 1962 ثم أعيد طبعه ثانية عام 1991.

ما كتبه محمد اسماعيل هوّاش في كتابه «تكوّن جمهورية» ونقل فيه وثائق الاستخبارات الفرنسية المفرج عنها بعد مرور أكثر من 90 عاماً على تسجيلها ـ صدر عن دار السائح ـ طرابلس لبنان ـ 2005.

ما كتبه حنا بطاطو في كتابه «فلاحو سوريا»، الصادر صدر عن المركز العربي للدراسات وأبحاث السياسات في بيروت ـ بترجمة عبد الله فاضل ورائد النقشبندي ـ عام ـ 2014 . 

بعض الصحف السورية في القرن الماضي ومنها اﻷيام ـ الشعب ـ نضال الشعب ـ البعث ـ الطليعة ـ وغيرها.

نرحب، كل الترحيب، بأي إضافة أو تعليق أو تصحيح إن وجد.


Share!

لا يتبنى «صوت سوري» أي توجه مسيس للملف السوري ولا تقف وراءه أي جهة سياسية.
نحن نراهن على دعمك لنا في الوصول إلى جميع السوريين والسوريات.

إذا رأيت أن خطابنا يستحق الوصول انشري / انشر هذا المقال من فضلك

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها